من الرسائل الأولى التي تبادلتها الأديبة الفلسطينية حزامة حبايب مع عدد من الكاتبات العربيات من بينهن الدكتورة رضوى عاشور وهيفاء زنكنة وليلى أبو زيد وإيميلي نصرالله مع مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة تكساس بخصوص نشر مجموعة قصصية لنحو ثلاثين كاتبة من الشرق الأوسط بعنوان "ذكرى وعد: قصص قصيرة لنساء من الشرق الأوسط"، انطلقت حملة مناهضة للتطبيع مع إسرائيل إثر محاولة الجامعة الأميركية المذكورة الجمع بين أديبات عربيات وأديبات إسرائيليات في كتاب واحد.

حيث تؤكد الكاتبة الفلسطينية أن مبادرة المؤسسة الأكاديمية الأميركية العريقة انطوت على نية سيئة مبيته للإيقاع بالكاتبات العربيات واستغفالهن، لا بل واستخدامهن لأغراض سياسية وأيديولوجية، علما بأن هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها دوائر سياسية أو ثقافية واجتماعية أميركية أو غير أميركية اختراق جدار التطبيع مع إسرائيل.

وجدان الناس

المحاولات كثيرة وتنطلق من فكرة عدم جدوى أي اتفاق سياسي يتمكن الكيان الصهيوني من عقده مع هذا الطرف العربي أو ذاك بعيدا عن التطبيع المنشود، وخير دليل على ذلك مضي أكثر من ثلاثة عقود من الزمن على اتفاقات " كامب ديفيد" بين النظام المصري وهذا الكيان المصطنع، من دون أن يتمكن أي من أطراف هذه التسوية الناقصة من كسر الحاجز النفسي الاجتماعي السياسي والوجداني لدى المواطن المصري أو العربي الذي يحول دون أن ينظر هذا المواطن نظرة طبيعية إلى وجود الدولة العبرية بين الدول العربية، ما يعني بقاءها منبوذة ومحتقرة ومرفوضة من قبل شعوب المنطقة.

ومن أجل تحقيق هدف التطبيع، عملت القوى الصهيونية أو المتصهينة حول العالم في كافة الميادين لتجاوز هذا الواقع، لكن جميع محاولاتها باءت بالفشل الذريع ما عدا بعض الاستثناءات "النخبوية" المعزولة التي لا تصل إلى وجدان الناس في الشارع العربي أو المتضامن مع القضية الفلسطينية.

موقف أخلاقي

وأوضحت حزامة حبايب لـ "البيان" أنه ثمة فكرة لجمع المراسلات بين الكاتبات العربيات والمركز الأميركي في كتاب بحيث تقدم كل كاتبة شهادتها وتتكلم عن تجربتها في التصدي لهذا المشروع السياسي المغلف بالثقافة وكيف تمت العملية وكيف عرفن بالموضوع وساهمن في إحباط واحدة من أخطر عمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني.

حيث تمكنت الكاتبات من تسجيل موقف أخلاقي فكري في مواجهة مشروع الاحتلال العنصري المسؤول عن عذابات ملايين الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها، مثلما تمكنّ من تقديم درس في إدارة حملة ثقافية من هذا النوع والحجم.

حيث تقول حزامة: "بدأت بصوت وحيد في البرية وانتهيت بجيش من الأصوات المناهضة للتطبيع". وعلى صعيد ردود الأفعال، أكدت حزامة أنها وزميلاتها تلقين الكثير من رسائل التضامن من أصدقاء حول العالم يشدون فيها على أياديهن ويقولون لهن فيها:"

قد تمكنتن من تقديم درس في مناهضة التطبيع وفي العمل المشترك الذي تخطى الحدود الجغرافية"، مضيفة إن هذا السلوك هو انعكاس لمفهوم الأدب الملتزم وارتباط الأديب بقضايا مجتمعه، حيث لا مجال للمساومة على المواقف التاريخية.

مقاطعة

كانت حزامة حبايب قد انطلقت في حملتها، التي وضعت أوزارها في يوم 21 من شهر مايو الجاري، تاريخ المهلة التي حددتها المؤسسة ألأكاديمية الأميركية للإعلان عن فشل المشروع التطبيعي، برسالة كتبتها على شكل وثيقة أرسلتها لعدد من الكاتبات العربيات تدعوهن فيها لمقاطعة مشروع الكتاب.

فرحبن جميعهن بالفكرة وانخرطن في مشروع مضاد، سرعان ما تحول إلى قضية رأي عام، لايهدف إلى الانسحاب من المشاركة بقصصهن في الكتاب الأميركي فحسب، بل وضعن نصب أعينهن هدف إفشال إصدار الكتاب من أساسه وفعلن، بعد أن أفلس المشروع بانسحابهن جميعا وبقاء كاتبتين إسرائيليتين وعدد ضئيل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من الكاتبات من تركيا وإيران وأفغانستان لم تتمكن حزامة حبايب وزميلاتها من التواصل معهن حتى الآن.

 

 

 

بدء الحملة

 

 

بدأت الحملة المناهضة للتطبيع حين تلقت الروائية والكاتبة الفلسطينية حزامة حبايب رسالة من المحررة المشرفة على المجموعة القصصية التي لم تر النور تخبرها فيها عن قرب صدور الكتاب، إضافة إلى تدشين مدوّنة إلكترونية بمناسبة المشروع، الذي يأتي تكريماً للباحثة والسينمائية الأميركية الراحلة إليزابيث فيرنيا، التي عُرفت بكتاباتها وأعمالها التي دافعت من خلالها عن هموم الشرق الأوسط.

ومواقفها الإنسانية المتوازنة إزاء قضايا المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي. لكن حبايب وجدت أن مشروع هذا العمل الأدبي يضمّ نحو 30 كاتبة، خمس عشرة منهن من العالم العربي، إضافة إلى كاتبات من إيران وتركيا وأفغانستان. لكن المفاجأة كانت في وجود كاتبتين إسرائيليتين .

فأرسلت حزامة حبايب إلى المحررة المشرفة على الأنطولوجيا رسالة احتجاج صريحة على وجودهما في الكتاب، معلنةً انسحابها من المشروع، رافضةً أن تتقاسم صوتها ومعاناتها مع كاتبتين تشكلان رمزاً لدولة احتلال بغيضة، مسؤولة عن عذابات ملايين الفلسطينيين. فعمد مركز دراسات الشرق الأوسط إلى سحب قصة حبايب التي تحمل عنوان "حبل سرّي" من المدونة والكتاب، ومن ثم بدأ التواصل بينها وبين بقية الكاتبات العربيات اللواتي سحبن بدورهن قصصهن واقتلعن المشروع من جذوره.