اصطفت لغة القلوب نفسها في كتاب "لمحات من حياة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله" للمستشار إبراهيم محمد بوملحة، مستشار صاحب السمو حاكم دبي للشؤون الثقافية والإنسانية، فطغت دفقات العاطفة الجياشة والمشاعر النبيلة في تناول شخصية زعيم كبير مثل شخصية الشيخ زايد آل نهيان "1918-2004"، واسترسل الكاتب في تقليب مناقب وخصال القائد الراحل الفردية منها والعامة، من الحكمة بدأ وبها وضع النقطة الأخيرة في كتاب لا تنتهي فيه صفحات تستدعي أخرى مضيئة على تجربة انسانية في عالم السياسة والحكم الرشيد، خاصة وأن مقدمة الكتاب جاءت بقلم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.
شهادة وفاء ومحبة
صورة الشيخ زايد ساجدا يصلي بهدوء وورع تتصدر غلاف الكتاب الذي أراد له مؤلفه أن يكون شهادة محبة ووفاء لقائد أرسى أسس مجتمع ودولة عصريين قبل الرحيل المر في الثاني من نوفمبر 2004، الذي يخصص له بو ملحة فصلا كاملا بعنوان" مرارة الفراق" من أصل نحو 24 فصلا في كتاب يقع في 270 صفحة من القطع الكبير وقعه المستشار إبراهيم بوملحة مساء أول أمس خلال ندوة عقدها نادي الكتاب في ندوة الثقافة والعلوم بدبي، وحملت عنوان الكتاب نفسه وشارك فيها إلى جانب مؤلف الكتاب الأديب عبد الغفار حسين والكاتب علي عبيد، وحضرها محمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي وبلال البدور الوكيل المساعد لشؤون الثقافة والفنون في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وسلطان صقر السويدي رئيس مجلس إدارة الندوة وعدد من الشخصيات.
مضامين ثرية
واستعرض إبراهيم بو ملحة مضامين الكتاب التي تتناول المفاصل الأساسية من حياة الشيخ زايد بدءاً من حكم العين إلى حكم دولة الاتحاد مرورا بحكم أبوظبي.، مستذكرا لحظة تاريخية في الحياة السياسية في البلاد حين تنحى الشيخ زايد عن الحكم، فاندلعت المظاهرات في كل أصقاع الإمارات مطالبة بعودته واستجابته لهذا المطلب الجماهيري، الذي أعتبر بمثابة استفتاء على حكمه الرشيد وشكل من أشكال الديمقراطية الشعبية.
حيث عاد الشيخ زايد بمزيد من القوة متسلحا بإرادة الجماهير، بينما استعرض علي عبيد فصول الكتاب التي حملت عناوين مثل "مولد قائد تاريخي"،" قيام الاتحاد أهم حدث في حياة زايد"،" ديمقراطية شعبية"، "ماض صعب وحاضر مزدهر"، توحيد طاقات العرب"، "ثقة بالشباب"، "باني جسور الأخوة والصداقة"، "زايد صنع تاريخ بلاده وأمته" وقصيدة الشيخ محمد بن راشد في تكريم الشيخ زايد ومرثيته فيه، بينما أوضح الكاتب الإماراتي أن الفصل الأخير من الكتاب يرصد مرحلة ما بعد وفاة الشيخ زايد.
مقدرة قيادية
من جانبه، كشف عبد الغفار حسين أنه من أوائل الذين قرأوا الكتاب وكتب عنه في الصحافة المحلية، موضحا أن الكتاب يتحدث عن مقدرة قيادية فذة كان يتمتع بها الشيخ زايد وذلك منذ أن راحت القبائل جميعا تدين له بالولاء في واحة البريمي أو العين، حيث لعب دورا كبيرا في حماية المنطقة، وساهم في تأسيس جيش " قوة ساحل عمان"، الذي ضم أبوظبي ودبي، وتمكن من وقف الغزوات بين القبائل ووحد صفوفها ومدن الانسان البدوي، وهذا أحد الأسباب التي جعلت من زايد أحد أبرز الزعماء العرب بخصاله الحميدة، حيث يقول عبد الغفار حسين:" زايد لم يكن زعيما عاديا، بل من أبرز القادة العرب وأحد كبار الزعماء في تاريخ العرب"، وكشف الأديب الإماراتي عن أنه بصدد إصدار كتاب جديد حول تجربة الشيخ زايد بعنوان" الشيخ زايد رجل القيادة والدولة".
جوانب إنسانية
شهدت الندوة العديد من المداخلات، حيث أثنى محمد المر على ملاحظة طرحها علي عبيد تتحدث عن أن إبراهيم بوملحة قد ركز في كتابه على الجوانب العاطفية والإنسانية والخيرية، والمكانة العظيمة التي احتلها الشيخ زايد ولا يزال في قلوب الناس، ودعا إلى تناول الجانب المؤسساتي في حياة زايد الذي "كان يتمتع برؤية مؤسساتية للأمور، فأسس الوزارات وأدرك أهمية ترسيخ أساس دستوري وقانوني، فكان أب الدستور الاتحادي وبقية المؤسسات الاتحادية التي كان يدعمها ويتابع أعمالها"، مثلما كان يحرص على الحياة التشريعية والإدارية ودعا المر إلى كتابة دراسات عربية لإلقاء الضوء على هذه الجوانب من حياة زايد.
أسلوب بحثي
بينما قال سلطان صقر السويدي:" لولا زايد لما كان الاتحاد"، ودعا الدكتور عبد الخالق عبد الله إلى الكتابة البحثية والأكاديمية عن زايد، واصفا الكتاب بالمشوق والسلس والممتع، وأنه كتاب لا يقوم على البحث والعقل وإنما كتب بقلب الكاتب الذي وضع فيه شحنة من المشاعر والعواطف المتدفقة، مؤكداً أنه لا أحد يستطيع أن يكتب عن زايد بحياد، وأنه رغم وجود نحو 350 كتابا عن زايد، إلا أن عددا قليلاً منها يعتمد الأسلوب البحثي الصرف.
تاريخ كامل
أوضح ابراهيم بوملحة أن من أهم الكتب التي ألفها في حياته، وأن كل عنوان من عناوينه يمثل مرحلة من مراحل حياة الشيخ زايد أو اهتمام من اهتماماته، منوها إلى أنه حرص على أن يصدر هذا الكتاب بمناسبة مرور 40 عاما على قيام الاتحاد، وأن تتقدمه كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي وصفه المستشار بأنه أحد مريدي الشيخ الراحل، كما أوضح أن الكتاب يستعرض لمحات فيها شحنة عاطفية من حياة الشيخ زايد ولم يشمل تاريخه الكامل، لأن كتابة من هذا النوع تحتاج إلى مزيد من الجهد والصفحات، خاصة وأنه يتناول شخصية حظيت باحترام الناس وحبهم ليس في الإمارات فحسب وإنما على امتداد الوطن العربي والعالم.
