السنوات لا تزيد بعض الأدباء إلا إصرارا على المضي قدما في تقديم المزيد من إبداعاتهم، حيث يقول الكاتب المكسيكي كارلوس فوينتيس إن الكاتب لا يتقاعد وفي مخيلته مشروع آخر دائما وإن كلمة (نهاية) غير موجودة في الأدب، وإنه عندما يقرأ (ينبغي فصل الأيديولوجيا عن العمل الأدبي)، تأكيد كارلوس فوينتيس هذا جاء أثناء جولة له في العاصمة الأرجنتينية بوينس أيريس، إحدى المدن التي يحبها، والتي عاش فيها مراهقا، بينما عاد إليها مؤخرا للمشاركة في ندوة حوارية في معرض الكتاب هناك ولتوقيع كتابه الجديد (كارولينا غرو) المكون من ثماني قصص تشكل في الوقت نفسه رواية، حيث يتكرر في كل حكاية شخصية ما، فمن الممكن أن تكون كارولينا نادلة أو آلهة الذرة (أولميكا) أو سيدة مطبخ . ما يريد فوينتيس قوله فوينتيس، وفقا لما نشرته صحيفة (كلارين) الأرجنتينية هو أن (المرأة يمكن أن تكون أي شيء، وإنه لم يعد هناك قواعد ممنوعة بالنسبة لها) غرو بكلمات مبدعها، شخصية تحررية تعفي من يحيطونها مما هم محكومين به.

 

مشروع آخر

لم يخطر على بال كارلوس فوينتيس التوقف عن الكتابة قط، وهو يرى أن الكاتب لا يتقاعد أبدا، ويقول: (دائما ثمة مشروع آخر في المخيلة، في الأدب لا توجد كلمة نهاية بالنسبة للكتاب ولا بالنسبة للقراء. يكتب كتابا بأمل أن يكمله القارئ، هل تتخيل دون كيخوته مع نهاية؟ لا، ليس هناك رواية تدوم ولها نهاية. الأدب هو انشغال مدى الحياة حتى النفس الأخير يبقى المرء يتخيل ويشتهي ويكتب.

كارلوس فوينتيس يعمل عادة على عدة مشاريع في وقت واحد، لأنه عندما ينتهي من أحدها يحس بأنه ترمل، لكن كيف يلتقط فوينتيس أفكار تلك الأعمال؟ يقول إن الأمر (يشبه تحريك كرات في الهواء في مشهد هو أقرب إلى التلاعب بالأشياء، لكن خلف ذلك ثمة انضباط، فقد ورثت عن جدي قرار القيام بالأمور في الموقت المحدد وعلى نحو جيد. لو لم يكن ثمة خيال لكنت رقيباً في سلاح الفرسان الألماني وليس كاتبا مكسيكيا)، كان الأدب بالنسبة لفوينتيس وسيلة للتحرر دوما، فلديه، كما يقول (ثروة تتمثل في القدرة على القيام بعمل يحررني من أن أكون بيروقراطيا، محاميا أو سياسيا. ثمة انضباط، لكنه انضباط جميل.

لدي دائما فكرة عما سأفعله في اليوم التالي، لكن عندما يحل الليل يملي الخيال نفسه على الكاتب وهذا يحول الأدب إلى مغامرة ممتعة للغاية، إنه عمل جديد ووعر وغير متوقع).

 

العيش في المدن

فوينتيس المولود عام 1928 لأب دبلوماسي، عاش منذ طفولته في مدن مختلفة حول العالم. وسمحت له بداوته بأن يكون شاهدا، قبل أن يتحول إلى جزء من اللعبة، على ثلاثة أحداث في القرن العشرين، حيث عاش في الولايات المتحدة في عهد روزفلت أثناء الميثاق الجديد، حين أعطى روزفلت دفعة للديمقراطية لحل المشاكل التي سمحت بظهور الأنظمة الشمولية في أوروبا. في المكسيك، قام لاثارو كارديناس بالثورة الزراعية وبتأميم النفط.

وفي تشيلي كان من نصيبه أن يتعايش مع الجبهة الشعبية، وهي اتحاد للأحزاب الراديكالية الاشتراكية والشيوعية. كانت ثلاث تجارب حددت وجهة الكتاب وتوجهه نحو يسار الوسط، الذي أخلص له طوال حياته، بينما لم تنقص الأهوال حياته، فقد شهد حالات من الإبادة الجماعية والمعسكرات النازية والستالينية. في ذلك الوضع، كانت الكتب تحل كل شيء ومدته بفكرة حبلى بمستقبل واعد.