إذا كانت طبيعة الأمور تشي بأن المسرحيات تنتج عادة كي يشاهدها أكبر عدد ممكن من الجمهور، فإن السؤال الذي يتبادر للذهن في هذا السياق هو: ما هو مصير العروض المسرحية التي تعرض في كنف المهرجانات المسرحية؟ وما هي الأسباب التي تحول دون محاولة عرضها خارج هذه المهرجانات سواء على خشبات أخرى وفي أمكنة مختلفة أو عن طريق بثها على الشاشة الصغيرة أو حتى توزيعها على اسطوانات مدمجة على غرار ما يحدث في العديد من البلدان العربية؟ مهما تعددت الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة، إلا أنها لا يمكن أن تقف في وجه انتشار المتميز منها، لكن ميل معظمها إلى الطروحات الجدية وربما السوداوية وابتعادها عن الطابع الاجتماعي الكوميدي يشكل على الغالب عقبة حقيقية أمام اتساع رقعة انتشارها بين أوساط الجمهور.
حقوق فكرية
الفنان عمر غباش يرى مصير الكثير من العروض المسرحية في المهرجانات ينتهي بانتهاء عرضها في هذا المهرجان المسرحي أو ذاك، ولتجاوز هذا المصير يدعو إدارات الفرق المسرحية إلى الحصول الحقوق الفكرية لعروضها والاتصال بالجهات المعنية سعيا لعرضها خارج إطار المهرجانات على غرار ما تعمد إليه مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، بينما يرى أن قضية عرض الأعمال المسرحية على شاشة التلفزيون قضية شائكة وطويلة ( حيث نحتاج إلى توجيهات من الجهات العليا للمؤسسات الاعلامية لبث هذه الأعمال، ذلك أن هذه المؤسسات تعتمد حتى الآن الاعلان والدخل الاعلاني ، أما فيما يتعلق بتوزيع الأعمال المسرحية على إسطوانات مدمجة، فإنه يؤكد أنه مع وجود الشركات العالمية مثل (فيرجن) أصبحت محلات الفيديو الصغيرة غير قادرة على أن توزع أو تشتري الحقوق الفكرية من الفرق، ولذلك لا بد من دعم الشركات المحلية وتمكينها من شراء تلك الحقوق.
عروض المهرجانات
الفنان حبيب غلوم يرى أن أحد الأسباب الكامنة وراء عدم خروج هذه النوعية من العروض المسرحية من كنف المهرجانات المسرحية يكمن في أنها تعمل خصيصا لهذه المهرجانات، حيث يؤكد غلوم أنه حاول تجاوز هذه المسألة في مهرجان أيام الشارقة المسرحية ووصل إلى قناعة بضرورة عمل مسرحية تدوم ، وقد حدث بالفعل وأن عرضت مسرحية (البهلول) بعد ( الأيام) في أبو ظبي ( لأنها تحمل رسالة بقالب كوميدي يحبه الجمهور ) ، أما فيما يتعلق بعرض هذه الأعمال على الشاشة الصغيرة، فقد أوضح غلوم أن هناك محطات تلفزيونية تقوم بتصوير العروض المسرحية مثل تلفزيون الشارقة.
حيث يرى أن هذه المسألة تحتاج إلى جهات تتبنى تصويرها ونشرها وخاصة الأعمال الجادة منها ، ودعا غلوم إلى تفعيل أرشيف مسرح الشارقة الوطني، مؤكدا أن انتاج هذه الأعمال يتم عادة من قبل فرق مسرحية رسمية تهتم بالجانب الأدبي والفني، وبالتالي فإنها لا تستطيع أن تتجاوز الأطر التي ينبغي أن تكون عليها هذه الأطر طالما أنها تقع في إطار رسمي. من جانب آخر، فإن العائد المادي للأعمال المسرحية ضعيف قياسا للأعمال التلفزيونية، ولذلك يكون التسويق أكثر في التلفزيون.
العرض المتميز
يحيى الحاج ناقد مسرحي يرى أن العرض المتميز يفرض نفسه، لكن عندما ينتهي المهرجان لا يحظى بالاهتمام الكافي على مستوى التوزيع والتسويق والترويج، حيث يتم عرضه ضمن جولة قصيرة في مدينة أو مدينتين فقط ، مع أن العروض المتميزة يجب أن تأخذ حقها من البث التلفزيوني من خلال تغطية كاملة لها وتخصيص ميزانية جديدة لها كي يتسنى لها القيام بجولة في إمارات الدولة على أقل تقدير.
الفنان إبراهيم سالم يرى المهرجانات تخرج دائما شبانا سيبنون مستقبل المسرح، وهذا ينطبق على التجربة المسرحية في الإمارات، فالحراك يحفز الفنان على التعلم ، وأي عرض متميز يمثل الجمهور من المؤكد أن الفرقة لن ( تسكت عنه) ونعتبر نحن من الناس المحظوظين بوجود شخص مثل الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الذي دعم أيام الشارقة المسرحية وعمل موسم مسرحي فيه ستة أيام تعرض عروض متميزة في كل سنة . الأهم من قضية استمرارية العروض هي استمرارية الفنانين والدماء الجديدة التي تخلقها هذه المهرجانات، فهذا المهرجان منح جائزة الاخراج لمروان عبدالله صالح وهذه الجائزة تدفعه إلى الأمام وتشجعه على العمل من دون توقف.
عروض نخبوية
ياسر القرقاوي عضو مجلس إدارة جمعية المسرحيين في الإمارات، عضو مجلس إدارة مسرح دبي الشعبي يقول إن المؤسسات المنتجة في المهرجانات تقوم بتفصيل عروض نخبوية لإرضاء النقاد والمتخصصين والمهتمين فقط ، لذلك لا تجد هذه الجهات أماكن لعروضها إلا في المهرجانات، وذلك لأن أغلب عروض المهرجانات المسرحية تكون مصممة لعرض ليلة واحدة فقط ، بحيث لا تستمر هذه العروض إلا بالاجتهاد الشخصي ، ولحل هذه المعضلة جزئيا قامت جمعية المسرحيين بمبادرة سنوية وهي تبنّي مجموعة من العروض المتميزة وتقديمها للجماهير في الإمارات بشكل سنوي، تحت مسمى ( الموسم المسرحي) والتي تصل لغاية ستة وثلاثين عرضا مختلفا تجول أنحاء الدولة .


