كشفت مسرحية «عجوز آن»، التي عرضت، مساء أول من أمس، على مسرح جامعة الشارقة في إطار الدورة الثانية لمهرجان الإمارات للمسرح الجامعي، عن طاقات أدائية وإخراجية كامنة بين ثنايا الحركة المسرحية في الإمارات، فقد استطاع فريق العمل فيها المكون من عبد الله مسعود مؤلفاً وأيمن الخديم مخرجاً وممثلاً وإبراهيم القحومي ممثلًا ومجموعة شباب من جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا مقر الفجيرة أشرفوا على الجوانب التقنية فيه، أن يوصل رسالته بأسلوب هادئ ودافئ ومقنع بعيداً عن العويل والصراخ مخاطباً عقول المشاهدين قبل قلوبهم.

فضاء مسرحي

في «عجوز آن»، يتوارى المكان في الفضاء المسرحي وكذلك الزمان لحساب مجموعة من الطروحات الانسانية الكونية التي تصلح لكل زمان ومكان فالشعور بالخيبة والعجز وصولا إلى الوحدة مظاهر انسانية لا هوية لها حتى لو جاءت في هذه الحالة على متن حوار واحد استمر على نفس واحد من بداية العمل حتى نهايته بين شخصيتيه الرئيستين والوحيدتين، وهما اللتان تجسدان رجلين عجوزين تقدم بهما العمر وقادتهما الأقدار إلى أن يحجر عليهما، ويلتقيان في مكان يتقاسمان فيه الأحلام والذكريات والهواجس، التي وإن جاءت على لسان هاتين الشخصيتين المتقدمين في العمر، إلا أنها تطرح على بساط البحث قصة الإنسان المعاصر في رحلته مع الذات عبر غربته الداخلية.

ديكور

 

حكاية العمل جاءت مخلصة للطابع الاقتصادي للديكور وأدوات العرض المختلفة بما في ذلك الموسيقى والإضاءة أو بالعكس، أي جاء الاقتصاد في تلك العناصر ليخدم تلك الحكاية، مثلما جاء متناغما مع طبيعة حياة شخصين في هذا العمر لا يعرف عمدا، على ما يبدو، إن كانا أصحاء من الناحية النفسية والعقلية أم لا، حيث يقتصر الأمر على احتياجاتهما البسيطة والقليلة، التي لم تبد على الخشبة بحالتها الواقعية أو كما نراها في الحياة العادية، بل عمد مخرج العمل إلى لغة الترميز، فحل محل كل تلك الاحتياجات من أثاث وما إلى ذلك منصات خشبية مختلفة الأحجام والأطوال مغطاة بقطع مثلثة من القماش غلب عليها الطابع الاقتصادي أيضاً. ندوة تطبيقية تشيد بالعمل وطابعه الفكري

أجمعت المداخلات التي طرحت في الندوة التطبيقية التي أعقبت العرض مباشرة على أن فريق «عجوز آن»، قد تمكن من نقل جمهور المتلقين إلى حيز التفكير العميق والتأمل الهادئ في مآلات الانسان وحياته، وذلك على الرغم من أن مؤلف العمل لم يكن راضيا تماما عن النص، رغم أنه حظي باستحسان كبير من قبل النقاد والجمهور، فقد أكد عبد الله مسعود أن هذا النص يحتمل مزيدا من التطوير.

وأوضح أنه كان حبيس الأدراج وأن ضغط الأصدقاء هو الذي أخرجه إلى النور ربما قبل أوانه، فهل هذا تواضع من المؤلف يضاف إلى التواضع الذي اتسمت بها كافة عناصر الفرجة المسرحية رغم اكتمالها بما في ذلك أداء الممثلين الذين برعا في حواراتهما وأغانيهما وحركاتهما وتنقلاتهما على الخشبة قبل أن تهب عاصفة الزمن وتأتي على حياتهما قبل أن تدمر غرفتهما وما فيها في نهاية العرض.

بينما يشكل عبد الله مسعود وأيمن الخديم وإبراهيم القحومي ثلاثي عمل ناجح قدم العديد من التجارب الناجحة حتى ان بعض المداخلات طالبت باستمرار هذا الثلاثي في إدهاش الجمهور وتقديم مزيد من الأعمال المسرحية له، وضع عبد الله مسعود شرطاً كي تستمر هذه التجربة الفنية داعياً زميله أيمن الخديم إلى تخسيس وزنه حرصا على صحته. كما طرحت الندوة قضية حيوية أخرى تتعلق هذه المرة بازدواجية عمل المخرج والممثل، حيث رأت بعض المداخلات عدم ضرورة اجتماعهما في شخصية واحدة، فوعد أيمن الخديم أنه سيحاول التفرغ لأحدهما، مثلما وعد بتخفيف وزنه حرصاً على استمرار الثلاثي.