تكمن ملاحة مسرحية الممثل الواحد (سوناتا الربيع) التي استضافها مهرجان أيام الشارقة المسرحية مساء أول من أمس في معهد الشارقة للفنون المسرحية، في جمع مسلمات الحياة اليومية للمواطن السوري أو ربما العربي كما تشير العبارة الأخيرة التي ظهرت مكتوبة في نهاية العرض ووضعها في باقة واحدة وتقديمها بقالب واقعي درامي يعكس هموم وأوجاع هذا المواطن الناجمة عن فساد واستبداد الأنظمة الحاكمة، كما تعالج مسرحية (كشتة) الاماراتية مصائر ثلاث حالات يجمعها الشعور بالخيبة والاحباط واعتمدت على تقنية (الفلاش باك) لحل مشاكلهم الاجتماعية والنفسية.
(سوناتا الربيع) مونودراما سورية ولدت في الإمارات وعرضت للمرة الأولى في الدورة الأخيرة لمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، وهي من إخراج ماهر صليبي وتأليف جمال آدم وتمثيل مازن الناطور، الذي تمكن من إيصال فكرة العمل عبر سلسلة من العناصر والرؤى الاخراجية المساعدة التي تدخل في صلب الحكاية وتشكلها تدريجيا مثل كرة الثلج المتدحرجة، بدءا من الجدار المتشقق الذي يحاول بطل العمل الدهان أبو حسن حشوه بالمعجون وطلاءه دون جدوى، لأنه متعفن كما يقول وغير قابل للإصلاح ويلزم هدمه وإعادة بنائه من جديد، ومرورا باستعادة حكايات لأشخاص مروا بحياته مثل جده وأبيه وأم صالح وأبو صالح وابن عمه وجميعهم ماتوا بالسكتة القلبية جراء أوجاع مزمنة عانت منها نفوسهم قبل ان تعاني منها أجسادهم.
أما قصة أبو حسن الذي كان يعمل أستاذا للتاريخ في الجامعة قبل أن تجور عليه أجهزة المخابرات تلك وتدفعه للعمل دهانا. أجهزة المخابرات هي عصب الحكاية كلها وتبدأ من تلك اللحظة التي رفض فيها تنجيح ابنة أحد المسؤولين في امتحان مادة التاريخ، ما عرضه للتعذيب والسجن وطرده من وظيفته وفوق هذا وذاك خسارته لأسرته المكونة من زوجته الفرنسية وابنته سوناتا، فضلا عن وفاة والده وهو قابع خلف القضبان في أقبية تلك الأجهزة القمعية، لكن أبو حسن يكسر جدار الخوف والصمت ويفي بوعده لوالده بألا يسمح لأحد بإذلاله، فيطلق صرخته ضد التسلط والاستبداد ويهد جدران ذلك البيت الذي يفتقر إلى سقف بينما تبين أن جدرانه من الورق.
الرحلة
كما شهدت الأمسية السابعة من (الأيام) عرضا مسرحيا آخر من خارج المسابقة الرسمية للمهرجان أيضا يحمل عنوان (كشتة) أي الرحلة باللهجة الإماراتية، لمسرح الشباب للفنون وتأليف عبدالله صالح وإخراج الفنان الشاب غانم ناصر وتمثيل حميد فارس (حسن) وأحمد مال الله (غانم) وحمد الحمادي (مروان).
تبين المشكلات التي يستعرضها أبطال المسرحية أنهم حبيسو أنفسهم في نهاية المطاف وأنهم ولجوا إلى ذلك الحبس على متن تلك المشكلات التي يرزحون تحت وطأتها، والتي تنوعت بين مشكلة حسن التي تولدت إثر طلاق والديه وخلافاتهما ومشاجراتهما المتواصلة، ومشكلة غانم الذي لم يقدم يد العون لابنته زينب التي تحتاج إلى عملية تبديل للكلية، ومروان الذي لم يتمكن من أن يصبح مهندس إلكترونيات كما يحب ويشتهي؛ لأن أبيه رجل أعمال ومقاولات ويريد أن يصبح ابنه مثله، أي أننا أمام ثلاث حالات يجمعها الشعور بالخيبة والاحباط.
ندوة تطبيقية
أعقب عرض (كشتة) ندوة تطبيقية شارك فيها عبدالله صالح وغانم ناصر وأدارها الفنان عمر غباش، الذي أكد أن المؤلف (كان يريدنا أن نتجه إلى مواجهة الخوف الموجود في دواخلنا ويدعونا إلى مواجهة مشاكلنا الحقيقية) بينما طرحت بعض المداخلات عددا من الملاحظات لجهة أن أداء الممثلين كان خارجيا وشابه الصراخ والتشنجات، وعدم الوضوح بين الشخصيات ناجم عن خلل في اشتغال المخرج على الممثل، بينما تحدثت مداخلة أخرى عن حضور جيد للنص، الذي أبرز معاقبة الذات داخل قوقعة الذات البشرية وضرورة قرع الباب من داخلها، بينما تحدثت أخرى عن انتقالات مفاجئة بين بعض مشاهد العرض.

