حرص الأديب الفلسطيني مريد البرغوثي على إيصال رسائله العامة والخاصة جميعا إلى جمهور الدورة الرابعة لمهرجان طيران الإمارات للآداب، من خلال عدد من مشاركاته المتنوعة في هذه الفعالية الثقافية التي تحتضنها دبي كل عام، وقد تجلى ذلك في محطات رئيسة شهدها المهرجان.

 

تحت سماء دبي

أولى تلك المشاركات تجسدت في أمسية افتتاح المهرجان التي شارك فيها البرغوثي بقصيدة خاطب فيها الإسرائيلي بصفته عدو الشعب الفلسطيني وتركت صدى واسع النطاق في وجدان جمهور المستمعين، بينما شكلت الأمسية الحوارية الشعرية التي احتضنتها الساحة التراثية في فندق انتركونتننتال فستيفال ستي دبي مساء أول من أمس والمفتوحة على الخور وسماء دبي الصافية رغم برودة الطقس وحاور مؤلف (رأيت رام الله) فيها الروائي والاعلامي المصري ناصر عراق.

 

مشهد عام

(أنا أكبر من إسرائيل بأربع سنوات) مقولة قالها البرغوثي ذات مرة وذكرّه بها محاوره في مستهل الأمسية، وجاءت في مكانها وزمانها المناسبين لقدرتها على تكثيف المشهد الفلسطيني كله سواء كان الأمر يتعلق بحياة الأديب نفسه أم بحياة الإنسان الفلسطيني عموما، فكلاهما ترتبط حياته بمفردات اغتصاب فلسطين وقيام الدولة العبرية عنوة على أرضها. استعاد البرغوثي محطات من مسيرة حياته الشخصية والإبداعية منذ ولادته في مدينة رام الله، التي حرم من رؤيتها طوال 30 عاما، وتخرجه من جامعة القاهرة، حيث لم يجد حائطا يعلق عليه شهادة البكالوريوس، حائط أكد في الأمسية أنه لايزال مفقودا ولايزال يبحث عنه حتى اليوم في ظل تردي الأوضاع في العالم العربي.

 

مصادر البهجة

للقهوة حضورها في حياة البرغوثي، كما لها حياتها وبريقها في نتاجه الابداعي، فهي مصدر للبهجة والاحساس الجميل كما انها في الوقت نفسه مصدر كابوس امتد طويلا في حياة مؤلف (ولدت هناك، ولدت هنا) وألقى بظلال قاتمة جدا على اسرته الصغيرة، وذلك منذ أن أرسل أنور السادات رجال مخابراته من زوار الفجر إلى بيته في القاهرة ودعوه لشرب فنجان قهوة في مقرهم، حيث تلقى الخبر المؤلم والذي تجسد في قرار ابعاده عن مصر والذي ظل ساري المفعول طوال 17 عاما، ولذلك يرى الشاعر أن سحر القهوة يكمن في التوقيت وهي كالورد يقدمه لك سواك. طعم لذيذ

 

أكد مريد البرغوثي أنه ما كان يتصور عندما كان يقرأ لنجيب محفوظ أنه سينال في يوم من الأيام الجائزة التي تحمل اسمه، ولذلك كان للقهوة في تلك المناسبة طعم لذيذ، كما قرأ قصيدة (لا مشكلة لدي) وكذلك (لا بأس)، التي يتساءل فيها إن كان ثمة حياة قبل الموت، مؤكدا أنه يكتب القصيدة لأن ذلك يمتعه. وعندما سئل عما يكتبه نجله تميم، قال: لا تسألوني عما يكتبه، بل عما قرأه، فتميم قارئ جيد للتراث العربي.

كتاب: «الكتب الأكثر مبيعاً» لا تنافس الأدب

 

تصدرت قوائم «الكتب الأكثر مبيعاً» عالم المكتبات وطغت بحضورها الإعلامي على الأعمال الأدبية، ولمعت أسماء كتّابها بين ليلة وضحاها، ليصبحوا نجوماً في المهرجانات والاحتفالات الأدبية. وبين دهشة الأدباء وحملة الأقلام كانت تنفد وتتجدد الطبعات. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل الكتب الأكثر مبيعاً التي هيمنت على عالم الأدب، تشكل منعطفاً جديداً في عالم الأدب والثقافة العربية؟

 

معايير مختلفة

قال الشاعر من أصول هندية دالجيت ناغرا، (المقارنة بمعيار الكتب الأكثر مبيعاً غير منصفة بحق الأدب، فإن كانت الكتب الأكثر مبيعاً تحقق عائداً مالياً، فإن الأدب يدرس في المدارس والجامعات، أي أن عدد قراء قصيدة واحدة في المدارس يتجاوز بحد أدنى 100 ألف طالب، هذا إن لم نحسب عدد السنوات. الأدب يدخل التاريخ ويخلد كاتبه، بينما الكتب الأكثر مبيعاً تسقط في سلة النسيان).أما الروائية البريطانية ليز فنويك فكان لها رأي أكثر إيجابية حيث قالت، (تعتمد دور النشر على الكتب الأكثر مبيعاً لتأمين دخلها، إلا أنها تحرص دائماً على تبني ونشر أعمال لها قيمتها الأدبية. وتمول تلك الأعمال وإن كانت لا تحقق لها ربحاً من مدخول الكتب الأكثر مبيعاً. أما حرصها على مثل هذه المبادرات فمردها (البرستيج) أي المكانة المرموقة لدار النشر في عالم الأدب. بالمختصر دور النشر بحاجة للاثنين).

 

أكبر كارثة

وكان للأديب والروائي الليبي ابراهيم الكوني رأي مختلف إذ قال، (أكبر كارثة في عالم الأدب هي ظاهرة الكتب الأكثر مبيعا التي ظهرت في القرن العشرين، والتي تلقى إقبالاً من السواد الأعظم من الجمهور الذي يتمتع بثقافة أدبية متواضعة. هذه الظاهرة أكبر لعنة على تطور الأدب فهي تسيء له وللنص، وأكبر دليل على ذلك التاريخ الذي لم يخلد أي كتاب منها. هذه الظاهرة تخلق الكم وتسيء للكيف).

 

تجربة ديفيد نيكولز

بعد عرض ملخص لأهم الأحداث والتفاصيل في روايته الأكثر مبيعا في بريطانيا والتي حملت عنوان "يوم واحد"، عبر الأديب ديفيد نيكولز في أمسيته ضمن برنامج مهرجان طيران الإمارات للآداب، أول من أمس، في الساحة التراثية بفندق انتركونتيننتال دبي فيستفال ستي، أنه متوقف عن الكتابة حاليا نتيجة ما شكلته روايته من صدى كبير، فاق التوقعات، وشكل هاجسا لديه لبذل المزيد باتجاه صناعة كتاب جديد يوازي مستوى رواية "يوم واحد" أو يتفوق عليه. وتم تحويل الرواية مؤخرا إلى فيلم سينمائي من إخراج لون شيرفيغ.

 

تفاصيل

وفي سياق الحديث حول رواية "يوم واحد"، أكد نيكولز أنه عاش حالة من التماهي كبيرة مع الكتابة للعمل، فهو رسم التفاصيل وشكل الكتابة وحالة التراجيديا والكوميديا للاستمتاع بها بشكل أكبر. وذلك قبل البدء في كتابتها التي استمرت عامين. وبين نيكولز أنه عمل في مجال الكتابة التلفزيونية وخاصة في كتابة السيناريو، ولكن تبقى الرواية تحمل بعد التفصيل في الحدث والأشياء والأماكن وأبعاد الشخصية، مما يجعلها دائمة البحث عن الملامح غير المرئية في انطباعاتنا اليومية.

 

الممثل الرديء

وأشار نيكولز الى أنه كان بائعا للكتب وكان يتقن هذه المهمة بشكل حرفي، كما انضم إلى المسرح الوطني وقال حول التجربة: "كنت أرى نفسي ممثلا سيئا فعلا". وبرز نشاط نيكولز في هذا المجال أثناء عمله في النسخة المقتبسة من مسرحية سام شيبرد بمساعدة المخرج ماثيو وارشاس. وبين نيكولز أن الجامعة كانت محطة ليستقي منها عدة تجارب كتابية ومنها أيضا ما استثمرها في كتابة رواية "يوم واحد".

وفي تكوين الفكر الروائي لنيكولز، أوضح أنه عمل على تحوير وتطوير الكثير من أفكار الروايات العظيمة، والكتاب المشهورين أمثال دكنز وشكسبير وغيرهم، وأضاف في هذا الصدد: "لا أريد أن يقال اني متأثر بالأسلوب (الدكنزي) أو ( الشكسبيري )، ولكني فعلا حاولت استثمار أبرز كتاباتهم ونقلها إلى ضفة نهر أخرى مليئة بالاكتشافات".

 

متعة

وقال نيكولز انه محظوظ كون كتابه صنف ضمن الكتاب الأكثر مبيعا أو ما يسمى بالشعبي، معتبرا أنه ليس ضد أي تصنيفات وغير متفق أحيانا معها، ولكنه مؤكدا طموحه أكبر ما يكون من موضوع السعي وراء قيمة الشهرة. وأوضح نيكولز حول إحدى نقاشات الجمهور في طبيعة التخطيط لكتابة رواية والإعداد لها، أنها مسألة مرتبطة طبعا بالتنظيم والالتزام، والخطة هي الأسلوب العلمي الأفضل لصناعة روايات عظيمة.

المترجمون.. رجال ظل

يشاهد الزائرون لدى دخولهم قاعة أية جلسة، طاولة تصطف عليها أجهزة الترجمة الفورية، وفي الطرف المقابل كابين صغير يجلس فيها اثنان من المترجمين الفوريين المحترفين. يقدم فريق (مركز أبوظبي للترجمة) المتخصص الذي خصص للمهرجان 30 مترجماً، ويعمل على مدار ساعات الحدث، الخدمة الفورية من العربية إلى الانجليزية وبالعكس، والتي أضاف لها هذا العام ترجمة اللغة الصينية. أما تعاون المركز في المهرجان فبدأ من الدورة الثانية، مما أتاح للجمهور الفرصة للتعرف على ثقافات الآخر والاكتساب منها، أما فريق الترجمة فيضم متخصصين إما من المقيمين في الإمارات أو قدموا من بلدان عربية أخرى كقطر والبحرين والسودان وسوريا. ويتميز المركز باقتنائه لأحدث الأجهزة الصوتية والسمعية مع توفر ألف جهاز سمعي للجمهور وأربع كبائن متنقلة، مع فريق تقني متخصص.

كما شارك المركز في العديد من المؤتمرات والندوات المحلية والخارجية. وكان المركز قد تأسس في أبوظبي قبل 24 عاماً ويضم فريقاً ثابتاً إلى جانب فريق متعاون. وعن جودة نوعية هذه الخدمات فقال رئيس المركز (تعاون القائمين مع المترجمين يقدم نوعية أفضل من الترجمة الفورية حيث تساعدهم كثيراً القراءة المسبقة لمواد الحدث والتعرف على خلفية المشاركين).

نيكولز: قرأت ثلاثية نجيب محفوظ بمتعة ودبي جميلة

بعد أن انتهى الروائي وكاتب السيناريو ديفيد نيكولز مساء أمس من ندوته في الساحة التراثية، ضمن مشاركته في مهرجان طيران الإمارات للآداب، أجرينا معه هذا الحوار:

من المعروف أنك ألفت ثلاث روايات"سؤال بعشر نقاط" و"الممثل الرديف" و"يوم واحد"، ولكنك تميزت بروايتك الأخيرة، كيف استوحيتها؟

لا توجد عندي لحظة استيحاء واحدة. فقد قرأت مقطعاً في رواية توماس هاردي" تيس"، وظل راسخا في ذهني. كنت حينها في العشرين من العمر، ولم أكتب روايتي إلا عندما بلغت الأربعين، لذلك فإنني أسرد ما حصل لنا بين هذين العمرين. وطرحت السؤال التالي: هل خابت أحلام المستقبل؟ وكيف انتهينا هنا؟ هل غيرنا من طريقة حياتنا أم بقينا كما نحن. أردت في الحقيقة، أن أكتب مزيجاً من الضوء والظل، الكوميديا والدراما. روايتاي الأولتان كانتا من الدراما الصرفة، وشعرت بأنني يجب أن أضع شيئاً من ذاتي في هذه الرواية، على الرغم من عدم وجود التطابق بيني وبين بطل الرواية، أدينبرغ. على أية حال، هناك اختلاف بين الرواية والسيرة الذاتية.

بين كتابة السيناريو والرواية، كيف تتأقلم معهما؟

ما يميّز الرواية أن الروائي قادر على استحضار صوته الداخلي. السيناريو يعبّر عن الحركة فيما الرواية تعبّر عن سرد التفاصيل ببطء.

من كتابك المفضلون؟

انغمست في أعمال الكتّاب الآخرين كثيراً حتى يمكنني أن أؤلف كتاباً عن ذلك. يمكنني أن أحصي لك تشارلز ديكنز، جورج ارويل، سكوت فيترجرالد، جي. دي. سالنجر، توماس هاردي، غراهام غرين، فيليب روث، غوستاف فلوبير، فلاديمير نابوكوف، وأنطوان تشيخوف، وتيو اس. اليوت وغيرهم كثير.

هل قرأت من الأدب العربي؟

قرأت بمتعة ثلاثية نجيب محفوظ المترجمة إلى الانجليزية. وقد سبق لي أن قرأت ألف ليلة وليلة، التي لا مناص لقراءتها من قبل أي كاتب في العالم. لكن ترجمة الأدب العربي لاتزال بطيئة ولم تنشط إلا في الفترة الأخيرة. في الواقع، وجدت في نجيب محفظ قدرة هائلة في السرد والحكي بطريقة كلاسيكية محكمة، وهي بالنسبة لنا مصدر معرفة عن تحولات المجتمع المصري والعربي.

ـــ ما رأيك في دبي؟

ــ إنني أزور دبي لأول مرة، وهي مكان جميل تجتمع فيه عناصر التراث والحداثة. واستمتعت بالتجوال على ضفاف الخور الذي يذكرني بالأنهر الصغيرة التي تذهب إلى أحضان أمها البحر.