كيف يمكن للمؤلف أن يتفاعل مع غلاف كتاب، بعد أن تفاعل مع كل كلمة كتبها في محتواه، والذي قد يختلف من مادة إبداعية إلى مادة بحثية، فالأغلفة مدخل إلى محتوى الكتاب قد يوفق الناشر في عكس هذا المحتوى .
وقد يبعد عنه، إنها علاقة تنبه إليها الكثير من الناشرين، كناحية جمالية وتسويقية، في عصر برزت فيها أهمية الصورة. ولكن رغم ذلك لن ينقذ الغلاف كتابا يتصف بمحتواه المتدني، ولن يقلل من أهميته إن كان جيدا. ولكن في كلا الحالتين لا بد وأن يترك أثرا إيجابيا أو سلبيا على القراء، وكذلك المؤلفين، والذين أكد كثيرون منهم، في لقائهم مع " البيان"، على تفاعله واهتمامه بشأن أغلفة إصدارتهم.
لمسات جمالية
"أشرفت على تصميم أو اختيار أغلفة معظم الكتب التي أصدرتها". هذا ما أكده الشاعر سلطان العميمي مدير أكاديمية الشعر في ابوظبي، في بداية حديثه. وأضاف: "على الرغم من قناعتي بالأغلفة التي أصدرتها، إلا أنني أغيرها في الطبعات الثانية، من مبدأ إضافة لمسات جمالية جديدة لها، وحدث هذا في غلاف كتاب (سالم الجمري)، وكتاب (خمسون شاعرا من الإمارات).. و لدي 7 كتب ستصدر في طبعات جديدة ، وأنوي تطوير أغلفتها".
وعن أهمية الغلاف، قال العميمي: "الغلاف قلق الكاتب بكل تفاصيله، من نوع الخط إلى الإخراج ومن ثم الصورة، فهو واجهة بصرية، يشد بشكله الكثير من الأشخاص، سواء أكان صورة أو لوحة.. وبالنسبة لي لا تشدني الكتب التي تعتمد على الكتابة فقط، بل يجب أن يكون هناك صورة أو لوحة، تعبر عن العنوان، فالغلاف الجميل يشدني كي أتصفح محتوى الكتاب.
وقد يعكس هذا الغلاف المحتوى، ويكون نوعا من أنواع الطعم الذي يشد القارئ". واختتم العميمي حديثه، بالتأكيد على انه عندما يصدر المؤلف كتابا فهو يسوق فكره، ويمكن للغلاف أن يخدمه في هذا المجال.
جاذبية
اختار الشاعر خالد الظنحاني، أن يقدم لرؤياه بهذا الخصوص، بالإشارة إلى واقع وتجربة أن هناك عددا من المؤلفين والكتاب، يفرضون أغلفة لمؤلفاتهم، تتناسب مع تجربتهم، وقد يرى بعض منهم أن لوحة سريالية محددة هي ما يناسب موضوعه ويعكس شعوره الوجداني.
وأضاف :"قد يتعاون الكاتب هنا، مع فنان تشكيلي من أجل أن يصدر كتابه بطبعة جميلة. ويبقى اللافت ان بعض دور النشر يفرض رؤيته، ولهذا قد يبدو كثيرون غير راضين عن غلاف إصدار ما لهم، مع العلم أن العنوان والغلاف من الأمور الهامة التي تجذب القارئ.
غلاف الصورة
ومن جهته، قال الشاعر والباحث محمد نور الدين، بناء على واقع تجربته بهذا الصدد:"أتذكر حينما صدر لي عن أكاديمية الشعر سنة 2008، كتاب، مضمونه دراسة تحليلية في شعر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كانت صورة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، وهو في باكستان سنة 1976، تزين الغلاف، وأشير إليها كثيرا، بين المتلقين كمرجعية، بدلا من عنوان الكتاب، ومنذ ذلك الحين وأنا أعي أهمية غلاف الكتاب وعنوانه، وأواجه صعوبات كثيرة في اتخاذ قراري بين الخيارات المتاحة".
وعن تدخله في اشكال وتصاميم الاغلفة، أوضح نور الدين، أنه يقوم حاليا بتصميم أغلفة لثلاثة إصدارات جديدة. وتابع:" كما أعمل على أن أضيف لمسات فنية لرسام الكاريكاتير عادل حاجب، على الأغلفة بأسلوب جديد، وأعتقد أن شكل الغلاف الخارجي وتصميمه، عملية مهمة للمؤلف من ناحية ملاءمته الموضوع.
ومن ناحية أخرى، فإن الغلاف الخارجي يعد جانبا مهما من العملية التسويقية للكتاب، ومن واقع تجربتي في هذا المجال، فإن الأغلفة التي تحوي صورا لأشخاص أو وجوها، تكون أكثر جاذبية وملفتة لأنظار المتلقين أكثر من غيرها من الأغلفة الاخرى، ويأتي لون الغلاف في المرتبة الثانية من الأهمية، كون المتلقي ينجذب إلى الألوان الملفتة كالعنوان بلون فاتح، على خلفية غامقة أو العكس، ناهيك عن حجم الحروف.
بالإضافة إلى عكس النور للغلاف (المطفي) أو اللامع والمذهب، والذي يضيف استخدامه الصحيح إلى الغلاف، الرونق المطلوب وكل هذه العوامل تتفاعل ليصل الكتاب إلى أيدي المتلقين، بنظرة خاطفة في البداية، ونظرة متأملة بعد الشراء، وذكرى تعلق في ذاكرة المتلقي بعد وضع الكتاب في المكتبة".
واختتم نور الدين، بالتأكيد على أن المشكلة الكبيرة التي تواجه أغلب المؤلفين، هي عدم وجود مجال يجمع الفنانين من مصممي الغرافيكس والتشكيليين والخطاطين وغيرهم، مع المؤلفين على مستوى العمل المشترك، ناهيك عن كون تصميم الغلاف من آخر مراحل الإنتاج التي لا تأخذ الوقت الكافي، وبالنتيجة، تكون غالبية الأغلفة، بعيدة جدا عن المستوى المطلوب.
الجانب التسويقي
ومن واقع تجربته، قال الشاعر والمترجم محمد عيد إبراهيم، حول هذه القضية: "نظرا لممارستي مع دور النشر، وعدم وعيهم بقيمة الغلاف في تسويق العمل الأدبي، كنت أرابط معهم لحظة بلحظة، كي لا تقع (مصيبة) فأراجع معهم شكل اللوحة والكتابة".
ويوضح ابراهيم هنا، ان هذا لم يمنع، ورغم حرصه الكبير بهذا الصدد، من وقوع الأخطاء، وأوضح هذه النقطة: " ذات مرة، اختصر أحد الناشرين العنوان إلى النصف، وكان إصدارا مترجما للكاتب الإيطالي إتالو كالفينو، بعنوان (كتاب الحواس)، وفوجئت بعد مرور عام، وإصدار الكتاب بعنوان (الحواس)، بأن الناشر تصور أن كلمة كتاب هي بمثابة الإضافة.
وعلى هذا الأساس كان تصميم وشكل الغلاف" . وتابع ابراهيم:" هناك أيضا الكثير من المفارقات التي تحدث للمؤلفين بهذا المجال، خاصة ممن يتعاملون مع قطاع النشر الخاص، حيث دخل على مهنة النشر عدد ممن لا دراية له، أو علم أو ثقافة..وهو أمر أحدث اضطرابات كثيرة في حركة النشر".
وشدد ابراهيم على نقطة مهمة، مفادها ان الأمر مختلف تماما مع الجهات الأخرى، إذ قال: "الكثير من المؤسسات الرسمية يعنى بالكتاب إلى حد كبير، أما مسألة الغلاف فهي مسألة حديثة على وعي الناشر العربي، فقد كان الغلاف مجرد صفحة بيضاء عليها العناوين واسم المؤلف ودار النشر، أما اليوم وبعد ظهور نظريات (علم الإشارة)، فقد صار الغلاف جزءا من تقديم وتسويق الكتاب، ولهذا يجب على الناشر أن يصممه من واقع محتواه، ويعهد بهذا لفنان قارئ ومثقف، ليجعل الغلاف بابا إلى الكتاب يستحسن الدخول منه، بحيث لا يكون منفرا لمادته، أو مادة ساذجة توحي بكتاب ساذج.
