يشعر المرء بخجل كبير، حين يقف إزاء عمل ضعيف لمخرج عُرف بالتميّز. هذا هو الإحساس الذي ينتابك وأنت تخرج من صالة السينما بعد مشاهدة فيلم "غاتسبي العظيم" للمخرج الاسترالي باز لورمان، والذي يُخيّب الآمال والترقّب، على الرغم من ضخامة إنتاجه الذي نٌفّذ بتقنية ثلاثية الأبعاد فقد جاء الفيلم فاقداً للعظمة، ليبدو لنا في النهاية أن "غاتسبي العظيم" لا يمتلك إلاّ عظمة واحدة، هي عظمة حب غاتسبي لديزي، وهو ما كتبه إف سكوت فيتزجيرالد، ولم تخرج بالتأكيد من زوّادة باز لورمان.

لهاث التقنيات

ورغم ضخامة وأهمية أسماء الممثلين الذين يؤدون البطولة في الفيلم، وفي مقدّمهم ليوناردو دي كابريو وتوبي ماغواير وكيري مولّيغان، فإن اللهاث وراء التقنيات والاستعراضية أفقد المخرج، فرصة إدارة ممثليه بشكل جيّد، وأوقعه في أخطاء كثيرة وفاضحة على الصعيد التاريخي وصعيد التواصل في الأداء والإخراج واستخدام الإكسسوارات، وهو ما يُعدّ سابقة تندر مثيلاتها في السينما الأميركية التي تتميّر، على الأقل في مثل هذا النوع من الإنتاج الضخم، بالدقة المتناهية التي لا تترك مجالاً للمحاججة. ولعل أكثر ما يفتقده المخرج باز لورمان في هذا العمل هو قدرته الاستعادية الرهيفة التي ميّزت أعماله السابقة، وتحديداً "روميو + جولييت" و"مولان روج"، ومعها قدرته على إدارة ممثليه، ففي الوقت الذي برع فيه بالتعامل مع ليوناردو دي كابريو، نفسه، وكلير دينيس في "روميو + جولييت" ونيكول كيدمان وإيوان ماكغريغور في "مولان روج"، انتهى به الأمر بهذا الفيلم إلى خلق شخصيات كاريكاتيرية غير مُتّسقة في أدائها.

كما هو الحال بالنسبة لدي كابريو وتوبي ماغواير. ليصبح الفيلم عبارة عن تجمع لشخصيات وأدوار سبق أن أدّوها في أفلام أخرى. فيما تميّز الأداء لدى ممثلين آخرين، وبالذات جويل إيدغيرتن (في دور توم بوكانان)، زوج ديزي، بطابع مسرحي غير مُقنع على الإطلاق. المشاهد الوحيدة التي يُمكن عزلها، إيجاباً ووصف أداء دي كابريو فيها بالجودة، هي المشاهد التي تهتّز فيها صرامة (جاي غاتسبي) أمام الحب العميق الذي يشعر به، كمراهق في مقتبل الصبا، لحبيبته السابقة ديزي. وتلك هي المشاهد التي يُبرز فيها ليوناردو دي كابريو قدرات كوميدية رهيفة.

الكتاب أقوى

هذا الفيلم يضع المشاهد أمام حقيقة باتت شبه مُطلقة، وهي أن السينما، ورغم ما تمتلكه من وسائل وأدوات، لا تتمكّن من تجاوز الكتاب، أو المخيّلة التي تُطلق الكلمة المكتوبة عنانها. وبالفعل فعمل باز لورمان لا يرقى إلى أهميّة وجمال رواية "غاتسبي العظيم" التي ألّفها إف سكوت فيتزجيرالذ عام 1925 ويعود في أحداثها إلى عام 1922، إبان النهضة الانفجارية التي سبقت انهيار الاقتصاد الأميركي ما بين الحربين العالميتين.

فيلّيني الأبقى

على الرغم من غياب فيديريكو فيلّيني منذ عشرين عاماً ونيف، وكل المحاولات التي جرت لتقليده خلال حياته، وبعد موته، والتي باءت بالفشل الذريع، فإن الواقع يؤكد استحالة نسخ طاقات ذات بصيرة وشاعرية مثل ذلك المبدع، فكما لم يذهب، فيلم (Nine) لروب مارشال أبعد من التقليد الشكلي للمايسترو مبدع أفلام (آماركورد) و(روما) و(الطريق) و(جولييت الأرواح) وغيرها من الأفلام التي باتت مدرسة خرّجت أجيالاً من السينمائيين والشعراء.

وفي هذا الفيلم ندرك بأن باز لورمان قد فشل حتى في اقتباساته من فيلّيني ومن أفلام أخرى، وما أًفْشَلَ تلك الاقتباسات أنها لم تُستخدم كتحية لفيلّيني وغيره من أساطين السينما العالمية، بل قُدّمت وكأنها ابتكارات تفتّقت عنها قريحة المخرج. ولعلّ سبب إخفاق الفيلم هو قيام لورمان نفسه بكتابة السيناريو، وتناسيه أن أساتذة السينما الإيطالية، وتحديداً فيلّيني وجيله إنما حققوا أعمالهم العظيمة لأنهم كتبوا نصوصهم أو صاغوا سيناريوهات الروايات بإسهام كبير من قبل تشيزيري رافاتّيني وشاعر الصورة تونينو غويرّا.

مطحنة النقد

 

عدم الإصرار على إدراج هذا الفيلم ضمن المسابقة الرسمية، ربما يكون مرده إدراك منتجيه وموزعيه لحقيقة هذا الإخفاق، ولذلك فقد اكتفوا بعرضه كفيلم افتتاح للدورة، للخلاص من مطحنة النقد والاستفادة من زخم المهرجان الإعلامي كعملية ترويج جماهيري لتزامن عرض الفيلم في المهرجان مع عرضه في صالات العالم بأسره.