السينما الوثائقية، موضوع متشعب ويحمل أبعاداً فكرية واستثمارية، وذلك لما يتضمنه من تعدد في وجهات النظر، كونه مزيجاً بين عرض المعلومة، واختزالات مشاهد قريبة منها إلى القصص الروائية الطويلة أو القصيرة.
وفي هذا الصدد، أكد المؤرخ السينمائي الفرنسي فيليب جالادو في حواره مع (البيان)، أنه من خلال رصد تاريخ الأفلام الوثائقية في السينما العالمية، توصلوا أن أفضل الأفلام الوثائقية تلك التي صنعتها المرأة، أو كانت جزءاً من منظومة عملها، مبيناً بعد اطلاعه على تجربة الإمارات في هذا المجال، أن المخرجة الإماراتية نجوم الغانم، تمثل نموذجاً محلياً للمرأة، في تصدرها مشهد تعزيز الفيلم الوثائقي عبر إنتاجها فيلم "حمامة"، الذي يعد مثالاً، عكس صورة سينمائية للمرأة العربية، ومدى قدرة الفن السابع على نقل ثقافة الشعوب عبر العالم.
وبين ماهية مكونات الفيلم الوثائقي، ومدى استيعاب الموضوعية أثناء صناعته، لافتاً أن الحكم النهائي يظل دائماً للمشاهد.
التبادل الثقافي
شاهد جالادو أعمال المخرجة الإماراتية نجوم الغانم، مبيناً أن فيلم "حمامة"، عرض ثقافي وتوثيق يستحق طرحه للتحليل، من خلال تصنيف الأفكار المتضمنة في الفيلم، ودراسة أبعاده. وقال حول ذلك: "رأيت أفكار نجوم في أفلامها، أعتقد أن لديها الكثير لتعبر عنه".
ولفت جالالدو إلى أن عرض هذه الأفلام خارج الإمارات، يعزز التبادل الثقافي بين الحضارات، وخاصة أن الكثير يجهلون الهوية العربية بصورتها الفعلية.
وأن الأفلام الوثائقية قادرة على إلغاء الصور النمطية، وتوجيه المشاهدين إلى العمق الإنساني في الحضارات المختلفة. ويرى جالادو أن فيلم "حمامة "، قدم له معلومات لم يكن يعرفها البته، وبالذات تلك الملامح المعرفية بين إنسان هذه الأرض وبيئته.
وهو فعلياً يحب مشاهدة الأفلام الوثائقية، كمصدر رئيسي لدراسة فكر الأشخاص في المنطقة. وفي المشهد العام لمشاركة المرأة في الصناعة السينمائية، أشار أنهم كانوا يصنفون حضور المرأة بالشكلي، وأنه لا يبرز الفعل الاجتماعي لها عبر النص والصورة، والتي تدخل فيها المتغيرات المجتمعية في مختلف المجتمعات في العالم، وليس العالم العربي بمعزل عن هذا التهميش، ولكنها بدأت بالتلاشي شيئاً فشيئاً، بعد أن قررت المرأة، تأكيد حضورها في الصناعة.
ولفت إلى أن مشاركة المرأة في الصناعة السينمائية في منطقة الشرق الأوسط، برزت أخيراً بشكل واضح، من قبل إنتاجات المخرجات الإيرانيات، حيث وصلت أصداء أعمالهن الساحة السينمائية العالمية.
بين الوثائقي والروائي
عندما نتحدث عن فيلم وثائقي، فهو عرض للمعلومات بالدرجة الأولى، والتقييم عادةً مكفول بالكيفية في عرض هذه الحقائق. وحول ذلك بين جالادو، أن تصنيف الأفلام الوثائقية، يعاني من فجوة ارتباطها أحياناً بالأفلام الروائية الطويلة، ولكن مهمتهم تكمن في الفصل، والقدرة على التحكيم بصورة موضوعية أكثر، حول ماهية المطروح في العمل، وأهدافه. وأضاف: هناك الكثير من الأعمال الوثائقية تم عرضها مباشرة دون الخوض في وجهة نظرمؤيدة أو معارضة لمخرج العمل، لافتاً أنه يمكننا تصنيف الأفلام الوثائقية: بأعمال تحمل هدف ورسالة معينة، وأخرى لا يشترط فيها رسالة معينة، وإنما تتكفل بعرض الحدث التاريخي أو المعاصر للمشاهد، الذي يتكفل بتقييم المسألة، وترجيح ما هي الفكرة الذي توصل إليها.
البعد السياسي
أوضح فيلب جالادو، أن الأفلام الوثائقية ذات البعد السياسي، هي عادةً الأكثر جدلاً، منوهاً إلى أنها مسألة مرتبطة بمخرج العمل، والفنيات المستخدمة، وقال حول ذلك: "عندما تطرح قضية تمس الأشخاص بشكل مباشر، تختلف الآراء بين مؤيد ومعارض لفكرة ولوج وجهة نظر المشاهد في العمل.
ويرى أن المشاهد هو محكم الفيلم، على أن يقدم المخرج له أغلب أبعاد القضية المطروحة، بعد مراجعة دقيقة للحقائق المعروضة، ليستطيع بعدها المتلقي الحكم بشكل عادل"، وقدم جالادو، على سبيل المثال القضية المطروحة في سوريا، معتبراً أن هناك حالات دمار يومي، وقتل يستهدف الأشخاص في المنطقة، وصناعة فيلم وثائقي، يحتم علينا طرح هذه المشاهد كما هي، دونما تدخل، والأفضل دون أن نطرح فيها وجهة نظرنا. وترك الحقيقة تتحدث.

