يبدو أن تعودنا على رؤية الممثلة الأميركية أنجلينا جولي طوال الوقت كنجمة جذابة وناجحة في سلسلة طويلة من الأفلام الناجحة كان آخرها فيلم سالت، لم يتح لنا استيعاب مكانتها كمخرجة أفلام والتي بدأت باكورة انتاجها مع فيلم أرض الدم والعسل الذي يعرض حالياً في دور السينما المحلية ، محتلاً في أسبوعه الأول المرتبة السابعة بإيرادات تجاوزت 70 ألف درهم.

ورغم أنه الأول لها إلا أن جولي بدت من بعده الرابح الأكبر، نتيجة الجدل الذي أثاره الفيلم في العالم لطبيعة القصة وعديد المشاهد التي يحملها الفيلم، لدرجة أن الصرب طالبوا بمنعه من العرض، لما فيه من مشاهد تدينهم وتفضح فظاعة الحرب التي خاضوها في البوسنة والهرسك مع بداية العقد الماضي، لاسيما في المشهد الأخير من الفيلم عندما يظهر النقيب دانيال منهاراً أمام بعثة الأمم المتحدة ويقول اسمي دانيال.. أنا مجرم حرب.

 

مخيمات اللاجئين

المتابع للفيلم يشعر بمدى تأثر جولي بما تراه في مخيمات اللاجئين حول العالم والتي تزورها بين الفينة والأخرى بحكم منصبها سفيرة للنوايا الحسنة، ويبدو أن جولي استفادت كثيراً من منصبها هذا بأن تعرفت عن قرب على ما يجري في ساحات الحرب، ومخلفاتها، وأرادت أن تنقل لنا الوجه الآخر للحرب ، مبتعدة بذلك عن الأسلوب الهوليوودي الذي عادة ما يركز على الإنفجارات والمواجهة العسكرية والدماء والقتلى وغير ذلك، ولذلك فالفيلم لا يعد كونه أكثر من عملية توثيق لبشاعة الحرب، حيث فضلت جولي أن تنقل لنا معاناة الناجين أو بالأحرى الناجيات من الحرب.

ولعل خصوصية حرب البوسنة والهرسك وما جرى فيها من عمليات اغتصاب واسعة وتطهير عرقي قد منح جولي الفرصة للتركيز على المرأة، حيث تورد في نهاية الفيلم معلومة أن أكثر من 50 ألف إمرأة تعرضت للاغتصاب خلال الحرب لتؤكد بذلك ما أوردته في عديد المشاهد التي تناولت الآثار النفسية التي ترتبت على النساء اللواتي تم اغتصابهن وتعذيبهن وتحويلهن إلى خادمات في معسكرات الجيش الصربي كما يظهرن في معظم مشاهد الفيلم الأولية.

 

مشاعر الجمهور

لا أحد ينكر بأن جولي كانت في هذا الفيلم الذي لعب بطولته زانا مايانوفيتش وغوران كوستيك ورادي سيربدزيجا، ذكية في اختيارها لطبيعة المشاهد ورغم أن الفيلم وصلنا مخففا جداً من كمية العنف إلا أن مشاهده بدت كجرعة مركزة قادرة على إثارة مشاعر الجمهور وعاطفته، ليبدو في ذلك رسالة أن ما تشاهدونه في الفيلم جزء صغير من بشاعة الحرب .

كما فضلت أن تصفها جولي في إحدى المقابلات الصحافية، وقد بدا ذلك واضحاً في المشهد الذي تتخذ فيه النساء دروعاً بشرية، ومشهد الأم التي تدفن ولدها الرضيع والذي لقي حتفه على يد الجيش، وفي المؤتمر الصحافي الذي عقد إبان عرض فيلمها في مهرجان برلين السينمائي الدولي، قالت جولي: أنا أدرك مدى بشاعة تلك المشاهد فعلا ولذلك صنعتها بفيلمي ليعرف الناس مدى بشاعة الحرب وما تخلفه في نفوس الاطفال حين يشاهدون أطفالا مثلهم يموتون أمام أعينهم، وقد صنعت ذلك الفيلم بحياد تام، وأنا لا أتحدث هنا عن حرب بين مسلمين ومسيحيين، وإنما أتحدث من منظور إنساني أعمق عن الاثار التدميرية للحرب.