تكاد السينما العراقية أن تكون الأقدم في منطقة الخليج، وهي الأكثر زخماً من حيث الانتاج، وهو ما تثبته الوقائع التاريخية، الا أن الحرب كانت السبب الرئيسي في انخفاض هذا الانتاج بل وانعدامه في فترة من الزمن، ولعل تكاثف وجودها في العراق خلال السنوات الماضية، قد حولها الى عنوان دائم لمعظم الانتاج السينمائي العراقي، لدرجة أن السينما العراقية لم تعد قادرة على التخلص من آثارها، بحكم أن السينما تمثل عيناً ناقلة لما يجري على أرض الواقع. والمدقق في طبيعة المواضيع التي تطرحها معظم الأفلام المشاركة في الدورة الحالية لمهرجان الخليج السينمائي سيجد ان قاسمها المشترك هو الحرب.
ورغم اختلاف بعص الآراء إلا أن معظم صناع الأفلام العراقيون بدوا متفقين على أن الحرب باتت عنواناً للفيلم العراقي، عازين ذلك إلى طبيعة أوضاع العراق، واتفقوا أيضا على أن هوليوود ساهمت برسم صورة نمطية عن العراق بأنه مجرد منطقة حرب، في حين أن بعضهم أطل على طبيعة الانتاج الشبابي العراقي ، محاولا الابتعاد عن حالة الحرب التي تعيش في دوامتها الأفلام العراقية.
العربانة
جمال أمين بطل فيلم "العربانة" الذي يعرض في دورة المهرجان الحالية قال: "بلا شك أن العراق أصبح حالياً كلمة مرادفة للحرب، وهي التي تمثل تاريخه الحديث من السبعينات وحتى الآن، ولذلك نجدها حاضرة في الأدب والسينما العراقية سواء في الداخل او الخارج العراقي"، وأضاف: "وجود الحرب الدائم في العراق أجبرت السينمائي العراقي على العيش في دوامتها".
أما هادي ماهود، مخرج فيلم "العربانة"، فقال: "الحرب تعيش بيننا، لدرجة أنه أينما ذهب السينمائي العراقي يجد نفسه داخل منطقة الحرب، حتى أن وضعه كسينمائي أصبح غير مستقر ويعيش في دوامة الحرب وهو ما انعكس على طبيعة إنتاجه وطروحاته السينمائية التي لا يكاد يبتعد فيها عن الحرب حتى يجد نفسه منتهياً بالحرب"، وتابع: "أعتقد أن التركيز على مسألة الحرب ناجمة أيضاً عن عدم وجود بنية تحتية سينمائية تمكن صناع الأفلام من تقديم أفلام روائية طويلة فيها استرخاء ومناقشة لعديد الأفكار والقضايا الاجتماعية، وبتقديري إننا نحتاج إلى زمن طويل للخروج من هذه الدوامة، وأغلب الانتاج العراقي الشبابي ينطلق من فكرة الحرب والتي لم تكن نزهة وإنما تدمير لبلد كامل بكل مقوماته".
جينات عراقية
الناقد السينمائي عدنان حسين، علق قائلا: "لا يمكن أن ننكر بأن ذاكرة الإنسان العراقي مشحونة بالحرب منذ زمن قديم، لدرجة أن الحرب انتقلت إلى داخل الجينات العراقية وأصبح حضورها غريباً ودراماتيكاً، وهذا انعكس تماماً على الانتاج السينمائي العراقي، الذي يتأثر بما يجري حوله".
وحول إذا ما كانت أفلام هوليوود قد كرست صورة نمطية عن العراق كمنطقة حرب، قال عدنان: "هوليوود تروج لخطابها الفني، ولديها مجموعة من المعطيات الثابتة التي تعمل عليها، ولديها تركيز على تثبيت الصورة النمطية عن العراق والمنطقة العربية بشكل ملحوظ، ومقابل ذلك لا يمكن أن ننكر بأن أي فيلم عراقي في الداخل يقدم صورة موازية لما ينتجه الخطاب الهوليوودي، ويحاول أن يطرح حقائق مهمة تعكس همه وثقافته وقضاياه، وبتقديري أن أنجح شخص سينمائي عراقي هو الذي يقدم صورة حقيقية عن الواقع بدون رتوش من خلال الأفلام الوثائقية والتي تنقل الواقع الحقيقي ولا تقدم خطابا مزورا".
نظرة شبابية
نظرة الحركة السينمائية الشبابية العراقية بدت مختلفة وهمومها أيضا بدت خارج إطار مشهد الحرب، فمن جهته أكد المخرج صدام هاشم أن الجيل الحديث من السينمائيين الشباب في بغداد، يعتزم مواصلة العمل على تقديم أعمال سينمائية قصيرة وطويلة ووثائقية أيضاً بدون توقف، مبينا أن المعاناة والتجرية الإنسانية العراقية هي صاحبة المشهد الأكبر. واعتبر هاشم أن أفلامه في المهرجان جزء حيوي وشهادة إيجابية على تبني الشباب مقولة "أكون أو لا أكون"، معتبرا إياها مسؤولية وطنية وثقافية باسم العراق.
وأوضح أن حصول الفيلم العراقي على العديد من الجوائز هو دليل على أن الفكر السينمائي العراقي قادر على التعبير العالمي باسم اللغة العالمية. وأضاف: "نبحث عبر أفلامنا عن المعالجة الحقيقة، وحمل الصورة العراقية الصحيحة، بعد موجة من المغالاطات، روجت إعلاميا جعلت من الفرد العراقي شخصا غير مقبول".
اشكاليات العمل
أشار المخرج ياسر حميد، إلى وجود عدد كبير من كتاب السيناريو الشباب في العراق، تأثروا كثيرا بالسينما الإيرانية التي تشترك معهم في طبيعة الطرح والتحديات والمتابعة المجتمعية لها، وقال: "أملك ما يزيد عن 10 سيناريوهات، وانتظر العودة إلى العراق للبدء في العمل عليها".
لافتا إلى أن الحديث عن الانتاج في العراق يمثل إشكالية كبرى، رغم وجود متخصصين في فنيات صناعة الأفلام والذين درسوا في الخارج. في المقابل سلط خالد البياتي الضوء على إشكالية العمل في التمثيل بسبب طبيعة المجتمع العراقي المحافظ والذي لا يقبل حتى الآن تفعيل الدور السينمائي بشكل كبير، لافتا إلى ضرورة الاهتمام باللقاءات الشبابية وتفعيل دور جمعية السينمائيين في العراق، بهدف ضخ الدماء الشبابية في الحركة السينمائية العراقية.





