ملتقى «إعمار».. آفاق رحبة لحوار الحضارات

قام الفنانون المشاركون في ملتقى إعمار الدولي الثالث للفنون بوضع لمساتهم الأخيرة على أعمالهم التي بدأها النحاتون منذ السابع من يناير في القرية العالمية، والفنانون التشكيليون في الرابع عشر من الشهر ذاته في نادي دبي للبولو والفروسية.

زارت «البيان» محترفي الفنانين المشاركين، واستطلعت آراء بعضهم حول تصوراتهم وانطباعاتهم عن الملتقى ومدينة دبي كحاضن له، ومدى وقع تلك التجربة عليهم وعلى أعمالهم.. فأجمعوا على أن الملتقى يشكل تظاهرة عالمية، تفتح آفاقاً رحبة للتثاقف وحوار الحضارات، وتباينت آراؤهم حول مدينة دبي والانطباعات والتصورات عن وهلة المكان وطبيعة التجربة، وكيفية اختيارهم لأعمالهم المناسبة لدبي بعيداً أو قريبا عن المسابقة التي ستعلن نتائجها في نهاية الملتقى. تصورات وانطباعات الدكتور حسني أبو كريم فنان تشكيلي من الأردن يقول إن تصوراته عن الملتقى والحالة المتخيلة عن مدينة دبي لم تكن بعيدة عن الانطباعات والواقع، لكن ظروف المشاركة لأول مرة جعلته غير قادر على وضع تصورات عن عمله الذي سيقدمه لدبي، لذلك ارتجل من وحي الحالة بما ينسجم أساساً مع خطه الفني.

أما انطباعه الأولي عن مدينة دبي، فهي مدينة حديثة أعطت المجال الواسع لأي معماري أن يمارس ما يريد، مما شكل تنوعا لكنه لم يخرج عن سياق بصري واحد، وهو الأبراج العالية التي توحي بأن دبي تمتد عاموديا، وأن غلب على ذلك الامتداد الطابع العالمي إلا أن هناك أماكن يستمد فيها المعمار بعض التراث كالبراجيل التي تشتهر فيها الإمارات.

وأوضح د. أبو كريم أن الملتقى الذي يشكل له حالة من الاكتشاف لتجارب الآخرين، يشكل أيضا تظاهرة عالمية يتبادل فيها الفنانون ثقافاتهم، فلكل فنان امتداده التاريخي وبعيد عن حضارة المكان الذي ينتمي له. كما يشكل تجديدا للقاءات وتواصلات للتعارف. وكل فنان سيترك بصمته من خلال عمله الذي يقدمه لمدينة دبي، ومع الزمن سيكون هناك ثروة متنوعة من الثقافة البصرية.

ويرى د. حسني أنه مع كل هذه الايجابيات، وهذا الاهتمام اللافت والرعاية الكريمة من القائمين على الملتقى، إلا أن هناك سلبية يتمنى تجاوزها، وهي أن هذا التجمع الذي يجب بشكل تغذية بصرية للحركة التشكيلية المحلية، غاب عنه كل ما هو محلي، فلم نشاهد معارض لفنانين محليين، ولم نشاهد فنانين محليين لا في المحترفين ولا حتى في الفندق، ولم نحاورهم أو نطلع على تجاربهم ، الاحتكاك كان فقط مع ضيوف الملتقى.

النحات السوري إياد بلال يرى أننا في الغالب نتصور الأجمل فإما ننصدم وإما نشاهد الأجمل منه.. وفي انطباعه هناك حالة من الدهشة للوهلة الأولى.. أن تقوم مدينة بكل هذا التنظيم في الصحراء، مدينة بعيدة عن نكهة مدننا العربية، مدينة أوروبية بتنظيمها.

بقوانينها، باحترامها للناس..هذا كان للوهلة الأولى، ولكني فيما بعد أحسست أن الفنانين الغربيين المشاركين في الملتقى أعمالهم قريبة جداً من هذه المدينة. وعن وصفه لعمله تصور مسبقا أم لا، قال بلال: لا أدري تماماً مدى الإيحاءات التي تركتها بي دبي، لكني وضعت لعملي تصوراً مسبقاً، وحاولت أن أكون مخلصاً لهذا التصور.. ربما تحولت أنا الإنسان الواقعي التعبيري إلى كتل معمارية، لكنها كتل محلية تشبه دمشق القديمة، تشبه طين قريتي.

أما فيما يخص رأيه في الملتقى، فقد أوضح النحات بلال أن وضع الفنان في الملتقى ليس طبيعياً.. الفنانون في حالة إبداع، تآلفهم مع الأشياء والناس والكائنات فيها حالة استثنائية، خصوصاً في عمل يحتاج جهداً فكرياً ونفسياً وجسديا.. الفنان يشاهد الناس ويتعرف ويلتقي كل ذهنه يظل مشغولاً بقضيته الأساسية، إشكالية العمل الفني.

النحات المغربي محمد العادي يقول من جهته أن المكان لم يفرض عليه أية إيحاءات، يترجم من خلال مادته أكانت خشبا أو حجرا تصوراته الداخلية، أفكاره عن الإنسان وصراعاته، وضع الحالة العربية وهذا الانطباع المزري.. يترجم عبر التعبيري التجريدي بعيداً عن الجوانب الأكاديمية، واختياره لمادته يتناسب مع أفكاره.

أما تصوراته عن مدينة دبي، فيعبر عنها من خلال مفاجأته بأنها مدينة عربية لا يتكلمون إلا الانجليزية، مع إعجابه بالتنظيم والملتقى وهذا الاهتمام من القائمين على هذه التظاهرة.

يشاطره الرأي الفنان السوري المقيم في فرنسا، ماهر البارودي، ويقول ضاحكاً: اعتقدت ان الطائرة احتلت طريقها وذهبت إلى مطار فرانك فورد.. لا أحد يتكلم العربية وانا لا أعرف إلا اللغة الفرنسية فما العمل؟ وإنني على ما قاله الزملاء عن جمال مدينة دبي وتنظيمها، والاهتمام بكل التفاصيل المتعلقة بمكان العمل ومكان الإقامة.

يختلف الفنان السوري مصطفى علي عن زملائه من حيث التطورات والانطباعات، فهو يزور دبي باستمرار، ولا يوجد لديه وهلة للمكان لكن الجميل في دبي أن مفاجأتها في تجددها المستمر، وخاصة هذه الأبنية الرائعة التي تشكل منحوتات فنية بحد ذاتها.

وأكد على أن مناخ المدينة قد يفرض تصوراً ما، لكن على الفنان أن يعبر بشكل غير مباشر عن تلك المدينة، عليه أن يعبر عن روح المدينة، فدبي كانت مركزاً للغوص، وفي دبي صحراء ونخيل وامتداد تاريخي، كما فيها صناعة للسفن والأشرعة.. والتطور الحالي يستمد من كل هذا التراث، وخاصة في الأبنية.. الإنسان ابن عصره، والذي رسم الشراع قبل ألف سنة غير الذي يرسمه الآن.

اما فيما يخص الملتقى، فقد أثنى على كل ما قاله زملاؤه، لكن أكد أن المكان بحاجة لمساحة أكثر، خاصة ان النحات الذي يشتغل على منحوتة يصل طولها إلى ثلاثة أمتار مثلاً، بحاجة على الأقل لضعف هذه الأمتار حتى يستطيع مشاهدة عمله، إضافة إلى انتشار الغبار واستخدام الآلات التي قد تشكل خطورة على زملاء المحترف.

لا للمسابقات

النظرة العامة للفنانين تبلورت حول أهمية هذا الحدث من الناحية البصرية والثقافية، وأجمعوا على أن ما يقدمونه يشكل لدبي علامات فارقة في المستقبل، ودليل على اهتمام القائمين على هذه المدينة بالثقافة إضافة للمال والأعمال، لكن المشاركين اختلفوا حول المردود المالي لجهدهم من جهة، وحول المسابقة التي ينحدر من خلالها ثلاثة أعمال فائزة في حقل التصوير وحقل النحت.

الفنانة التشكيلية اللبنانية فاطمة الحاج التي صدمتها دبي في حالة جنون الحركة والازدحام، وصخب ضجيجها الذي يدب في الرأس ويدور ويدور الفنان معه بحيث لا يعد بالمئة إلا أن يصرخ باحثاً عن قمة جبل أو غابة.

الفنانة فاطمة تقول صراحة أنا ضد المسابقة، على القائمين على هذا الملتقى توزيع أموال الجوائز على الجميع، لأن المشتركين لم يأتوا إلى هذه الدعوة عبر الجرائد، أو الإعلانات.. المشاركون تم اختيارهم من بين آلاف الفنانين، أي تم تقييمهم، فلماذا نعيد تقييمهم من جديد؟

الفنان المصري ناجي فريد الذي يشتغل على المعدن والجرانيت في منحوتاته المستوحاة من هيئات الصروح الفرعونية، يقول: أتمنى لهذا الملتقى النجاح والاستمرار، وأتمنى ألا تكون هناك مسابقات في نهايته، الملتقى يعني أن أقدم أفضل ما عندي كتعبير عن تجاربي وفني وأتقاضى عائدا ماديا على وقتي ومجهودي وإنتاجي.

وهذا يكفي.. المشاركون تم اختيارهم عن طريق لجنة، والفائزون سيتم اختيارهم عن طريق لجنة، ومع تغير اللجنة سيتغير الفائزون بالضرورة، لأن التقييم نسبي وكل عضو لجنة يرى ما لا يراه غيره.. واقترح أن يتم تقليل عدد الفنانين وزيادة المكافآت المالية والعمل على اختيار المشاركين بدقة.

شارك الفنانين رأيهما كل من الفنان مصطفى علي والفنان السعودي زمان الجاسم، وقال علي: المسابقة تحدد عملا وأول وثانيا وثالثا.. لكن إذا تغيرت لجنة التقييم، سيتغير هذا الترتيب أو يُنسف من أساسه، العملية الإنتاجية هي المهمة، والتقييم يظل نسبيا خاصة على الصعيد التشكيلي، أما الفنان زمان فقال إن كل حاضر فائز، وكل فائز مكرم، اللقاءات والتعارف وتبادل الخبرات وتقديم كل هذا لدبي والملتقى هو الأهم، ولو كان هناك مسابقة على عمل معين أو شكل محدد لكان بإمكان اللجنة التقييم بدقة، لأن الفنان سيشتغل عليه كمشروع، وسيكون هناك أدوات نقدية أو تقييمية محددة.

استطلاع: محمود أبو حامد

الأكثر مشاركة