«بني عداس» غجر الجزائر المنبوذين

ت + ت - الحجم الطبيعي

«بني عداس» أو «عدايسية» هي كلمات توارثها الجزائريون عن الأمهات والجدات لنعت الأشخاص المنحطين أخلاقيا ولكن قليل منهم يدرك أصل هذه التسميات، اللهم عدد قليل جدا من أهل الاختصاص من المؤرخين وطلبة معاهد البحوث التاريخية والمتخصصون في علم الأنساب.

في الحقيقة فإن أصل هذه الكلمات يعود إلى فئة من الناس يتعايش معها الجزائريون بحذر ولكنهم يجهلون تاريخهم وأصولهم، البعض من الجزائريون يطلقون عليهم اسم "بني عداس" و"بني هجرس" والبعض الآخر ينعتونهم ب "الجيطانو" أو "الجواطنة" وتعني الغجر.

قد تختلف التسميات من منطقة إلى أخرى، لكن هؤلاء القوم يشترك جميعهم في أسلوب عيش واحد وموحد، هو الترحال المستمر، ويشتركون أيضا في ميزة واحدة وهي أنهم إذا حلوا بأرض عاثوا فيها فساداً.

هم رغم وفرة المال عندهم لتربيتهم الماشية من غنم وضأن ومعز وجمال، تجدهم يفضلون الخيام والعربات المتنقلة التي تجرها البغال يستخدمها هؤلاء عادة كمراقد مؤقتة تستجيب لتفاصيل حياة التسكع تحت نجوم السماء بعيدا عن جدران الإسمنت الآمنة .

ويتميز بني عداس كباقي قبائل الغجر بلباس مميز يختلف عن باقي المواطنين وعلامات الوشم الموزعة عبر أنحاء الجسم ويعرف نساءهم باسم  "القزانات" وتعني المتسولات والمشعوذات، يتظاهرن بالفقر لاستعطاف المارة عن طريق ارتداء ملابس رثة كما يغطي الوسخ ملامح وجوههن.

"عقلية بني عداس "
 "ترخسي يا الزرقا ويركبوك بني عداس" ... هو مثل آخر يتردد كثيرا على ألسنة سكان الشرق الجزائري و هو يضرب للشيء الغالي حين يرخص ويصبح في متناول رعاع الناس.

والحقيقة أن هذا المثل مرتبط بواقعة تاريخية تعود إلى الأيام الأولى لدخول الاستعمار الفرنسي للجزائر حيث جوبه بمقاومة شرسة من القبائل الجزائرية الأصيلة استمرت عقودا من الزمن دفع فيها الشعب الجزائري كل غال و نفيس, فلم تجد فرنسا من يؤيدها و يدعمها في هذه الأرض المقاومة سوى قبائل بني عداس .

وهم قوم من الغجر يعيش رجالهم على السرقة والاحتيال و نساءهم على قراءة الكف و (أمور أخرى).. فألبستهم فرنسا البرانيس والعمامات وأركبتهم الجياد الأصيلة وأطلقتهم على البلاد والعباد ليعيثوا فيها فسادا ويجعلوا أعزة أهلها أذلة.

ووفقاً للواقعة التي دونها المؤرخون، نظر أحد الموطنين الأحرار إلى واحد من هؤلاء الرعاع وهو يمر في كامل زينته متبخترا على فرس زرقاء وقال مخاطبا الفرس التي عز عليه أن يمتطيها حثالة الناس.."ترخسي يا الزرقا ويركبوك بني عداس". فأصبح قوله هذا مثلا يتردد على ألسنة الخلق.

خرجت فرنسا وأصبحت من الماضي، لكن عقلية بني عداس توارثها أهلها.

ولقد ظل وما يزال تعبير "بني عداس" محملا إلى يومنا هذا بشتى المدلولات اللاأخلاقيّة التي تنوب مناب الشتيمة للشخص المراد إهانته، شتيمة عادة ما تُطلق لوصف أصحاب الأخلاق المنحطّة والفئات الرذيلة في المجتمع، ولا غرو أن تسمع أمّا تنعت واحدا من أولادها رفض الانصياع لأوامرها أو توجيهاتها، أو أظهر سلوكا مشينا، بأن تقول له "روح يا بني عداس" أو "روح يا لعدايسي". ومثلها تفعل أمهات أخريات مع بناتها عندما تزّل إحداهن أو تخطئ، فتروح قائلة لها "أيتها العدايسية" ، والاستعمالات جميعها تحيل إلى قلة التربية والحياء.

أصل بني عداس:
يرجح بعض المؤرخون أصل قبائل بني عداس إلى تونس، فيما يقول بعضهم أنهم عصبة من المتشردين واللصوص والشحّاذين والسحرة جاؤوا من الهند، أو أنهم جاءوا من افغانستان في الألف الأول الميلادي.

تروي أغلب الروايات التاريخية أن السلالة البشرية للغجر تعود للقرون الغابرة وهم ينحدرون من الأصول الهندية، انتقلوا إلى أرض اليونان ليتوسعوا في باقي أنحاء أوروبا، اشتهر تعريفهم حتى في الأكاديميات بأنهم جنس رحالة يعيشون في شكل قبلي، يمتهنون التسول والكهانة ولا وجود لأية قيمة اجتماعية عندهم.

وجودهم في أوروبا لم يقص وجودهم بالجزائر إذ تمكنوا من الوصول إليها عن طريق رحلاتهم، فمن بين أشهر القبائل الغجرية المعروفة في الجزائر بني هجرس وبني عداس الجزائرية و العمريون على غرار تجمعات منطقة الحاسي بضواحي سطيف، ومناطق أخرى في ولايات من الشرق والغرب مثل ولاية غليزان، تيارت وسعيدة وحتى الجنوب الجزائري ولعل المتتبع لبعض الشوارع الجزائرية يكتشف انتشار العمريون من خلال ما يخترعونه من بدع وطلاسم يحاولون أن يملؤوا بها عقول الناس رغبة في الحصول على المال والاسترزاق.

لا جنائز ولا هويات لتشييع أموات الغجر
نقلت صحيفة "جزايرس" عن الشيخ محمد في الستينات من العمر، وهو من أحد أفراد قبيلة بني عداس في ولاية سعيدة، قوله أنه فيما يتعلق بدفن الموتى، يتوجه الأهالي إلى أقرب المساجد، ويتركون الميت هناك من دون تشييع جنائزه ولا حتى الوقوف على دفنه وتوديعه؟

وتجدر الإشارة إلى افتقاد هؤلاء لوثائق هوية، مأساة تمتد إلى جوانب أخرى، حيث كثيرا ما يضطرون إلى نقل مرضاهم إلى المستشفيات وربما تنتهي القضية بوفاة، فتكون الطامة أكبر، حيث يصعب تسجيل العملية إداريا وإخراج الميت للدفن، فضلا عن عدم معرفة هؤلاء بطرق التعامل مع الإدارة.

والمثير للانتباه أن قبائل بني عداس لا يملكون وثائق الهوية فهم عادة يتزوجون "عرفيا" دون تسجيل زواجهم في الحالة المدنية مما يمنع أطفالهم من الذهاب إلى المدرسة والتعليم كما ليس لهم الحق في الاستفادة من السكنات الاجتماعية وغيرها من الحقوق المدنية والسياسية.

 

Email