«دبي تلاقي ناميبيا».. بهذه العبارة استقبلت ناميبيا الوفود الإعلامية والسياحية الآتية من دولة الإمارات في تدشين لمرحلة فتح ناميبيا أبواب كنوزها الطبيعية أمام السياح القادمين من الشرق وتحديداً من الإمارات.
الناميبيون، مُمثّلون بوزارة السياحة ومجلس السياحة رفعوا شعار: «آفاق بلا حدود» مراهنين على أنّ ما لديهم يختلف عن باقي الدول الإفريقية، سواء القريبة مثل جنوب إفريقيا وبوتسوانا أو البعيدة مثل كينيا.. ويعدون السائحين بتجربة لا تنسى بين الغابات شمالاً وشرقاً والصحارى والجبال جنوباً ومياه المحيط الأطلسي اللازوردية غرباً.. وهم يراهنون على تلاقٍ واعد مع سوق السياحة القادم من دبي، مرحبّين بالمواطنين الإماراتيين وبالوافدين من شتى بقاع العالم.. وعيونهم على هذا السوق الجديد.
الذاهب إلى إفريقيا تقفز إلى مخيّلته في الوهلة الأولى الصورة التي نعرفها عبر شاشات التلفزيون.. فقر وبؤس ومجاعة. لكن، الحال كانت على عكس التوقعات، على الأقل في المناطق التي اشتملها جدولنا لأن الكل يريد رؤية الأسد والنمر والزراف، والتمتّع بالغابات.
كان نصيبي الفريق ب.. والوجهة إلى الصحراء!
من صحراء شبه الجزيرة العربية حيث الدنيا ربيع ودرجة الحرارة بحدود 25 إلى 27 درجة مئوية إلى صحراء في أقصى غرب (الحقيقة جنوب غرب) القارة الإفريقية، وعلى بعد بضعة مئات من مياه المحيط الأطلسي، حيث البلاد تودّع صيفها بالأمطار بدرجات حرارة تتراوح بين15 و20 درجة. وهذه الأمطار غزيرة كلما حطّت رجلك شمالاً وتكاد تنعدم كلما اتجهت جنوباً أو جنوب غرب مع ارتفاع واضح في درجة الحرارة نهاراً ونسائم منعشة ليلاً.
وبعد رحلة طويلة كانت ممتعة في بدايتها حططنا الرحال في منطقة سوسوفيل حيث لاشيء حولك أو فوقك إلاّ الطبيعة البكر.. غطاؤك السماء والنجوم. نعم، النجوم الساطعة.. ومخدّتك احدى صخور هذه البقعة الصحراوية الحمراء التي تعتبر جزءاً من محمية طبيعية اسمها ناميب لوكلوف والتي تتهادى على مساحة 34 كيلومتراً مربّعاً.. فقط.
وبعد تمضية اليوم في الطريق الوعرة ووداع اللون الأخضر تدريجياً كلما تعمّقت الحافلة جنوباً جاء اللقاء مع المنتجع الصحراوي وغرفه المتناثرة وسط الصحراء والجبال القاسية، و«ضجيج» زقزقة العصافير والطيور المختبئة وسط الأغصان.. ودفق دقات القلب خوفاً من أفعى أو نمر أو ذئب يزور المنتجع الذي ليس بينه وبين البرية حجاب سوى سياج سلكي.
وبعد ليلة كانت حائرة بين النوم داخل «الكوخ» ذي الخمس نجوم أو الاستمتاع بالنجوم على الطبيعة في كبد السماء.. حلّ الصباح بقبلة من شمس ناعمة أحسست لبضع ساعات لاحقة أنها مختلفة.. وعندما اقترب النهار على الانتصاف اكتسبت الشمس قوّتها وبدأت المعاناة.
يوم أمضيناه في ملاحقة الشمس، والرمال. وخفّف من وعورته ورمضائه لقاءات كالبرق مع الوجه الحسن القادم من البرازيل وإسبانيا والولايات المتحدة ومن فرنسا وإيطاليا واليابان.. وبالطبع الألمان، فهم شريان حياة هذه البلاد قديماً وحاضراً، وأثرهم واضح لا تخطئه العين في العديد من المدن، كالعاصمة ويندهوك التي تتلألأ نظافة وتنظيماً وخضرة وازدادت بريقاً مع جولات المطر المتفرّقة، أو في مدينة سواكوبموند المشاطئة لأمواج المحيط الأطلسي والتي تعتبر قطعة ألمانية على المحيط الذي كان يوماً نهاية العالم، وما بعده ظلمات.
ومع اشتداد الحرارة بدأ أعضاء الفريق يسترجعون ثورة اليوم السابق عندما علموا أن وجهة الفريق ب ليس فيها غابات ولا حيوانات. وبات الكل يسأل مرشد الرحلة بغضب أين الحيوانات؟ أين الأسد؟ أين الزرافة؟ أين الحمار الوحشي؟ والردّ: «ذلك في الشمال.. ولكن يمكن أن نرى بعض المها والغزلان والنعام».. وهكذا مضى اليوم في ترقب لقاء.
حاول مرشد الرحلة أن يضفي جواً من المرح بالقاء العديد من النكات، وبإعطاء تفاصيل عن جمال المنطقة التي «نقيم» فيها منذ ساعات وساعات، فهذه الكثبان الرملية التي تغطي جبالاً صخرية تحتها «تتحرّك» مع مرور الأيام. «انظروا ذلك لم يكن هنا في العام الماضي»، حتى شكله و«هندسته» تتغير مع عصف الريح وما تحمله من كميات رمل تذروها فوقه.. لترتفع الكثبان إلى نحو 400 متر أحياناً.
المرافقون، القادمون من بعض وسائل الإعلام الزميلة في الدولة ومن كبريات شركات السياحة السفر، عبّروا عن الاستياء لأن سفاري الكثبان الرملية أمرٌ مستهلك وبخاصة للقادمين من دبي حيث السفاري بات صناعة خمس نجوم، ولا يمكن أن تنافسه كثبان إفريقية.
«وماذا نقول لعملائنا؟.. اذهبوا لزيارة الصحراء والتمتع بالكثبان الرملية؟» تساءل أحد وكلاء السفريات، مستشهداً بأن بالإمكان القيام بذلك بدبي وبتسهيلات ورفاهية أكبر.
يرد المرشد السياحي بأن تجربة الكثبان تختلف من بقعة إلى أخرى، فالذي لدينا ترابه أحمر «وبارد»!
وخرج الكل لاعتلاء أحد الجبال الرملية، بدأت الخطوات الأولى بنشاط واندفاع، وما هي إلا لحظات حتى بدأ يترنّح البعض، وتقهقر آخرون، وغاب في الأفق القليلون الذين عادوا لنا بعد نحو ساعة فرحين.. وبعضهم أنهى التجربة بإلقاء نفسه من علٍ متدحرجاً متمرّغاً بالتراب.
وبعد ذلك كانت وجهتنا نحو الوادي الميت.. كان هنا ماء وكانت أشجار وارفة الظلال ولكن تمدّد الكثبان قطع الطريق على السيل والمستنقع الذي تبدو آثار ماضيه الغابر محفورة على وجه الأرض، ولم يبق من الغابة الغناء سوى بضع أشجار عجاف مترامية باتت قبلة لراغبي التقاط الصور.
ثم كانت رحلة العودة.. ساعان ونصف الساعة نحو المنتجع ومن نفس الطريق التي مررنا عبرها منذ الصباح.
ووسط حالة الكسل، مدعوماً بالاجهاد، الذي سيطر على الكل.. صاح احدهم: «إنه المها». تنشّط الكل، وأدار الجميع الكاميرات على أنواعها حتى لا تفوتهم اللحظة التاريخية. توقفت الحافلة حتى تكون الرؤية أفضل واللقطات أجمل.. دقائق قليلة وودّعنا قطيع المها هارباً تاركاً بضع صور وأملاً بلقاء آخر مع الجَمال ومع قطيع أكبر عدداً وتنوعاً عمرياً.. وهو ما كان في اليوم التالي حيث تمت مصادفة قطيع كبير تحت سفح أحد الجبال.
وعدا رؤية بضعة نعامات وجاموس بري.. فلم يكن هناك أية لقاءات خارجة عن المألوف او المأمول من زيارة بلد إفريقي يحتضن في مرابعه وغاباته وبراريه 460 نوعاً من الكائنات التي خلقها الله.. ومن بينها الخمسة الكبار: الفيل، والأسد، الجاموس الإفريقي ذو القرون، والفهد المرقّط، ووحيد القرن.
وانتهى النهار بزيارة إلى وادي نهر الأسماك (Fish River Canyon) الذي يعتبر ثاني أكبر واد في العالم بعد الوادي الكبير (Grand Canyon) في ولاية أريزونا الأميركية.
واد مرعب، ذو تلافيف عجيبة، تتوزّع على جنباته الكهوف المبرّدة، وحيث يرجع الصدى مجلجلاً مدوياً.. وبعد نزول إلى ما تحت العالم نصل إلى نهاية الطريق حيث ما تبقى من «أطلال» نهر و«بقايا» أسماك وكائنات بحرية صغيرة، في بقعة كانت يوماً مستقراً لحياة ما.
اتجهت الشمس، بعد انتظار طويل، إلى الغرب.. وطال ترقبّنا لحظة الغروب، عندما تحتجب الخيوط الذهبية التي تتخضّب بلون العقيق خلف الجبال، لتتسابق الكاميرات على تسجيل اللحظة، التي لن تتكرّر، فغداً سنتحرّك نحو الشمال الغربي قليلاً لنعانق المحيط الأطلسي.
وبعد رحلة شاقة، بين طرقات صخرية وعرة أعطتها بعض اللمسات اللطيفة بضع مئات من قطرات المطر الذي اصرّ على الجميع على النزول من الحافلة طلباً للبلل، وقعت أنظارنا على اللون الأزرق الذي كادت تحجبه عنّا كثبان رملية صفراء على جانبي انحناءات الطريق.
وأخيراً.. نحن والمحيط وجهاً لوجه. وعلى احدى الطاولات كانت تتزاحم الأطباق التي تضم الخيرات المستخرجة من أعماق ثاني اكبر محيطات العالم. أجمل مافي سواكوبموند سكونها. فهي مدينة وادعة، صافية السماء، دافئة، مُرحّبة، تزدان بالمطاعم الشاطئية التي تزدحم ليلاً بخليط بشري حرصوا على تمضية الليل في «قطعة من أوروبا» على أبواب العالم.
ويمكن لزائر سواكوبموند أن يعيش لحظات لا تمحى بعبور الجسر الخشبي الكبير الذي يشق أمواج المحيط لمسافة 200 أو 300 متر.. حيث تصبح سجين التيارات الهادرة، ورذاذ المحيط المتطاير، ولا يمنعك من السقوط، كُرْهاً او رُبَّما طوعاً، سوى السور الخشبي للجسر.. فخلال جلوس السائح على الجسر يسمع نداء «خفيا» وكأن المحيط يريد عناقه، وهنا لايكون أمام المُنادى سوى أن يفتح يديه على طريقة بطلي فيلم «تايتانيك» الشهير.
ولا يمكن لزائر سواكوبموند أن يتحاشى نداء مياه المحيط الأطلسي سواء سباحة، لمن يستطيع تحمل برودة المياه، أو عبر زوارق النزهات البحرية التي تقدّم برامج ترفيهية رائعة تختتم بوليمة من «فواكه» البحر ولحومه على أنواعها.
وهناك لقاء مع الدلافين ومع جزيرة كلاب البحر ومع السفن الجانحة وقطع من السفن الغارقة.. ولا ننسى الشمس.
وبعد ليلتين من الليالي الملاح ينتهين بالنسبة لنا، الفيلم السياحي الناميبي بإعلان العودة إلى العاصمة ويندهوك، التي تستقبلنا باللون الأخضر وتغمرنا، وكادت تغرقنا، بأمطار الخير التي كانت تنسكب من أبواب السماء سكباً.
نزلنا في سقف إفريقيا، اسم فندق متواضع، والتقينا بأعضاء الفريق أ الذين كانت كاميراتهم وتلابيب ذاكرتهم تفيض بما رأوه، كما نقلوا لنا وعلى ذمّتهم، من بدائع الخالق ومن جمال طبيعة في غابات محمية إيتوشا التي تبلغ مساحتها 24 كيلومتراً مربعاً، فهناك كانوا على موعد مع الحيوانات، صغيرها وكبيرها، ومع الأمطار.. والتقوا أفراد قبائل أوباهيمبا وغيرها الذين لايزالون يعيشون «كما خلقتني يارب» في بيئة لم تشوّهها الحضارة سوى وفود السياح الذين يتوافدون على المنطقة للتصوير، وبعض أطقم التصوير السينمائي الأميركي.
وتعتبر ناميبيا هذه القبائل جزءاً من سياحة ثقافية.. وهناك برامج سياحية خاصة تتمحور حول المنطقة التي يعيشون فيها، وهي محل جذب الكثير من الأوروبيين وتكاد تنافس سياحة الوايلد لايف.
رحلة ترويجية ومراهنة
استضافت ناميبيا قبل اسابيع جولة استطلاعية لوفود إماراتية تشمل قطاعات الإعلام والسفر والتجارة بهدف التعريف بالإمكانات التي تمتلكها الدولة الإفريقية التي تفتقر إلى السياحة العربية بشكل شبه كامل.
ناميبيا، ممثلة بوزارة السياحة والوزيرة نيتمبو ناندي- ندايتوا ومجلس السياحة، وعدوا القادمين بمفاجآت كثيرة و«آفاق بلا حدود»، ووعد المسؤولون بتذليل النواقص في سبيل تحقيق هذه التجربة، مثل: فتح خط طيران مباشر، وتوفير الخدمات القنصلية في دبي، ومكتب سياحي.
وفي آخر يوم من الزيارة التي دامت ستة أيام، أعلن وزير التجارة الناميبي إن السلطات ستفتح مكتباً دبلوماسياً وتجارياً في دبي في وقت لاحق.
توسع
البحث عن أسواق جديدة
من ضمن البحث عن وجهات جديدة يستهدف مجلس السياحة الناميبي مناطق جديدة غير الأسواق التقليدية: المانيا وإيطاليا واليابان.. وفضلاً لدولة الإمارات العربية المتحدة، بمواطنيها ومقيميها، يستهدف المجلس جذب سياح من الصين، وأميركا الشمالية، وبلدان البلطيق ودول اسكندنافيا.
وقال الرئيس التنفيذي للمجلس ديغو ناوبيب لـ «البيان» إن بلاده تتوقع استضافة نحو 1.1 مليون سائح هذا العام بعد أن تمكنت من استضافة نحو 985 ألف سائح في العام 2010.
وتحدّث ناوبيب لـ «البيان» عن الخطوات الكبيرة التي قطعتها ناميبيا التي نالت استقلالها قبل 22 عاماً فقط، مشيراً إلى أن عدد مستكشفي ناميبيا لم يتعدوا رقم الـ 150 ألفاً في العام 2003. وقال إنه رغم الأزمة المالية العالمية فإن بلاده تحقّق أرقام نمو إيجابية.
ثروات
تسهيلات للقنص
عملت دولة ناميبيا على المحافظة على ثرواتها الطبيعية في المحميات فتراجع الصيد غير الشرعي، وتزايدت الحيوانات البرية الموجودة بالمحميات وتضاعفت أعدادها.
وقدّم المسؤولون الناميبيون تأكيدات على أنّ «سياحة القنص» تتمتع بتسهيلات كبيرة شرط أن تكون قانونية، فضلاً عن تمتعها بتسهيلات في الرسوم التي يدفعها الراغبون في التمتع بهذا النوع من السياحة في هذا البلد المترامي الأطراف.


