بروفايل

«غازبروم».. ورقة روسية استراتيجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

"جرافيك"

داخل مقاطعة شيريوموشكي جنوب موسكو، يقف مبنى شركة «غازبروم» كأخطر ورقة استراتيجية لدى روسيا، إذ تعتمد عليها الدولة السوفيتية السابقة في تسديد أهدافها في مرمى المجتمع الغربي، خاصة وأن مكانتها كقوة عظمى في مناطق عدة من العالم صارت تتحقق عبر صفقات البترول والغاز.

وتمثل «غازبروم» واحدة من أربع شركات تنتج وتدير احتياطيات روسيا من الغاز والنفط، إذ يمثل إنتاج الشركة ما يقرب من 20 % من إنتاج الغاز بالعالم، وتقدر احتياطياتها المؤكدة بنحو 29.85 تريليون متر مكعب، وصافي أرباح سنوية تتجاوز الـ35 مليار دولار.

وتمتلك الشركة الروسية أكبر شبكة نقل للغاز بخطوط أنابيب تبلغ أطوالها 158.2 ألف متر، والتي تلتف حول عنق الاتحاد الأوروبي، إذ تعتبر روسيا مورد الغاز الرئيس للقارة العجوز، بنسبة تتجاوز الـ30 %.

ويتواجد الجزء الأكبر من الحقول المنتجة للشركة في سيبيريا والأورال وفولجا، إذ يرجع الفضل إلى الاكتشافات الضخمة التي تحققت قبل أربعة عقود بتلك المناطق في تدعيم القدرات التصديرية للاتحاد السوفيتي من خامات الغاز الطبيعي في فترة السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، عندما كانت صناعة الغاز تدار من قبل وزارة الصناعة الروسية.

وفي أغسطس من عام 1989، تحت قيادة وزير صناعة الغاز فيكتور تشيرنوميردين، قامت وزارة صناعة الغاز بتحويل نفسها إلى شركة الدولة للغاز أو (غازبروم)، والتي أصبحت أول مشروع لشركة خاصة، ومع تفكك الاتحاد السوفيتي في أواخر عام 1991، تم تحويل أصول الدولة السوفيتية السابقة في قطاع الغاز إلى شركات قومية، واحتفظت شركة غازبروم بأصولها، وتتوزع ملكيتها حاليا على أسهم مملوكة تقريبا بالكامل للحكومة، إذ يبلغ نصيب الكرملين 51% من أسهم الشركة.

وتزامن صعود نجم شركة الغاز الروسية كسلاح اقتصادي مع فترة ظهور فلاديمير بوتين على الساحة السياسية، إذ ربطت علاقة قوية بين الطرفين دعمتها الخدمات المتبادلة، فمن جانب كانت الشركة ورقة ضغط رابحة في أيدي بوتين لإعادة بلاده على الساحة الدولية، ومن جانبها استفادت الشركة من السياسات الخارجية التي انتهجها بوتين والتي فتحت آفاقا جديدة لاستثماراتها في الوطن العربي وأميركا اللاتينية.

إذ عمل بوتين على تحويل الرؤية الاستراتيجية لروسيا من التعامل بمنطق الاتحاد السوفيتي السابق المعتمد على القدرات العسكرية والرقعة الجغرافية المترامية الأطراف، إلى التعامل بمنطق الدولة الكبرى التي تعتمد على القوة الاقتصادية على غرار الولايات المتحدة.

ولطالما اعتبرت «غازبروم» أداة من أدوات السياسة الخارجية الروسية، وبرز دورها الجديد في أعقاب أزمة تأخر أوكرانيا قبل 5 سنوات تقريبا من دفع مستحقات الغاز لشركة غاز بروم، فكان لتهديد روسيا بتخفيض كميات الغاز التي تضخ في الخط الممتد عبر الأراضي الأوكرانية والذي يغذي دول غرب أوروبا، أثره البالغ في إقلاق مضاجع رؤساء الاتحاد الأوروبي.

وحتى الآن ففي الوقت الذي تحتل السياسات الإنسانية عناوين تصريحات الاتحاد الأوروبي بشأن الأزمة الأوكرانية، تشكل «سياسات الغاز» الجوهر الحقيقي لتوتر العلاقات بين الدب الروسي والاتحاد الأوروبي، المهدد بشتاء قارص البرودة، في حال قررت روسيا الزج بـ«غازبروم» لاعبها الرابح دائما في الملعب خلال الفترة المقبلة.

Email