يسير قطاع صناعة السيارات العالمي بثلاث سرعات متفاوتة، حيث تنمو الصناعة في كل من الصين وروسيا والبرازيل والهند والولايات المتحدة بسرعة كبيرة، لتستأثر بنحو 75% حجم النمو عالمياً بحلول عام 2018، في الوقت الذي ستبقى فيه أوروبا الغربية واليابان عالقتين في موجة التراجع، بينما تعاني أسواقٌ أخرى من ركودٍ وتباطؤٍ ملحوظين.
وتتوقع دراسة جديدة صادرة عن "أليكس بارتنرز"، تزايد حدة التراجع في أوروبا مع تحوّل التوقعات إزاء ركود الأسواق إلى واقعٍ ملموسٍ نظراً للتغيرات الهيكلية في الطلب على السيارات. ونظراً لوصول نسبة مصانع التجميع الأوروبية التي لا يتم استخدامها بكامل طاقتها إلى 58% من أصل 100 مصنع؛ فقد تفاقمت مشكلة الفائض بوتيرةٍ مثيرةٍ للقلق.
بالنسبة للمصنعين الأوروبيين، فإنّ الشركات التي تتمتع بعلاماتٍ تجاريةٍ رائدةٍ هي التي ستخرج أقوى من الأزمة التي تمر بها حالياً، وستحظى بحصة مهمة في الأسواق ذات معدلات النمو المرتفعة، بالإضافة إلى نجاحها في تحديد بصمتها الصناعية المناسبة، وتحقيق فعالية التكلفة من المنصات الموحدة العالمية، والاستثمار في تقنيات المستقبل.
"عالم ثلاثيّ السرعات"
تفيد الدراسة أنه من المحتمل أن يشهد قطاع السيارات العالمي نمواً بنسبة 3% هذا العام، وذلك قبل الدخول في فترة النمو المتوقعة والتي تزيد على 4% سنوياً بدءاً من عام 2014 وحتى عام 2018. ومقارنة بالعام 2012، فإنه من المتوقع أن تنمو السوق العالمية بنسبة 28% أو ما يعادل 23 مليون وحدة لتصل إلى 102 مليون وحدة في العام 2018، أي بزيادة ملحوظة عن العام الماضي الذي شهد تصنيع 80 مليون وحدة.
وأشارت شركة أليكس بارتنرز في دراستها إلى أنه بالرغم من توجه الصين للدخول في مرحلة تهدئة وركود خلال الفترة الماضية؛ فلا تزال التوقعات تشير إلى هيمنة الصين وريادتها للنمو هذا العام. ومن المتوقع أن تنمو السوق الصينية لتصل إلى 29 مليون حتى عام 2018؛ وهي زيادة كبيرة من 10 ملايين في العام 2012، لتستأثر بنسبة تصل إلى 50% تقريباً من نمو القطاع عالمياً. أما الهند، فمن المتوقع أن تشهد معدلات نمو مرتفعة هي الأخرى، حيث سيصل عدد السيارات المتوقع بيعها في العام 2018 إلى 2.6 مليون سيارة، أي بنسبة زيادة تصل إلى 79% مقارنةً بالعام الفائت.
علامات انتكاسة هيكلية
يشير التقرير إلى أن مبيعات السيارات في أوروبا الغربية ستواجه موجة هبوط أخرى في العام 2013 للسنة السادسة على التوالي. كما يشير إلى أن توقعات ركود الأسواق تحولت إلى واقع ملموس؛ إذ يبدو أن التغيرات في الطلب هي هيكلية أكثر منها دورية. وفي الوقت ذاته، تستبعد الدراسة أن إطلاق برامج مساعدات حكومية ضخمة لتعزيز الطلب، نظراً لمحدودية ميزانيات منطقة اليورو.
تشهد أوروبا الغربية تداعيات كثيرة تسهم في تضييق الخناق على حجم الطلب في قطاع السيارات وهي: وصول البطالة بين الشباب إلى مستويات قياسية، ومرور الدخل المتاح للإنفاق في مرحلة ركود تام إن لم يكن في حالة تراجع، وأخيراً ارتفاع نسبة الشيخوخة ضمن التركيبة السكانية، والتي يتوقع أن تؤثر سلباً على مستويات الطلب على السيارات الجديدة. إضافة إلى ذلك، تفيد الدراسة إلى تراجع اهتمام الشباب بالسيارات كدليل على مكانتهم، وانخفاض كثافة السيارات في المدن، كل ذلك مقابل توجه متزايد نحو التمدن والذي يسهم أيضاً في التوقعات بالركود.
أما من ناحية الدعم والتزويد، تشير الدراسة إلى أن التحسن المستمر في متانة السيارات وارتفاع أسعار السيارات الجديدة لتلبية متطلبات الانبعاث والسلامة، قد أسهمت أيضاً في هذه التداعيات.
تعليق
ويرى ستيفانو أفيرسا، الرئيس المشارك والعضو المنتدب في أليكس بارتنرز: "يُعد بقاء الأمور على حالها الآن يوازي النمو في الماضي بالنسبة لأوروبا الغربية، ومع عدم وجود أي توجهات معاكسة، نعتقد بأن هذه المنطقة ستعاني من هذه الحالة لسنوات عدّة مقبلة."
وأضاف أفيرسا: "تشير نماذجنا إلى أن مبيعات السيارات في أوروبا الغربية ستصل إلى نقطة متدنية وهي 12 مليون وحدة في عام 2014، وستبقى ضمن هذا المستوى في المستقبل القريب لتكون بعيدة كل البعد عن الذروة التاريخية التي شهدتها في العام 2007، عندما وصل حجم مبيعاتها إلى 16.8 مليون وحدة. ومن جهة أخرى، ستواصل منطقتا وسط أوروبا وأوروبا الشرقية نموها وبزيادة تقدر بحوالي 2 مليون مركبة في السنوات الخمس القادمة".
زيادة الضغط على فئة الحجم
تتوقع دراسة أليكس بارتنرز، والتي تصنف العلامات التجارية للسيارات وفقاً لـ "التميز" و"حجم الإنتاج" و"القيمة"، بأن عنصري التميّز والقيمة سيواصلان التأثير على عنصر حجم الإنتاج. كما تتوقع الدراسة إلى أنه في الفترة ما بين 2012 و 2018 أن يخسر عنصر حجم الإنتاج نقطتين مئويتين من الحصة السوقية في العالم. ومع ذلك، تشير الدراسة إلى أن الحجم سيبقى صاحب أكبر حصة، وبنسبة 59% من إجمالي مبيعات السيارات في العالم.
وفي ذات الوقت، تتنبأ الدراسة بارتفاع الحصة السوقية لسيارات العلامات التجارية المتميزة من 9% إلى 10% في تلك الفترة، ومن الممكن أن تكسر حاجز العشرة ملايين مركبة في العام 2018، وذلك بعد أن كانت قد باعت نحو 7 ملايين مركبة عام 2012. من المتوقع أيضاً أن تزداد مبيعات السيارات ذات القيمة من 23 مليون سيارة مباعة في العام 2012 إلى 31.1 مليون بحلول عام 2018؛ أي بزيادة قدرها 8.1 ملايين وحدة.
علاوة على ذلك، يتوقع التقرير نمواً ديناميكياً في سوق السيارات الفاخرة. وفي حين ستبقى أميركا الشمالية أهم سوق للسيارات الفاخرة مع مبيعات تصل إلى 31 ألف مركبة في العام 2018، ستستأثر منطقة الشرق الأوسط والصين على أعلى نسبة نمو في هذه الفئة، إذ تفيد الدراسة بأنه في الفترة ما بين 2003 و2018 ـ أي خمسة عشر عاماً ـ من الممكن أن تُضاعف هاتان المنطقتان نموهما بمقدار 21 ضعفًا و133 ضعفًا على التوالي.
