تتجه الأنظار على المدى الطويل نحو الأسواق الناشئة التي تتمتع بمستويات ديون منخفضة، وتفتقر للتدخلات الحكوميّة، ويمكن للتدفقات الاستثمارية فيها أن تجد عوائد أعلى بكثير من تلك التي توفرها أسواق البلدان المتقدمة، وذلك ببساطة نتيجة استقرار معدلات النمو المتوقعة عند مستويات مرتفعة.
التماس المخاطر
وبالنظر إلى الأسواق عموماً، تتزايد الحيرة مع التماس مخاطر جديدة والشعور بالقلق والريبة حيال المرحلة المستقبليّة؛ إذ انخفض مقياس تقلبات السوق في مؤشر «ستاندرد آند بورز» إلى ما دون مستوى 17%، بينما بدت مراجعات الأرباح في «مؤشر مورجان ستانلي كابيتال إنترناشيونال العالمي» سلبيّة.
ولا يزال البعض يفضل الاستثمار في الأسهم رغم انحسار التقلبات؛ فقد انخفض حجم تقلبات أسواق العملات بشكل ملموس منذ نهاية الربع الثاني من العام الجاري رغم انحسار قيمة اليورو لأدنى مستوياته خلال 11 عاماً، فضلاً عن استقرار سعر اليورو مقابل الين الياباني عند قاعه الأدنى على الإطلاق، مما يعني ضمناً ضرورة الإحجام عن المخاطرة.
وقال مارك مكفارلاند، كبير استراتيجيي الاستثمارات في الخدمات المصرفية الخاصة في بنك «الإمارات دبي الوطني: لا يظهر الدولار الأميركي أي علامات استسلام للمخاوف واحتمالات التعرض للعجز رغم أننا مقبلون على صعود جديد لحد الاقتراض الفدرالي بعد أقل من 6 أشهر.
وأضاف: رغم قوة الدولار الأميركي، واصلت أسعار الطاقة والسلع الزراعية ارتفاعها منذ منتصف يونيو الماضي. وتواصل أدوات الدخل الثابت في الأسواق الناشئة تمديد حجم المخاطر بصورة تدريجية وفقاً لمفهوم الأمد، ولاسيما مع انحسار العائدات على السندات قصيرة الأجل المحتسبة بالعملة الصعبة نتيجة محدودية المعروض.
وانحسر النمو في دول الـبريكس، وبتنا اليوم نشهد بدايات مرحلة انكماش في منطقة اليورو بما يضمن الانسجام مع هبوط نفقات رأس المال. أما المنتجات المهيكلة التي توفر حماية لرأس المال ومستويات عوائد معززة بهدف التعويض عن انخفاض عائدات أسواق المال المنخفضة، فقد باتت تتمتع بتغطية للاكتتاب وتحظى بالتوجهات الصاعدة للسوق.
ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار قرب انتهاء فترة التمويل منخفض القيمة والقائم على سعر الفائدة المعروضة بين البنوك في لندن «ليبور»، ناهيك عن أن ارتفاع أسعار السلع بات يشكل اليوم آخر هموم البنوك المركزيّة.
مجريات الأحداث
وتبرهن مجريات الأحداث في الأسواق العالمية على أن المستثمرين هم أقل قلقاً اليوم حيال مخاطر الارتباط المتبادل التي اعتادوا الريبة بشأنها، وذلك ربما نتيجة انخفاض مستويات الرافعة المالية منذ إعلان إفلاس بنك «ليمان براذرز».
كما أن الاعتقاد بأن أسعار الفائدة ستظل منخفضة لفترة طويلة وتمحور المشاكل الاقتصادية في أوروبا حول مشكلة الأسعار، كلها أمور تجعل الأسواق هشّة وعرضة للمشاكل من ناحية المخاطر السياسية الكليّة، والتي سيكون من الصعب التنبؤ بها.
تعزيز التنويع
ويضيف مكفارلاند: من وجهة النظر التكتيكيّة، لا نزال نرى ضرورةً لتعزيز التنويع وتجنب الأسواق الحساسة للمخاطر عبر الانكشاف على الأسهم التي تتمتع بمعدلات منخفضة لمقياس «بيتا» والرهانات قصيرة الأجل في سوق الدخل الثابت. وعليه نوصي بمواصلة الانكشاف على الأسواق الناشئة عبر الاعتماد على الدولار الأميركي أو الوسائل المتسمة بمعدلات «بيتا» منخفضة.
ويعتبر الانعكاس الذي شهدته السوق نهاية الأسبوع الماضي في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، والهبوط الذي تكبده مؤشر «هانج سنج» لمستوى 600 نقطة، خير دليل على أن موجات الارتفاع تتلاشى بوتيرة سريعة ومفاجئة. كما تسبب قرار جنوب إفريقيا بخفض أسعار الفائدة قبيل تجدد موجات الضعف في هبوط الراند الجنوب إفريقي بواقع 1.5% وتراجع «بورصة جوهانسبرج الماليّة».
عوامل مشجعة
ومن المشجع بطبيعة الحال التزام الأسواق ببذل الجهود لتحقيق الفائدة على المدى الطويل للمستثمرين؛ فبعد هبوط «الروبية الهنديّة» من مستوى 44% مقابل الدولار الأميركي نحو القاع 57 بحلول نهاية يونيو الماضي، وقيام وكالتي «فيتش» و»ستاندرد آند بورز» بوضع نظرتهما حيال ديون الهند المحتسبة بالعملة المحليّة على المشاهدة السلبيّة، أعلنت السلطات الهندية عن تعزيز فرص النفاذ الأجنبي المتاحة إلى سوق السندات والقطاع الحكومي والشركات في البلاد، علماً أن تصنيف الديون المحتسبة بالروبية الهندية على المدى الطويل يستقر حالياً عند حافة «الدرجة الاستثمارية المرغوبة».
