اهتزت منطقة اليورو أمس على وقع إجراءات تقشف جديدة أعلنتها حكومات بعض دول المنطقة. ووحدت نقابات العمال الرئيسية صفوفها ضد اجراءات التقشف المفروضة في انحاء الاتحاد الاوروبي.

 وتأتي هذه الاحتجاجات التي وافقت عليها خمس نقابات عمال رئيسية ضمن حركة اوروبية أوسع للضغط على زعماء دول الاتحاد السبع والعشرين لتبني اجراءات مؤيدة للنمو عندما يلتقون في بروكسل اليوم الخميس في اجتماع قمة يقول المراقبون إنه لن يحقق الأهداف المطلوبة منه.

وأدت الاحتجاجات إلى شل حركة القطارات والمطارات في فرنسا ومعظم أنحاء أوروبا. وفرضت حكومة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ثلاث جولات من اجراءات التقشف في العام الماضي وجمدت الاجور في بعض الادارات العامة لكنها ابتعدت عن اتخاذ اجراءات صارمة طبقت في اماكن اخرى في اوروبا. وقالت النقابات الفرنسية هذا الاسبوع ان هناك نحو 160 مسيرة احتجاج مزمعة في انحاء البلاد.

وفي اليونان أدت الإضرابات العامة إلى تعطل كبير في المستشفيات والكثير من القطاعات الخدمية. ويأتي هذا فيما صادق الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي على منح البرتغال شريحة القروض الرابعة بقيمة 14.6 مليار يورو اي 19 مليار دولار من حزمة الإنقاذ الخاصة بالبرتغال والتي تبلغ قيمتها الإجمالية 78 مليار يورو .

 

إجراءات يونانية

وأقر البرلمان اليوناني سلسلة جديدة من الاقتطاعات بالميزانية طلبتها الجهات الدائنة من اليونان مقابل خطة مساعدة جديدة. واقر اكثر من 202 نائب من اصل 283 شاركوا في التصويت على الاقتطاعات الجديدة بقيمة اجمالية تصل الى 3,2 مليارات يورو للعام 2012، حسب ما اعلن رئيس الجلسة غريغوريس نيوتيس. واوضح ان 80 نائبا صوتوا ضد الاقتطاعات وامتنع نائب واحد عن التصويت.

وتطال هذه الاقتطاعات رواتب المتقاعدين ورواتب رؤساء الهيئات المحلية ودمج برامج عامة للابحاث. وكانت هذه الاقتطاعات الشرط الذي حددته الهيئات الدائنة لحصول اليونان على قرض ثان من 130 مليار يورو يضاف الى الغاء ديون بقيمة 107 مليارات يورو. ويجب ان تدفع اليونان ديونا بحوالي 15 مليار يورو قبل 20 مارس ولكنها عاجزة عن القيام بهذا الامر بدون مساعدة مالية.

وكان مجلس الوزراء اليوناني صادق على المزيد من إجراءات التقشف منها خفض الحد الأدنى للأجور بنسبة 22% وبنسبة 32% لأولئك الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما بشكل سيجعل إجمالي الحد الأدنى للاجور ينخفض من 751 إلى 586 يورو.

وقالت مجموعة الترويكا-الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي-في بيان ، إن برنامج الإنقاذ المالي تمضي حسب المخطط..لكن التحديات لا تزال قائمة. وقال أولي رين مفوض الشؤون الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي، في بروكسل، إن البرتغال تحرز "تقدما ثابتا" نحو استعادة قدراتها المالية والتنافسية.

غير أن البرتغال لا تزال بحاجة إلى المزيد من الإصلاحات في أسواق العمل والإنتاج، كما أنها بحاجة إلى خفض التكاليف على سبيل المثال في صناعة الكهرباء والقطاع الخدمي، حسبما أوضح رين في بيان صحفي. وقال وزير المالية البرتغالي إن بلاده لن تسعى للحصول على مساعدات مالية أخرى أو مزيد من الوقت للوفاء بأهدافها المالية.

غير أنه أوضح أن شركاء لشبونة الدوليين، أبدوا استعدادا للمساعدة في حال الظروف الاستثنائية الخارجة عن السيطرة. وقالت مجموعة الترويكا في بيان ، إن منطقة اليورو "تقف مستعدة لمد يد العون للبرتغال حتى تستعيد قدراتها على العودة للسوق" وأضافت أن هذا الدعم مرتبط بتنفيذ لشبونة "الصارم" لبرنامج الإنقاذ.

 

موازنة اسبانيا

وفي سياق متصل اوضحت المفوضية الاوروبية أنها ليست مستعدة لبحث تخفيف الشروط الخاصة بتقليص حجم العجز في موازنة أسبانيا، وهو ما كان من شأنه إنقاذ الأخيرة من إجراءات تقشفية صارمة وسط حالة من الركود.

وكانت حكومة أسبانيا الجديدة التي تمثل تيار يمين الوسط، أقرت بأن العجز الذي خلفته الحكومة الاشتراكية السابقة في 2011 كان أكبر من 8.5% من إجمالي الناتج المحلي، ما يعني أنه أعلى من المعدل المتفق عليه مع الاتحاد الأوروربي. وقال مفوض الاتحاد الاوروبي للشؤون الاقتصادية ، إن الاتحاد بحاجة لمعلومات كاملة عن أوجه التقصير في الوفاء بالشروط خلال عام 2011 .

وأسباب ذلك التقصير. ونظرا لعجزها عن الوفاء بشرط الاتحاد الاوروبي تقليص العجز إلى 4.4% من إجمالي الناتج المحلي العام الماضي، سيتعين على أسبانيا أن تقر إجراءات تقشفية لتوفير ما يزيد على الأربعين مليار يور وأي 54 مليار دولار بينما يتراجع إجمالي الناتج لديها وترتفع مستويات البطالة لـ 23%.

وأكد أوليفييه بيلي الناطق باسم المفوضية الأوروبية على أن الوعد الذي قطعته أسبانيا أمام شركائها في منطقة اليورو، بتقليص العجز كان واضحا للغاية.

 

عامل الوقت يكبل جهود وقف وباء الديون الأوروبية

 

 

قال محللون إن الجدول الزمني الضيق يلعب دوراً حاسماً في تكبيل الجهود الأوروبية الرامية لوقف انتشار وباء الديون. وسيحاول القادة الاوروبيون طي صفحة ازمة الدين خلال قمتهم المنتظرة اليوم الخميس لكن سيكون عليهم ارجاء تعزيز إجراءاتهم الوقائية التي يطالبهم بها العالم بإلحاح.

ويلتقي رؤساء دول وحكومات الاتحاد الاوروبي الـ27 في بروكسل. وعلى جدول الاعمال توقيع المعاهدة الجديدة لضبط الموازنة ونقاشات حول النمو والتعيين المحتمل لهرمان فان رومبوي رئيسا لمنطقة اليورو، اضافة الى اعادة انتخابه على رأس الاتحاد الاوروبي. إلا ان تعزيز الإجراءات الوقائية لمنطقة اليورو، فسيتم التطرق اليها على هامش القمة بما ان قادة منطقة اليورو الـ17 اضطروا الى الغاء قمة مصغرة كان من المقرر عقدها غداً الجمعة.

وصرح مسؤول حكومي اوروبي ان "الالمان غير مستعدين" للقبول اعتبارا من الآن بتعزيز صندوق انقاذ منطقة اليورو للدول التي تواجه صعوبات مالية. وترغب منطقة اليورو باستثناء المانيا في التنسيق بين امكانات صندوق الإنقاذ المؤقت على منح القروض وصندوق الاستقرار المالي وامكانات آلية جديدة دائمة (500 مليار يورو نظريا).

الهدف هو الحصول على قدرات بقيمة 750 مليار يورو تماما كما تطالب الولايات المتحدة ومجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي. لكن برلين تقول انها تريد حاليا تحديدها بـ500 مليار يورو بسبب تراجع حدة ازمة الديون منذ نهاية 2011. وتريد المستشارة الالمانية انغيلا ميركل بذلك طمأنة الرأي العام الالماني وحزبها.

ومنطقة اليورو التي تدرك هذه الرهانات مستعدة لأن تمنح المانيا بعض الوقت بصفتها اول مساهم في آليات الدعم. لكن الجدول الزمني ضيق لأن جهود صندوق النقد الدولي رهن بقرار تعزيز الاجراءات الوقائية لمساعدة منطقة اليورو.

وسيتخذ صندوق النقد قرارا بشأن شقين في الاسابيع المقبلة: مساهمته في خطة المساعدة الثانية لليونان (منتصف مارس) وزيادة موارده لمساعدة لاحقا منطقة اليورو (منتصف ابريل). والعملية الاخيرة ستتم عبر مساهمة دول مجموعة العشرين. وعقد قمة خاصة لمنطقة اليورو غير مستبعد خلال مارس حول الإجراءات الوقائية.

وستكون ازمة الديون على جدول أعمال القمة. ويجتمع وزراء مال منطقة اليورو لدرس اول الاصلاحات التي طالبت بها اليونان قبل تقديم اي مساعدة جديدة وعملية شطب الديون.

وقد تشارك اسبانيا أيضا في هذه القمة لمواجهة عجز عام في 2011 اكبر من الهدف الاصلي. وستطلب مدريد من شركائها "مرونة اكبر" في أهداف خفض العجز وتأمل في "العودة بهدف جديد للعجز لعام 2012" بحسب مصدر اوروبي. واضافة الى ذلك سيتخلل القمة الاوروبية الجمعة التوقيع الرسمي لمعاهدة ضبط الموازنة التي ستفرض قواعد ذهبية.

وقد يبدأ تطبيق معاهدة الموازنة فور مصادقة 12 دولة من الدول الـ25 المعنية عليها لكن ذلك سيكون ضروريا لمنح دولة في منطقة اليورو مساعدات. وتنص المعاهدة على عقد قمتين خاصتين بمنطقة اليورو على الاقل سنويا بإشراف الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي فان رومبوي.