أدت السياسة النقدية الحذرة التي تتبعها الصين إلى رفع درجة المخاطرة في الاستثمارات. واتجه العالم منذ الأزمة المالية في 2008 لمتابعة الصي،ن لأن صحة اقتصاد الصين وهي أحد أقوى الاقتصادات في العالم ذات أهمية أساسية لدفع تعافي الاقتصاد العالمي.
ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني ما بين معدل 7.5% و8% في 2012، وهو معدل أعلى بقليل من متوسط معدل نمو الاقتصادات الناشئة والبالغ 6%، ولكنه في الوقت ذاته أقل من متوسط معدل النمو الذي سجله الاقتصاد الصيني خلال السنوات العشر الماضية.
وتهدف الصين حالياً إلى تفادي التباطؤ أو "الهبوط الصعب"، ولتحقيق هذا الهدف يتوجب على صناع القرار في الصين استخدام الأدوات والسياسات الاقتصادية بحذر. فقد شهدت الصين واقتصادات دول أخرى نمواً قوياً بعد التباطؤ الناتج عن أزمة عام 2009، ويعود الفضل إلى التدفقات المالية التي وفرتها المحفزات الحكومية حول العالم.
ارتفاع التضخم
وعانت أغلب الدول خلال عام 2010 من ارتفاع معدلات تضخم وتراكم الفقاعات الاقتصادية، مما دعا البنوك المركزية في هذه الدول إلى التحرك. وفي عام 2011، أصبحت القيود على السيولة المصرفية أكثر تشدداً، وتم رفع معدلات الفائدة ليصبح الاقتراض أكثر كلفة، كما يبين الرسم البياني المرفق.
ومنذ ذلك الحين إلى الآن، مرّ عام كامل على هذا النشاط الاقتصادي المحدود الذي دعم انخفاض مستوى التضخم بشكل كبير. وقد عادت الكثير من الدول إلى تخفيف سياساتها النقدية في محاولة لتشجيع نمو اقتصاداتها، إلا أن الصين تسلك طريقاً مختلفاً عبر التخفيف التدريجي من سياستها النقدية، دون التخفيف بشكل مباشر.
تخفيف القيود
وبدأ البنك المركزي الصيني بالفعل بتخفيف القيود الائتمانية على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم إلى جانب خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي مرتين بمقدار 50 نقطة أساس، لتصل إلى المعدل الحالي البالغ 20.5% للبنوك الكبيرة و18.5% للبنوك الصغيرة والمتوسطة الحجم.
وتريد الحكومة الصينية أن تحافظ على نمو اقتصادي قوي ومستقر، لكنها لا تزال قلقة بشأن التضخم العالي وأسعار العقار المتزايدة. ولهذا ستكون سياستها النقدية الحالية "حذرة" بدلاً من أن تكون سياسة مندفعة تعتمد على تخفيض أسعار الفوائد.
صقل تدريجي
وقالت فاطمة عكاشة المحللة الاقتصادية في الشركة الكويتية الصينية الاستثمارية المتخصصة في استثمارات الأسواق الآسيوية الناشئة: بالرغم من أن البنك المركزي الصيني بدأ فعلاً بالصقل التدريجي لسياسته النقدية، إلا أن الاقتصاديين والمحللين ما زالوا قلقين من أن عملية التخفيف الصينية لن تكون كافية. ويقوم هؤلاء المحللون بالتأثير على السوق بمحاولة استباق توقيت وعمق التغييرات التي ستقوم بها الصين على القوانين وأسعار الفائدة.
وكان ثاني تخفيضات معدل الاحتياطي الإلزامي متوقعاً قبل بداية العام الصيني الجديد في 23 يناير الماضي، إلا أن عدم قيام الصين باعتماد التخفيض خلال هذه الفترة قد أثر سلباً على الأسواق، ولكنها عادت للارتفاع بعد الإعلان عن التخفيض في 18 فبراير.
وتدعم التخفيضات في معدل الاحتياطي الإلزامي التحسن في الأوضاع المالية في الاقتصاد، وخصوصاً للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تشكل بدورها جزءاً كبيراً من القطاع التجاري في الصين. فبتخفيض معدل الاحتياطي الإلزامي، يزيد عرض الأموال لدى البنوك، مما يخفض من أسعار الفائدة على الأموال التي تقترضها الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، ويساعدها بالتالي على النمو.
ومن غير المرجح أن تخفض بكين من أسعار الفائدة في الوقت القريب، أو أن تضع حزمة تحفيزية كما فعلت في عام 2008 عندما قامت بضخ أربعة ترليونات يوان في أسواقها، إلا أنها ستحاول أن تدعم اقتصادها المحلي وتقلل من الاعتماد على التصدير لتحافظ على نمو منتظم معتمد على الاستهلاك. وفي الوقت الحالي، بينما تنمو القوة الشرائية الصينية بثبات، تعمل الحكومة الصينية على تخفيض تكلفة الخدمات الصحية وتوفير السكن للفقراء.
