انطلقت أمس في الشارقة، فعاليات مؤتمر «يورومني الإمارات: الشارقة 2017»، بمشاركة 35 متحدثاً من صانعي السياسات الاقتصادية، والاستراتيجيين المتخصصين في قطاعات التمويل والاستثمار والتشريعات المالية، ومديري محافظ الاستثمار من القطاعين العام والخاص من الإمارات وعدد من دول العالم، وبحضور أكثر من 350 متخصصاً في الاقتصاد والاستراتيجية والابتكار. ويركز المشاركون على رسم ملامح ثورة الاقتصاد الرقمي.
وعقد مؤتمر «يورومني الإمارات: الشارقة 2017»، برعاية كريمة من سمو الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي، ولي العهد نائب حاكم الشارقة، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة الشارقة، وحضور الشيخ خالد بن عصام القاسمي، رئيس دائرة الطيران المدني بالشارقة، وينظم المؤتمر مكتب الشارقة للاستثمار الأجنبي المباشر (استثمر في الشارقة)، بالتعاون مع مؤسسة «يوروموني كونفرنسز» ذراع الفعاليات التابعة لمؤسسة «يوروموني» البريطانية، التي تمثل مصدراً عالمياً موثوقاً لأحدث البيانات والتحليلات الاقتصادية والاستثمارية.
مناخات التغيير
وقال يونس حاجي الخوري، وكيل وزارة المالية، في كلمة ألقاها في مستهل المؤتمر، بالنيابة عن معالي عبيد حميد الطائر، وزير الدولة للشؤون المالية: شهد العقدان الماضيان تطورات تكنولوجية متسارعة، مكنت القطاع الخاص من اقتناص الفرص والتغلّب على القطاع العام الذي تأخر بدوره عن ركب التطور التكنولوجي في العديد من البلدان، نظراً للركود الذي خيّم على هيكلته الحكومية والبيروقراطية، ما خلق حالة من الإرباك أدت إلى اختفاء شركات عملاقة وبروز شركات أخرى جديدة محلّها تتمتّع بنماذج اكثر اختلافاً عن سابقاتها، وربما يدلل على ذلك تغلّب شركة تيسلا حديثة العهد على شركة فورد العملاقة، والأمر ذاته على عدد من الشركات الكبرى الأخرى.
وتابع: في مجال التكنولوجيا الحديثة أصبح للتعاملات المالية أبعاد أخرى، للدرجة التي قد تلغي معها الحاجة إلى البنوك والوسطاء الماليين، ما يؤدي إلى اختفاء ملايين الوظائف حول العالم ونشوء أخرى تتماشى مع الواقع الجديد، لذا يمكن اعتبار أن النماذج الاقتصادية التقليدية لم يعد لها أي مكان في واقعنا الراهن، ومن هذا المنطلق اتخذت دولة الإمارات سلسلة من إجراءات التطوير على البيئتين التشريعية والمؤسساتية لتنسجم مع هذا المناخ، إضافة إلى حزمة من المبادرات التي تخدم هذا التوجّه.
ثورة مالية
من جانبه، قال مروان جاسم السركال، المدير التنفيذي لهيئة التطوير والاستثمار (شروق) إننا نعيش حالياً بدايات ثورة مالية في العالم، يتوقع لها أن تمتد تداعياتها للسنوات العشر او الـ15 المقبلة، فقد تغير شكل النقود والأموال المتداولة، وسنصل قريباً إلى الوقت الذي يتوقف فيه المستهلكون عن حمل أموال حقيقية للدفع مقابل ما يشترونه، وعلينا اليوم أن نبدأ في تخيل عالم من دون نقود.
وأضاف: «أصبحنا نعيش في عالم رقمي، حيث بدأ المستهلكون من الفئة العمرية بين 15 و25 عاماً، وهم من يطلق عليهم (الجيل Z) يفقدون الصلة مع النقود الحقيقية، وبدأ هذا التوجه يشيع كذلك بين الأجيال الأكبر عمراً، ويعود الفضل في ذلك إلى سوق الدفع الإلكتروني عن طريق الهواتف الذكية، والذي سيتجاوز حجمه 500 مليار دولار بنهاية العام الجاري، وذلك طبقا للمنتدى الاقتصادي العالمي، وهو ما يعكس آفاق النمو التي يحظى بها هذا السوق، وضخامة الاستثمارات الحالية في قطاع تقنية المعلومات والخدمات الرقمية.
وأوضح المدير التنفيذي لـ (شروق): يؤكد خبراء الخدمات المالية على أن تقنية»بلوك تشين«في طريقها لإحداث تغييرات جذرية في صناعة الخدمات المالية في دول مجلس التعاون الخليجي، وأن هذه التقنية ستكون مسؤولة عن معاملات مالية تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار (367 مليار درهم) في المنطقة، ونحو 19 مليار دولار (70 مليار درهم) في دولة الإمارات، وذلك لما تتمتع به من مميزات في توفير الوقت وتخفيض الكلفة.
وقال: بدأت عملة»بيتكوين«الإلكترونية كذلك تهيمن على المعاملات المالية حول العالم منذ العام 2008، وباتت تهدد مكانة المعاملات النقدية التقليدية، ويشير تقرير نشر في مؤتمر عقدته جامعة ستانفورد الأميركية إلى انه بنهاية الربع الثاني من العام الجاري سيكون هناك نحو 16.3 مليون عملة بيتكوين متداولة في الأسواق، تبلغ قيمة كل منها 1300 دولار، بما يصل بالقيمة المتداولة من هذه العملة إلى 21.5 مليار دولار، وهو ما يعادل القيمة السوقية لشركة»أميركان أيرلاينز«.
وأشار ريتشارد بانكس، مستشار التحرير في»يوروموني كونفرنسز«إلى أن إمارة الشارقة تتمتع بمناخ اقتصادي فريد من نوعه، لما تحظى به من مقومات تسمح لها بأن تكون واجهة لمختلف الأعمال وأكثرها نشاطاً، لا سيما تلك المتعلقة بالاقتصاد المبتكر، وذلك بفضل حزمة الخطط والاستراتيجيات الموضوعة لتشجيع المناخات الاقتصادية والاستثمارية، التي تستشرف مستقبلاً اقتصادياً أكثر وضوحاً.
نحو اقتصاد مبتكر
وركزت الجلسة النقاشية الأولى ضمن فعاليات اليوم الأول من مؤتمر»يورومني الإمارات: الشارقة 2017«، التي حملت عنوان»أساسيات الاقتصاد الكلي للتحول نحو اقتصاد مبتكر«على عدد من المحاور، منها الاتجاهات الجديدة للاقتصاد العالمي، وما إذا كان يتجه نحو الاستغناء عن العولمة، وعلاقة النمو المستدام في الناتج المحلي بالنمو في سوق العمل والإنتاجية، وأهمية الاتجاهات الاقتصادية العالمية لدولة الإمارات، وهل تناسب استراتيجياتها الاقتصادية احتياجات المستقبل، ومفهوم الاقتصاد المبتكر، وحظوظ دولة الإمارات منه، والمجالات التي ستشهد تحولاً بفضل اعتماد التقنيات الجديدة، والواقع الجديد لسوق الطاقة العالمي.
شارك في الجلسة التي أدارها ريتشارد بانكس، كل من حسين المحمودي، الرئيس التنفيذي لشركة الأعمال التجارية للجامعة الأميركية في الشارقة، وطارق فضل الله، المدير الإداري والرئيس التنفيذي لشركة»نومورا«لإدارة الأصول، والدكتورة ماجدة قنديل، كبير الاقتصاديين ورئيس دائرة البحوث الاقتصادية في مصرف الإمارات المركزي، وتوم كوكزوارا، مدير مكتب إدارة الدين العام بدائرة المالية المركزية في حكومة الشارقة، وعلياء مبيض، مديرة الاقتصاد المناطقي، بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
وفي هذا الصدد، قال حسين المحمودي: نشهد في دولة الإمارات مزيجاً من الترابط والتكامل في المشاريع الاقتصادية التي تتوجّه في صبغتها نحو الابتكار والأطروحات العلمية المتقدمة كمشاريع مبتكرة، وتمضي إمارة الشارقة في مناخ الابتكار بخطى واثقة، في عدد من القطاعات الاقتصادية، مثل التعليم والإعلام، وأدعو دولنا الخليجية إلى الاهتمام بالابتكار، لدوره في تعزيز مكانة الاقتصاد الخليجي، وما له من آثار على دولنا التي تربطها وشائج هامة وأساسية.ر
تجربة العربية للطيران
وتخلل فعاليات اليوم الأول من المؤتمر، حوار أجراه محمد خربوش مدير المؤتمر، مع عادل علي الرئيس التنفيذي لمجموعة العربية للطيران، والذي أكد خلاله على أن العربية للطيران رغبت في تقديم نموذج أعمال مختلف في المنطقة منذ 15 عاماً، وأن هذا النموذج حقق نجاحاً، بفضل الدعم الحكومي الذي يوفره مناخ الأعمال في دولة الإمارات وفي إمارة الشارقة، الذي منح الفرصة لشركات أخرى للنمو والتوسع.
وأكد علي: صناعة الطيران من أكثر الصناعات اعتماداً على الابتكار، وبالنظر إلى ما كانت عليه الطائرات قبل عدة سنوات من حيث معدلات حرقها للوقود أو مستوى الضجيج الذي تحدثه، يمكن فهم إلى أين قاد الابتكار الصناعة، وذلك فضلاً عن ما وفرته التقنيات الحديثة من سهولة في استخدام خدمات الطيران، حيث أصبح الأمر لا يتطلب أكثر من استخدام الهاتف الذكي لبضع دقائق لإجراء كافة ترتيبات السفر، وهو ما ساهم في توفير نفقات ووقت سواء لشركات الطيران والمطارات و المسافرين، ويدلل على ذلك عدد المسافرين الذين بات يخدمهم مطار الشارقة، والذين وصل عددهم إلى 11 مليوناً مقابل 300 ألف مسافر قبل 15 عاماً.
من جانبه، قال خالد الحريمل، الرئيس التنفيذي لشركة الشارقة للبيئة»بيئة«: نجحت إمارة الشارقة من خلال»بيئة«في التخلي عن ردم 70% من نفاياتها، بفضل ابتكارات مكنتها من فرز وتنقية النفايات، والتعامل مع 9000 إطار من النفايات يومياً، ومعالجة النفايات الطبية، وأصبح لدى بيئة شبكة لجمع النفايات تغطي الإمارة، في الوقت الذي بدأت فيه»بيئة«بالعمل مع العديد من المؤسسات في إمارات الدولة لفرز النفايات مثل برج خليفة، ومركز دبي للمعارض، ونسعى في هذا الصدد إلى أن تكون الشارقة رائدة في الاستدامة البيئية.
وأضاف: نجحنا في تشغيل مصنع لإنتاج 300 ميجاوات من الطاقة المنتجة باستخدام النفايات، فيما ننظر حالياً إلى التوسع عبر ذات الابتكار في المناطق الشمالية.
«شمس».. تحول في مفهوم المدن الحرة
أكد الدكتور خالد عمر المدفع، رئيس مدينة الشارقة للإعلام، «شمس»، أن إمارة الشارقة تتطلع إلى أن تكون مناطقها الحرة الأفضل على مستوى المنطقة والعالم، بما يتماشى مع رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، من خلال استقطاب الشركات الرائدة والأفراد الموهوبين، للاستفادة من البيئة المتميزة في الإمارة، للمساهمة في تعزيز مسيرة التنمية المستدامة.
جاء ذلك خلال مشاركته، يوم أمس في الجلسة الحوارية «أسس الاقتصاد المبتكر: مستقبل المناطق الحرة»، التي أقيمت ضمن أعمال مؤتمر «يوروموني الإمارات: الشارقة 2017». وأشار المدفع إلى أن مدينة الشارقة للإعلام، «شمس»، تشكل تحولاً في مفهوم المدن الحرة بشكلها القديم المتعارف عليه، لتمثل نموذجاً للمدن الحرة الذكية، التي تقدم خدمات متكاملة، على مدار الساعة، وطوال أيام الأسبوع، من خلال أنظمة ذكية، في جميع تعاملاتها الداخلية والخارجية، للتسهيل على المتعاملين من الأفراد والمؤسسات، وتعزيز جاذبية إمارة الشارقة باعتبارها بيئة ملائمة لقطاعات الأعمال المختلفة.
وقال: «تعتمد مدينة الشارقة للإعلام (شمس) على مفاهيم جديدة في العمل، من حيث السرعة، والأداء، والتعامل، بحيث تتجاوز كونها منطقة حرة، لتصبح مدينة متكاملة، تستقطب الإعلاميين الموهوبين، والشركات الإعلامية، والمؤسسات العاملة في جميع المجالات المرتبطة بالعمل الإعلامي، وتستند في علاقتها مع هذه الجهات على مبدأ الشراكة والتفاعل لتحقيق التميز والنجاح».
