مسؤولون وخبراء: توجه حكومي نحو إيجاد كيانات عملاقة

اندماج«آيبيك» و«مبادلة» يدشّن عصر ما بعد النفط

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

رجّح مسؤولون مصرفيون وخبراء اقتصاديون وماليون مجيء قرار دمج شركتي الاستثمارات البترولية الدولية «آيبيك» ومبادلة للتنمية «مبادلة» في إطار توجه حكومي شامل نحو إيجاد كيانات عملاقة في كافة القطاعات الاقتصادية يؤكد أن دولة الإمارات دخلت مرحلة جديدة من النضج الاقتصادي ستكون الكيانات الاقتصادية العملاقة لاعباً أساسياً فيها لرفع القدرة التنافسية للاقتصاد الإماراتي إقليمياً وعالمياً.

وتوقعوا أن تشهد الفترة المقبلة عدداً من عمليات الاندماج الكبرى الأخرى محلياً في إطار استراتيجية «الإمارات ما بعد النفط» ضمن المبادرات التي من شأنها تنويع الاقتصاد الوطني وتحقيق توازن بين قطاعاته وبما يضمن حسن وكفاءة إدارة الموارد للأجيال القادمة، مشيرين إلى استراتيجية ما بعد النفط ستعمل على تطوير كفاءة وإنتاجية القطاعات الاقتصادية الحالية والتمهيد لإضافة قطاعات جديدة بما يضمن تحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني وتعزيز تنافسيته ونموه المستدام بالإضافة إلى الارتقاء بأدائه وفق أعلى المعايير العالمية.

توقيت

وقال صالح عمر عبد الله مدير معهد الإمارات للدراسات المصرفية والمالية في أبوظبي، إن قرار دمج شركتي «آيبيك» و«مبادلة» جاء في توقيت مناسب في إطار الرؤية الاستراتيجية للقيادة الرشيدة الهادفة إلى بناء اقتصاد مستدام والدخول إلى قطاعات صناعية جديدة متنوعة وكبيرة ومواصلة التقدم نحو احتلال المراكز الأولى على المستوى العالمي في العديد من القطاعات الصناعية الحيوية المهمة.

وأشار إلى أن اندماج الشركات والكيانات الاقتصادية من شأنه تخفيف تكاليف الإنتاج والخدمات وزيادة القدرات المالية والكفاءة وتحسين نوعية الإنتاج والخدمات المقدمة وزيادة القدرات التنافسية والقدرة على الحصول على التمويل من المؤسسات المصرفية العالمية بشروط مواتية.

وأكد أن الاندماج خيار استراتيجي نحو التكتل والتحالف لإيجاد كيانات جديدة وعملاقة ذات تقدم تقني ورأسمالي وتكنولوجي يمكنه استغلال حدة المنافسة العالمية لصالحه ويكون له القدرة على تحقيق الأهداف التي لا تستطيع أن تحققها كل شركة بمفردها وهو الطريق الأمثل لتحقيق العديد من الإيجابيات.

وقال صالح عمر عبد الله إن الكيان الجديد الذي سينتج عن الاندماج الجديد سيقوم بالبناء على النجاحات التي حققتها كل من «آيبيك» و«مبادلة»، مشيراً إلى أن هذا الاندماج الجديد يعد خطوة مهمة نحو تحقيق رؤية القيادة الرشيدة في بناء اقتصاد متنوع ومستدام.

تنافسية

وأكد ناصر السويدي رئيس مجلس إدارة بانميد للطاقة أهمية هذه الخطوة، مشيراً إلى أن الاقتصاد الوطني بحاجة لمثل هذه المبادرات الخلاقة ولمثل هذه النوعية من الشركات العملاقة الناجحة التي تدعم التميز والتنافسية، مشيراً إلى أن الإمارات تأتي في مقدمة الدول العربية من حيث استقطابها للاستثمارات الخارجية المباشرة في صفقات الاستحواذات وتنفيذ عمليات اندماج كبرى.

وقال إن كل المؤشرات تدل على أن عملية الاندماج ستتم بنجاح، مؤكداً أن هذه الخطوة تبرهن مجدداً على أن الإمارات سباقة دائماً لاتخاذ الخطوات الجريئة لتقوية اقتصادها بقطاعاته المختلفة والتي تكون مثالاً يحتذى، حيث إن اندماج شركتي «الاستثمارات البترولية الدولية» و«مبادلة للتنمية» المؤسستين العريقتين والأكثر شهرة في الإمارات سينتج عنه قيام كيان استثماري عملاق على مستوى منطقة الشرق الأوسط كما سيعزز هذا الاندماج من مكانة الإمارات كمركز تجاري ومالي عالمي.

وأضاف أن عملية الاندماج المرتقبة ستوفر فرصة فريدة من نوعها لإقامة كيان استثماري قادر على الاستفادة من الفرص التي ستدعم رؤيته من أجل التوسع المستقبلي.

وتابع أن الاندماج يسهم في رفع مستوى الإنتاجية المصرفية والاعتماد على موارد بشرية محترفة، موضحاً أنه من أهم الوسائل في العصر الراهن لإعادة الهيكلة في ظل العولمة واشتداد المنافسة المحلية والدولية والاندماج عادة ما يؤدي إلى تحقيق الكفاءة الاقتصادية للمنشآت المندمجة نتيجة خفض التكاليف بسبب الاستغناء عن العمليات المتكررة والاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير وبالتالي القدرة على خدمة قاعدة كبيرة من العملاء وتوفير احتياجات تمويل المشاريع العملاقة واستيعاب التطورات التقنية والتشغيلية لزيادة الإنتاجية وبالتالي مواكبة الصناعات والتكيف مع مستجدات الأسواق المالية الدولية والتقنية الحديثة التي تنوع من خلال خدماتها وترفع قدرتها على المنافسة.

ريادة

من جانبه قال رضا مسلم مدير عام شركة «تروث» للاستشارات الاقتصادية، إن دولة الإمارات رائدة في تنفيذ عمليات الاندماج الناجحة وأصبح لديها سجل حافل في هذا المجال، مشيراً إلى أن السنوات الأخيرة شهدت سلسلة من عمليات الاندماج العملاقة كان أبرزها اندماج بنك الإمارات دبي الوطني الذي أدى إلى إطلاق كيان مصرفي عملاق إقليمياً ودولياً وتوحيد أعمال شركتي الإمارات للألمنيوم (إيمال) ودبي للألمنيوم (دوبال) تحت «شركة الإمارات العالمية للألمنيوم» في خطوة استهدفت تعزيز النمو المحلي والتوسع العالمي لأعمال كل من «إيمال» و«دوبال»، بالإضافة إلى اندماج شركة «الدار العقارية» و«صروح العقارية» في صفقة صنفت بين أكبر صفقات الاندماج بين شركات مدرجة في الشرق الأوسط.

وأضاف أنه من عمليات الاندماج المهمة كذلك التي تمت بشكل ناجح في السنوات الأخيرة دمج مصرف الإمارات الصناعي مع المصرف العقاري الذي نجم عنه كيان عملاق هو مصرف الإمارات للتنمية.

وتوقع مسلم أن يشهد العام الحالي والعام المقبل الإعلان عن سلسلة أخرى من صفقات الاندماج والاستحواذات بأحجام مختلفة متوسطة وكبيرة، مشيراً إلى أنه من الواضح أن هناك توجهاً حكومياً لتكبير حجم المؤسسات الاستثمارية التي تسهم فيها الجهات الحكومية بهدف تعظيم عوائد هذه الاستثمارات وزيادة مساهمتها في تمويل خطط التنمية وتعويض الانخفاض في الإيرادات النفطية.

مزايا

وأكد حمد العوضي عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة أبوظبي وجود مزايا كبيرة لاندماج شركتي مبادلة وشركة الاستثمارات البترولية «آيبيك»، مشيراً إلى أن هذا الاندماج سيخلق كياناً اقتصادياً ذا ثقل عالمي يستطيع المنافسة في الأسواق العالمية بقوة.

ونوه بأن شركة مبادلة أو آيبيك قد تكونان من الشركات العملاقة محلياً لكنهما قد لا يكونان كذلك عالمياً ولذلك فإن اندماج هذين الكيانين في كيان واحد سيعضد من قوته عالمياً، وبالتالي سينافس هذا الكيان شركات عالمية أخرى مثل شل وبي بي البريطانية وأوكسيدنتال بتروليوم الأميركية وغيرها.

وأوضح أن هذا الاندماج تفرضه رؤية أبوظبي 2030 وكذلك التحديات المستقبلية الكبرى التي تواجهها إمارة أبوظبي ودولة الإمارات، إضافة إلى رغبة حكومة أبوظبي القوية في خلق كيان اقتصادي قوي يواجه التحديات والصعوبات الاقتصادية والإدارية والتجارية الدولية والمحلية.

وذكر أن الاندماج سيحقق فوائد كثيرة أبرزها توفير النفقات المالية واستغلال أمثل للموارد البشرية والمادية، إضافة إلى توحيد الاستثمارات لهذين الكيانين بما يؤدي إلى الاستحواذ على شركات أو مؤسسات أخرى عالمياً.

وألمح إلى أن هذا الاندماج يصب في رؤية حكومة أبوظبي وحكومة الإمارات لتقليل الاعتماد على النفط والبحث عن مصادر أخرى للدخل، وبلا شك فإن كلاً من مبادلة وآيبيك لديهما استثمارات كبرى في قطاعات الطاقة والنفط والصحة والعقار والبنية التحتية، وبالتالي فإن الاندماج هنا سيعمل على تبادل الخبرات في الشركات والوحدات الفرعية المتخصصة بين الشركتين الأم، وسيؤدي في وقت لاحق لاندماج الوحدات الفرعية المتشابهة في قطاع الاستثمار الخارجي أو الطاقة أو العقار أو الصحة، وستعمل هذه الوحدات الفرعية تحت مظلة الكيان الاقتصادي الأكبر وضمن منظومة اقتصادية متكاملة.

ونوه بالنجاح الكبير لتجربة اندماج شركتي دبي للألومنيوم المحدودة «دوبال» مع شركة الإمارات للألومنيوم «إيمال» في شركة الإمارات العالمية للألومنيوم وشركتي الدار وصروح، لافتاً إلى أن الضرورة تقتضي الإسراع في اندماج كبريات البنوك العاملة في أبوظبي والإمارات لتقوية رؤوس أموالها وتجنيبها لأية مخاطر متوقعة.

أذرع استثمارية

ورأى وضاح الطه عضو المجلس الوطني الاستشاري لمعهد الاستثمارات والأوراق المالية البريطاني، أن شركتي آيبيك ومبادلة من الشركات السيادية الكبرى لإمارة أبوظبي وتمثلان أذرع استثمارية قوية وفعالة للإمارة، ويشير إلى أن اندماج الشركتين في كيان اقتصادي عملاق واحد سيؤدي إلى زيادة القدرة التشغيلية للشركتين إضافة إلى تقوية ذراعها الاستثمارية خاصة خارج الدولة في قطاع النفط والطاقة والذي يشهد ازدهاراً كبيراً خاصة وأن للشركتين استثمارات ضخمة في هذا القطاع داخل وخارج الدولة كما أن عملهما خاصة في قطاع النفط والغاز يكاد يكون متشابهاً.

وذكر أن اندماج آيبيك ومبادلة سيلغي الأنشطة المتكررة لكل منهما إضافة إلى خلق عائد أكبر لأصول الشركتين، كما أن هذا الاندماج سيقوي من قدرة الكيان الجديد على استهداف استثمارات أكبر في مشاريع مختلفة في العالم، أو الاستحواذ على شركات أخرى فضلاً عن أنه يزيد من القيمة السوقية للشركتين في الأسواق الدولية.

هدفان

ولفت وضاح الطه إلى أن اندماج الشركتين في كيان واحد سيحقق على المدى البعيد هدفين رئيسين أولهما استهداف استثمارات نوعية ستؤدي إلى تحقيق عوائد مجزية أكبر خاصة في قطاع النفط والغاز، خاصة وأن للشركتين خبرة واسعة في هذا القطاع بدءاً من مراحل التصنيع والاستكشاف والإنتاج والتوزيع والتسويق، أما الهدف الثاني فيتمثل في أن هذا الإندماج سيعمل بشكل كبير على تنويع الاقتصاد المحلي ويعطيه دفعة قوية للأمام خاصة وأن هذين العملاقين لديهما شركات متخصصة في الصناعة والعقار والصحة والبنية التحتية وغيرها، كما أن هذا الا ندماج سيخلق وظائف جديدة ولن يقلص الوظائف الحالية،وبلا شك سيتيح فرصة أكبر لتوطين نسبة كبيرة من الوظائف في الكيان الجديد خاصة على صعيد الاستثمارات المحلية.

تحديات

وأكد مسعود العور الخبير الاقتصادي رئيس العمليات التجارية في دبي للعقارات على أن أبرز الأسباب التي تدفع الشركات الكبرى للاندماج هي التحديات المستقبلية الكبرى التي تواجهها والرغبة في خلق كيان اقتصادي قوي يواجه التحديات والصعوبات الاقتصادية والإدارية والتجارية الدولية والمحلية.

وذكر أنه عايش عملية الاندماج بين شركتي الدار وصروح واكتشف الفوائد الجمة التي حققها هذا الاندماج وأدى إلى تقليص مديونية الشركة بشكل كبير ودفعها بقوة لطرح مشاريع عقارية عملاقة لبت الطلب المتزايد في أبوظبي على العقارات وأصبحت اليوم شركة الدار العقارية في وضع آمن ومن أكبر الشركات العملاقة في الدولة التي تتمتع بملاءة مالية قوية.

ونوه بأن لدى دولة الإمارات تجارب متميزة في الاندماج في قطاعات أخرى غير القطاع العقاري أبرزها قطاع التصنيع ولدينا اندماج شركة دبي للألمنيوم المحدودة «دوبال» مع شركة الإمارات للألمنيوم «إيمال» في شركة الإمارات العالمية للألمنيوم، وبلا شك فإن هذه الشركة تعد اليوم من كبريات شركات الألمنيوم في العالم ومنتجاتها تصل إلى أكثر من 50 دولة بفضل اندماجهما، وهنا فإن الاندماج يفتح أسواقاً تصديرية جديدة أمام الكيان الجديد.

ورأى أن تراجع سعر النفط ليس السبب في اندماج آيبيك ومبادلة، مشيراً إلى أن تشابه عمل الشركتين ورغبة حكومة أبوظبي في خلق كيان اقتصادي سيادي ضخم هو السبب وراء هذا الاندماج .

Email