مرونة إقتصادها تضمن تجاوز الأزمات

أحمد الشيخ: ميزة دبي التنافسية مستدامة

د. أحمد الشيخ وعلى يساره د. عبد الرزاق الفارس من المصدر

ت + ت - الحجم الطبيعي

أقامت جماعة الكتاب بندوة الثقافة والعلوم أول من أمس جلسة حوارية لمناقشة كتاب (ميزة دبي التنافسية) للباحث الإماراتي الدكتور أحمد بن حسن الشيخ، وهذا الكتاب عبارة عن رسالة أكاديمية قدمها الباحث إلى جامعة كوفنتري ببريطانيا ونال عنها درجة الدكتوراه. وأدار الجلسة الدكتور عبدالرزاق الفارس عضو اللجنة الثقافية بالندوة.

وأكد الباحث انه اختار هذا العنوان لرسالته، رغم بدء الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وقال: كان ذلك تحدياً لي شخصياً بين موافقة الواقع ومسمى البحث، ولكن كانت قناعتي كاملة بأن اقتصاد دبي فيه من المرونة ما سيوفر له المضي قدماً رغم الأزمة العالمية وأن ما تم بناؤه في الماضي سيكون عاملاً قوياً ومساعداً لتخطي عام 2008.

التنافسية اليوم

ويبدأ البحث بتعريف التنافسية قائلاً: يعد مفهوم التنافسية من أهم المفاهيم المتداولة في عصرنا الحاضر، خاصة في القضايا الاقتصادية لعالمنا المعاصر. وللتبسيط، فإنه يعني قدرة دولة ما على إنتاج سلع وخدمات تلبي متطلبات الأسواق العالمية (في ظل ظروف أسواق حرة ونزيهة) وفي نفس الوقت تحقيق معدلات نمو متواصلة في متوسط دخل الفرد على فترات طويلة.

وهذا المفهوم يقودنا الى أن تنافسية الدول أصبحت في بيئة عالمية، ونتيجتها تصب في النماء أو الازدهار الاقتصادي لهذه الدولة، والذي بدوره يزيد من الدخل الحقيقي للأفراد، ويرفع من المستوى المعيشي لهم، من خلال زيادة الكفاءة الإنتاجية للفرد، مما يشكل العمود الفقري لتنافسية المجتمع ككل.

وتأتي أهمية التنافسية من ارتقاء سلم درجات الدول المرغوب الاستثمار والعمل فيها على المستوى العالمي (أي يكون عليها طلب عالمي) مما يولد هجرة رؤوس الأموال المستثمرة الى تلك الدولة التنافسية والذي بدوره يعمل كمغناطيس جاذب لرؤوس الأموال المترددة والباحثة عن موقع لتوطينها. هذا كله يؤدي الى النماء الاقتصادي والازدهار، وتوليد فرص عمل جاذبة للأيدي العاملة، سواء كانت مواطنة أم مستوردة، وزيادة الدخل عن طريق الكفاءة الإنتاجية، ورفع المستوى المعيشي للأفراد.

أهم مراحل تطور دبي

ويتناول الكتاب أهم مراحل التاريخ التنافسي لإمارة دبي. بداية من حكم آل مكتوم في عام 1833 لدبي، وكانت إحدى السياسات الواضحة للحاكم ذلك الوقت توفير نمو اقتصادي للإمارة وشعبها وتميزها بمفهوم ذلك الوقت. كانت هذه نقطة البداية للفكر السياسي الاقتصادي التنافسي للإمارة.

وقد كتب المقيم السياسي البريطاني في عام 1878 في إحدى مخاطباته للخارجية البريطانية، أن موانئ دبي رغم صغر حجمها إلا أنها ميناء مهم على الساحل العربي، وهذا دليل على أن الفكر التجاري متأصل في دبي وأن موانئها مستقبلاً ستأحذ حصة من الموانئ القريبة.

عندما تعاقدت إيران مع الجمارك البلجيكية للاستعانة بالخبرات الاوروبية في عام 1899 لتطوير عمل الموانئ، أعلنت إدارة الموانئ الإيرانية زيادة الجمارك في عام 1901 بفرض ضرائب على الواردات تصل الى 25 %، تذمر التجار من ارتفاع نسبة الجمارك وأدى بحثهم عن بديل الى تراكم البضائع.

وكذلك عدم سماع الحكومة الإيرانية شكواهم ومطالبهم، مما شجع الشيخ مكتوم بن حشر آل مكتوم بالإعلان عن إلغاء الضرائب المفروضة في موانئ دبي يومها بنسبة 5%، والذي ساعد كثيراً على تحول تجارة الاستيراد من لنجه والذي كان يعد أكبر موانئ الخليج، الى موانئ دبي واكسب موانئها زيادة في القدرة الاستيعابية لحركة الاستيراد حسب حاجة ذلك الوقت. ويمكن النظر لهذا القرار بأنه قرار سياسي اقتصادي تنافسي ساعد على زيادة الحركة الاقتصادية لدبي.

وفي ثلاثينيات القرن الماضي تعثرت صناعة وتجارة صيد اللؤلؤ الطبيعي بسبب الحرب العالمية الثانية ومنافسة اللؤلؤ الصناعي مما دعا الحاكم للتفكير في بدائل، وكانت التجارة وإعادة التصدير هي الاتجاه الذي تبناه حاكم دبي وبدعم تجارها، وهذا يدعم الفكر التنافسي لدبي.

وفي نهاية خمسينيات القرن الماضي حدث أمران، الأول بداية اكتشاف النفظ والثاني حفر خور دبي، مما ساعد على نمو الاستيراد والتصدير الى المحيط الإقــليمي الأوسع خاصة بعد اضمحلال مركز ممباسا في أفريقيا وتأثر عدن في اليمن في تجارتها مع أفريقيا، مما ساعد دبي لجذب كثير من تجار المنطقتين وأخذ حصة سوقية لتلك الأسواق التي كانت تخدم تلك المدن. وحفر خور دبي يؤكد مرة أخرى الفكر التنافسي لقادة دبي. كما ساهم استخراج وتصدير النفط في بناء البنية التحتية التي كانت دبي في حاجة إليها لفترة الطفرة المقبلة عليها.

بعد قيام الدولة

أما قيام اتحاد الإمارات في عام 1971 فكان تتويجاً لكل ما ذكر واعطى دبي صيغة وجودها ضمن دولة بدل أن كانت إمارة، وركز فكر الحاكم فيها على النواحي التجارية والاقتصادية وتنمية الاقتصاد، ومنذ ذلك الوقت ونحن نرى دبي تنمو بشكل متسارع وإيجابي رغم الأحداث العالمية السلبية، لأن اقتصادها عرف كيف يلبي احتياجات الأسواق القريبة والبعيدة ويحصن نفسه ضد أحداث العالم الى حد كبير بمرونة قراراته السياسية.

بعد منتصف التسعينيات عشنا بداية طفرة غير مسبوقة، ومازلنا في إيجابيتها، رغم الأزمة المالية العالمية في 2008. وقد استعدت دبي للطفرات الاقتصادية القادمة بتوسيع المطارات والموانئ ومشاريع اخرى مثل قطار مترو دبي.

فالبنية التحتية ستجعل من دبي الخيار الأول والأمثل للمستثمرين ولأي نمو اقتصادي في المحيط الإقليمي المباشر أو الأوسع، وسيكون لدبي السبق في الاستفادة منه لاستعدادها لذلك من خلال البنية التحتية، والبنية القانونية، والبنية التقنية، وبنية النسيج الاجتماعي المتوافق، فدبي أكملت الى حد كبير تغطية متطلبات الاستثمار العالمي على خلاف كثير من المدن الأخرى والتي قد يقتصر تركيزها على محور أو اثنين مما ذكر.

دبي والتنافسية

ذكر في كتب المؤرخين أن الهجرات الى دبي ازدادت منذ بداية القرن التاسع عشر، وقد كانت هذه الهجرات تأتي بالتجار (بشكل أساسي) الى دبي منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، فقد هاجرت مجموعة من الافراد المشتغلين بالتجارة وعائلاتهم من مختلف المناطق القريبة (داخل حدود دولة الامارات)، كما شهدت دبي نزوح عدد من التجار من لنجه والساحل العربي لبلاد فارس بالإضافة الى هجرات من داخل إيران والهند وإفريقيا ومناطق مختلفة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا دبي عن غيرها من المدن او القرى أو المشيخات في ذلك الوقت على نفس الساحل؟ أو لماذا موقع دبي تنافسي في تلك الفترة؟ الجواب يرجع الى عدة عوامل منها ان حكام هذه الإمارة كانت لهم نظرة ثاقبة للمستقبل وعرفوا أن الاقتصاد هو العمود الفقري لأي تطور، فإذا هم ارادوا النهوض والتطور لبلدهم فعليهم بتقوية الاقتصاد مع مراعاة أن العدالة الاجتماعية أساس جذب العامل البشري والمادي لدبي.

ولذلك عكف حكام دبي منذ ذلك الوقت في تذليل الصعاب للتجارة واصحابها مع حفظ الحقوق للجميع، كما كانت حكومة دبي وعلى مر العصور حكومة ذات استجابة سريعة وذات مرونة عالية للعوارض الدولية والمحلية من الأمور المرفوعة لها. أما العامل الآخر، أن حكام تلك الفترة (مثل اليوم) كانوا لا يقطعون أمراً دون الرجوع الى مشاورة واستشارة أصحاب الرأي خاصة ممن يعمل بالتجارة من أهل البلد في مجالسهم مما اضفى الطابع التجاري الجاذب للاستثمار الأجنبي على القرارات الصادرة من هذه المجالس.

Email