اعتبر قضاه وقانونيون أن مكاتب المحاماة المواطنة باتت تشكل ما أسموه بـ " الرقم الصعب " في اعمال الاستشارات القانونية العابر للحدود المقدر قيمته بمليارات الدولارات والأخذ في النمو والازدهار المطردين ليس في الإمارات فحسب وإنما كذلك على صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تمثل فيها دول مجلس التعاون الخليجي عصب هذا السوق المدعوم بمشروعات البنية التحتية في مختلف القطاعات الاقتصادية لاسيما تلك الوثيقة الصلة بالطاقة بمختلف شرائحها.
وعزا قانونيون ومحللون مسوغات وحيثيات وضعية مكاتب المحاماة المواطنة بوصفها الرقم الصعب في معادلة الاستشارات القانونية العابر للحدود إلى تزايد حصتها السوقية خلال السنوات القليلة الماضية على نحو يؤذن بارتقائها إلى مصاف شركات المحاماة العالمية خلال الأمد المنظور.
ويدللون بذلك بأن قائمة شركات الاستشارات القانونية المسجلة بمركز دبي المالي العالمي تزخر بأسماء تنم عن هويتها العربية ، وذلك جنباً إلى جنب مع أسماء لشركات عالمية عتيدة في مجال الاستشارات القانونية على غرار " لاثام أند واتكنز " و" آلن آند أوفري " و " لينكلاتيرز " و " فريش فيلد ".
مقومات القوة
وفي هذا المجال ، يرفض عبد العزيز الياقوت، الشريك والمدير الإقليمي بشكل حاسم التصور القائل بأن الفرق بين الشركات المحلية والدولية هو الفرق بين الجودة العالية والمنخفضة، مؤكدا أن هذا التصور غير صحيح على الإطلاق، وينقسم السوق من وجهة نظره الى ثلاث فئات (أ) مكاتب المحاماة المحلية التي تركز بشكل تام على المسائل المحلية.
وينشط معظمها في تمثيل العملاء أمام المحاكم المحلية، (ب) مكاتب المحاماة المحلية التي تركز أساساً على قضايا القانون المحلي، ولكن تقدم أيضاً الاستشارات القانونية في المسائل التي لها بعد إقليمي أو دولي، (ج) مكاتب المحاماة الدولية التي تركز أساسا على المعاملات الإقليمية والدولية التي تتطلب خبرة معينة.
وأعرب عبد العزيز الياقوت عن اعتقاده بأنه من الضروري أن تقوم الشركات المحلية بالعمل على تطبيق أفضل الممارسات العالمية في نهجها لخدمة عملائها. وفي الوقت نفسه ، يجب على شركات المحاماة الدولية بذل مزيد من الجهد لفهم البيئة المحلية التي يعملون فيها، وهو ما يعني توظيف وتدريب المزيد من العرب. ويجب أن تصل دولة الإمارات وبقية دول مجلس التعاون الخليجي إلى نقطة لا يصبح التمييز فيها بين مكاتب محاماة محلية ودولية، بل يكون فقط بين الجيدة والسيئة. وهو الحال الحاصل في البيئات القضائية المرموقة.
وترى آراء أن قوة شركات المحاماة المواطنة تكمن في فهمها ووعيها الكاملين بالأسواق التي تعمل فيها ، فيما تتميز الشركات العالمية بتقديمها أفضل الممارسات العالمية عندما يتعلق الأمر بخدمة عملائها ، وبالتالي ، تطل شركات المحاماة المواطنة بوصفها الرقم الصعب في معادلة هذا البيزنس ، إذا ما تمكنت من الجمع بين هاتين الميزتين.
وفي هذا المجال، ومن منظور عبد العزيز الياقوت، لا توجد منافسة في الوقت الراهن بين الشركات المحلية والدولية، ولكن من المقدر الحديث عن منافسة بالمعنى الحقيقي فقط، عندما يحدث التغير في نهج كلا الطرفين. وحتى ذلك الحين، ستعمل الشركات القانونية المحلية والدولية في معظمها في مجالات منفصلة من دون وجود تداخل حقيقي.
تفاوت التقديرات
وتتفاوت التقديرات بشأن حجم بيزنس الاستشارات القانونية في منطقة مجلس التعاون الخليجي بشكل عام والإمارات خصوصاً، ولكنها تتفق على أن قيمة هذا البيزنس يصل إلي مليارات الدولارات.
وبسؤال عبد العزيز الياقوت عن تقديراته لحجم سوق الاستشارات القانونية ، أجاب بقوله : لا يُعرف حجم معين للسوق القانوني في الإمارات أو دول مجلس التعاون الخليجي. وهناك تقديرات مختلفة، لكنها تتفاوت فيما بينها بشكل كبير. والقضية الأهم من حجم السوق القانونية هو العدد الذي لا يزال صغيراً من المحامين العرب الذين يجمعون بين الفهم العميق للقضايا المحلية والالتزام بأفضل الممارسات الدولية.
وتابع قائلًا : يجب العمل على زيادة عدد المحامين مزدوجي اللغة الذين يجمعون بين هذه القدرات، وهو ما يعد مجهوداً طويل الأمد يتطلب استثماراً حقيقياً من الحكومة والقطاع الخاص. وينتمي أقل بقليل من نصف عدد الموظفين لدى "دي ال ايه بايبر" إلى الناطقين باللغة العربية، ويتمحور التركيز على مدى السنوات القليلة القادمة على استمرار تنمية هذا الرقم من خلال برامج التدريب والتطوير.
وهذا أمر من شأنه إيجاد ودعم التوازن التي تشتد الحاجة إليه في السوق، وهو ما يطلبه زبائننا وما يتوقع منا تقديمه. وعلى نفس المنوال ، لم يقدم مسؤول بشركة كليفورد تشانس العاملة في مجال الاستشارات القانونية ردا قاطعا بشأن حجم هذا السوق مكتفيا بالقول بأنه من الصعب وضع تقديرات يقينية بشأن الحجم الكلي للسوق ، ولكنه بالإمكان أن يكون حجم السوق الإماراتي في حدود 500 مليون دولار.
آفاق النمو والازدهار
ورغم تفاوت التقديرات بشأن حجم سوق الاستشارات القانونية، إلا أن الآراء اتفقت على أن الاستشارات القانونية العابرة للحدود مرشحة لأن تشهد المزيد من النمو والازدهار المدعوم بالسيولة المالية في منطقة الخليج .
وفي هذا المجال يقول المسؤول في شركة كليفورد تشانس: مع تزايد السيولة في الأسواق المالية وعودة مشاعر التفاؤل بشأن آفاق النمو الاقتصادي في المنطقة، وتزايد التركيز على مشروعات البنية التحتية في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن هذه العوامل تتضافر مع بعضها البعض لتشكل قوى كامنة والمحركة لنمو سوق الاستشارات القانونية .
على نفس المنوال، رأى عبد العزيز الياقوت أن محركات نمو القطاع القانوني في الإمارات ودول الخليج متشابهة جدا، وشرح عناصر هذا الترابط بقوله : تعد المنطقة واحدة من الأسواق الصاعدة ، وبالتالي ، فهي تتمتع بمعدل نمو قوي في الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يصحبه احتياج متزايد للحصول على أنواع الدعم المهني، ومنها المشورة القانونية. وهناك بالطبع هناك أنشطة توفر فرصا أكبر، مثل استضافة قطر لكأس العالم لكرة القدم، أو المدن الاقتصادية في السعودية.
وأستدرك في حديثه بقوله : وفي هذا الوقت بالذات ، ومع عمليات الاندماج الحاصلة في الأسواق في جميع أنحاء العالم، تبرز لنا مجالات قانونية محددة أكثر من غيرها بشكل عام مثل التقاضي وإعادة الهيكلة. ومع ذلك، رأينا زيادة في عمليات الاندماج والاستحواذ مقارنة بالسنوات الثلاث الماضية، وهو ما توقعه مسح "دي إل إيه بايبر" الذي نشر في مطلع هذا العام .
ورغم أن النفط يولد كعادته أغلب عائدات المنطقة، تظهر أرقام صندوق النقد الدولي عاما بعد عام زيادة في نمو القطاعات غير النفطية على الرغم من الارتفاع في أسعار النفط. وهو ما يعكس دور الحكومات في جميع أنحاء المنطقة في خلق مجتمع قائم على المعرفة والابتعاد عن الاعتماد على عائدات النفط، والقيام بالاستثمارات المطلوبة في البنى التحتية والتعليمية والبشرية، وكلها في حاجة إلى دعم من الاستشاريين المهنيين لضمان الاستدامة والفعالية.
مركز إقليمي
وفي ظل هذا الازدهار المهيمن على بيزنس الاستشارات القانونية ، تبرز الإمارات ليس بوصفها مركزا إقليميا لهذا النوع من النوع من الخدمات فحسب ، وإنما بوصفها سوقا على درجة عالية من التنافسية بوصفها وجهة مفضلة لشركات المحاماة الدولية الساعية إلى اغتنام الفرص المتاحة في دول مجلس التعاون الخليجي .
وقدر هنا القاضي علي شماس المدحاني بمحاكم مركز دبي المالي عدد مكاتب المحاماة المسجلة لدى محاكم مركز دبي المالي العالمي بأنها تصل إلى 80 مكتباً، فيما يقل إجمالي أعداد مكاتب المحاماة المواطنة عن 20 مكتباً، أي بحصة تبلغ 20 % من إجمالي عدد مكاتب المحاماة المسجلة.
وأرجع أسباب تراجع حصة مكاتب المحاماة المواطنة إلى عدم توافر الوعي والمعرفة لدى بعض مكاتب المحاماة المواطنة بشأن محاكم مركز دبي المالي العالمي، ورغم تفضيله توجيه اللائمة إلى كل من محاكم مركز دبي المالي العالمي ومكاتب المحاماة المواطنة، إلا أنه يرى أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الأخيرة ، حيث انه يتعين عليها أن تكون على معرفة ودراية كاملين بالأنظمة القضائية الموجودة في الدولة بما في ذلك النظام القضائي لمحاكم مركز دبي المالي العالمي .
تنافسية السوق
وتناول عبد العزيز الياقوت أبرز معالم تنافسية سوق الخدمات القانونية في الإمارات بقوله : يتميز سوق الإمارات بأنه على درجة عالية من التنافسية، فمع وجود عدد كبير من الشركات. تحاول كل شركة تقديم وجهة نظر مختلفة قليلا.
وتطرق المسؤول في شركة كليفورد تشانس إلى مسألة تنافسية سوق الاستشارات القانونية بقوله : يتميز سوق الاستشارات القانونية في الإمارات بأنه سوق على درجة عالية من التركز ، وتعتبر شركة كليفورد تشانس واحدة من شركات محاماة دولية متواجدة في الإمارات ، منها على سبيل المثال " لاثام أند واتكنز " و" آلن آند أوفري " و " لينكلاتيرز " و " فريش فيلد " .
مواجهة التحديات
ومع تميز سوق الاستشارات القانونية بدرجة عالية من التنافسية ، فإن السؤال المطروح يتعلق بالكيفية التي بها يمكن لشركات المحاماة المواطنة أن تقف على قدم الندية مع مثيلاتها من الشركات العالمية .
ويجيب عبد العزيز الياقوت عن هذا السؤال بقوله : إن التحدي الذي تواجهه المكاتب المحلية هي نفسها التي تواجهها المكاتب العالمية - وهي استعراض ما يدل على فهم أعمال العملاء التجارية، والتحلي بنظرة موسعة على القطاع وحيازة المعرفة والمهارات القانونية المتكاملة. فأكبر تحد يواجه شركات الاستشارات القانونية هو العثور على الأشخاص المناسبين من ذوي السلوك الأنسب والخبرات اللازمة لشغل هذه الأدوار.
ويتفق المسؤول في شركة كليفورد تشانس مع هذا الرأي بقوله : تكمن التحديات الرئيسية التي تواجه نمو وتطور شركات المحاماة المواطنة في تحديين رئيسيين : أولهما يتمثل في منافسة شركات المحاماة الدولية على الفوز بالعقود العالية القيمة والجودة من رعاة المشروعات والمؤسسات المالية والشركات الدولية، ثانيهما ، يكمن في العمل على استقطاب الخبرات والعقول القانونية ومن ثم الاستثمار فيها ، حتى تتطور وتنمو ممارستها وأعمالها بشكل حقيقي .
بنية تحتية داعمة
قال القاضي علي شامس المدحاني إن مسألة استحداث اللغة العربية ضمن أعمال محاكم مركز دبي المالي العالمي مطروحة للدراسة، ولكنه أشار إلى أن المحاكم ليست مخولة لأن تصدر قراراً بشأن تحديد اللغات المستخدمة فيها، فالأمر يتعلق بإصدار قانون يجيز استخدام اللغة العربية. وأوضح أنه جري تحديد اللغة الرسمية للمحاكم بناء على قانون صادر في هذا الشأن.
وأن ما يمكن للمحاكم أن تقوم به في هذه الشأن هو رفع خطابات إلى الهيئة التشريعية المختصة تتضمن المطالب الخاصة باستخدام اللغة العربية، وأعرب عن اعتقاده بأنه ليس متوقعا ان تنتهي المحاكم إلى رفض مثل هذه المطالب ولكنها قد تطلب مقومات داعمة لها، كأن تطلب مثلا تعيين المزيد من القضاة المتحدثين باللغة العربية.
حيث ان عدد القضاة العاملين بالمحاكم يبلغ ثلاثة قضاة فقط، كما يتطلب الأمر تخصيص ميزانية للتأهيل . واكد أن الأمر يحتاج إلى خطة استراتيجية تتضمن أهدافا وآليات محددة وواضحة، فالأمر ليس ببساطة مجرد الإعلان عن استخدام اللغة العربية، بل يتطلب توافر الكثير من المقومات والمستلزمات الداعمة لكي يكون القرار في حال اتخاذه مستندا على بنية تحتية داعمة له.
بزوغ نظام قضائي جديد
رأى القاضي على شامس المدحاني أن دولة الإمارات بصدد رؤية بزوغ نظام قضائي جديد قائم على التعددية والاستيعابية، وهو ما يجعله منسجما ومتناغما مع حالة التعددية في الثقافات واللغات داخل الدولة، وهذا ليس معناه التضحية بالهوية الثقافية للنظام القضائي، ولكن معناه أن يكون النظام القضائي قادراً على تقديم خدمة العدالة إلى طيف متنوع من شرائح المجتمع.
وقال المدحاني إن الوضع مختلف تماماً في دولة الإمارات، فعلى سبيل المثال، تتعدد الأنظمة القانونية في إمارة دبي، حيث بالمقدور اللجوء إلى القانون المدني والعام (الانجلو سكسوني)، كما تتعدد مراكز التحكيم.
وأشار إلى أن مثل هذه التنوع يشكل قوة محفزة على جذب الاستثمارات إلى دولة الإمارات التي تعد واحدة من الركائز المهمة التي ينهض عليها الاقتصاد الإماراتي، كما يمثل هذا التنوع في حد ذاته هوية قانونية بالغة التطور، من زاوية، أنها تحتوي على الكثير من الحلول والبدائل القادرة على استيعاب الكثير من العقليات القانونية، حيث يقدم هذا النظام أكثر من خيار وبديل .
إطلاق برامج ترفع كفاءة مكاتب المحاماة المواطنة
لم يستبعد القاضي على شامس المدحاني حدوث تغييرات في وضعية مكاتب المحاماة المواطنة ، موضحاً أن محاكم مركز دبي المالي العالمي قامت بوضع برنامج خاص يستهدف تعميق معرفة المحامين المواطنين بأساليب وطرق عملها والأنظمة القانونية المطبقة فيها.
كما يكمل هذا البرامج أساليب وبرامج توعية أخرى متبناة، منها نشر قوانين وقواعد المحاكم في الموقع الإلكتروني للمحاكم على شبكة الإنترنت، والتخطيط للبث الحي لجلسات المحاكم عبر شبكة الإنترنت، وتأسيس آلية تدريب للمحامين المواطنين من خلال التعاون مع المعهد القضائي الاتحادي، كما جري توقيع اتفاقية مع وزارة العدل التي أبدت استعدادا كبيرا لتدريب وتثقيف المحامين المواطنين، ورفع قدراتهم على الترافع أمام محاكم مركز دبي المالي العالمي .
وأكد أن المحاكم تحرص على إعداد وتأهيل المحامين المواطنين لدعم وضيعتهم في المحاكم عندما تتزايد هذه القضايا في المستقبل من الناحيتين الكمية والكيفية، وهو أمر متوقع حدوثه خلال السنوات القليلة المقبلة.

