ناقش مجلس دبي الاقتصادي تشريع قانون الإفلاس الاتحادي رسمياً في دبي أمس عقب إطلاق مبادرة تأسيس شراكة استراتيجية بينه وبين وزارة العدل في الإمارات وبرنامج تطوير القانون التجاري في وزارة التجارة الأميركية، وفي إطار رؤيته كشريك استراتيجي لحكومة دبي في عملية صنع القرار الاقتصادي، وسعيه للمشاركة في مسيرة النهضة الاقتصادية التي تشهدها إمارة دبي والامارات، وبهدف تعزيز مكانتها في الاقتصاد العالمي وبما يسهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي في الدولة.
جاء ذلك خلال مؤتمر السياسات العالمي "نحو تشريع قانوني لإعادة الهيكلة المالية والإفلاس" من أجل تنمية مستدامة بهدف نشر الوعي بشأن أهم قضايا السياسات المتعلقة بقانون إعادة الهيكلة المالية والافلاس وتشجيع مجتمع الأعمال المحلي على الاستفادة من مشروع القانون الاتحادي المقترح، وتسليط الضوء على أهم التجارب العالمية في هذا المجال ومدى ملاءمتها لدولة الامارات وإمارة دبي.
إقرار القانون
وأكد وزير العدل في الدولة معالي الدكتور هادف بن جوعان الظاهري، خلال المؤتمر، أهمية قانون الإفلاس الاتحادي المقترح في إيجاد بيئة قانونية فعالة في الدولة قادرة على مواجهة التطورات الاقتصادية والمالية العالمية والاقليمية والمحلية المتسارعة.
وقال: إن قانون الإفلاس الاتحادي دخل في مراحله النهائية متوقعاً إقراره قبل نهاية العام الجاري على الأرجح، مشيرا إلى أن القانون سيشمل كافة الشركات المدرجة والعائلية والخاصة والمسجلة في الدولة، وسيعالج العديد من الاشكاليات التي تقع لدى الشركات المتعثرة والمفلسة. ونوّه الظاهري على هامش المؤتمر إلى أنه يتم كذلك مراجعة قوانين الشركات الصغيرة والمتوسطة والاستثمار الأجنبي والتحكيم التجاري.
وأكد الظاهري أن قوة اقتصاد الدولة والمتغيرات الاقتصادية العالمية المتسارعة تتطلب وجود غطاء تشريعي وقانوني لتنظيم الأعمال التي تتم في الدولة. وأضاف:"تضافرت جهود العديد من الوزارات والجهات المختصة في تطوير مشروع هذا القانون، وبصفتي رئيس اللجنة الوزارية للتشريعات ننظر في المراحل الأخيرة قبل صدور القانون ونوفّر للهيئات والمؤسسات استشارات فنية من أجل الوصول إلى قانون وتشريع راق ومتقدم يأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي في الإمارات واحتياجاتها المستقبلية".
لجنة فتوى
وأفاد بأن لجنة فتوى التشريع في وزارة العدل تقوم بمراجعة أولية لقانون الإفلاس الاتحادي، ثم سيتم عرضه على مجلس الوزراء للموافقة وإحالته للجنة الفنية للتشريعات ثم اللجنة الوزارية للتشريعات، انتهاء بالمجلس الوطني الاتحادي للمناقشة ومن ثم استصداره من صاحب السمو رئيس الدولة. وأضاف أن الوزارة والهيئات المرتبطة حريصة على تسريع إصدار هذا القانون من دون إبطاء نظراً لأهميته ومشيراً إلى أن هذه دورة طبيعية تمر بها كافة القوانين راجياً صدوره قبل نهاية العام.
وأشار الظاهري إلى أن القانون الذي سيتم تطبيقه في دولة الإمارات لم يعتمد على تشريع دولة معينة وإنما استفاد من عدة تجارب لدول أخرى مثل سنغافورة والمملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة في هذا المجال مع الحفاظ على الأخذ بما يتناسب وخصوصية الإمارات والموازنة بين مصالح أصحاب العلاقة.
وأضاف وزير العدل: "انتهت اللجنة الوزارية للتشريعات من مناقشة مجموعة هامة من التشريعات، وهي في طريقها إلى الإقرار النهائي والإصدار عبر القنوات الدستورية ومن بينها مشروع قانون الشركات، ومشروع قانون اتحادي بشان الدين العام، ومشروع قانون اتحادي بشأن ضمان الأوراق المالية بين البنوك، ومشروع قانون اتحادي بشأن المنافسة".
ولفت إلى أن التعاون والتنسيق بين الوزارات الاتحادية بشكل عام ووزارة العدل على وجه الخصوص وبين المؤسسات العاملة في المجالات الاقتصادية والمالية أمر في غاية الأهمية لخلق بيئة قانونية فعالة، وهو أمر مهم لمواجهة التطورات الاقتصادية والمالية العالمية والاقليمية والمحلية المتسارعة، ويؤدي في النهاية إلى زيادة الثقة في مجموعة التشريعات القائمة والمعتمدة في دولة الإمارات، وهو ما يشكل احد أهم التحديات الهامة لوزارة العدل وشركائها الاستراتيجيين باعتبار اقتصاد الإمارات هو ثاني أكبر اقتصاد عربي، كما بلغت التجارة الخارجية غير النفطية لإمارة دبي خلال العام الماضي ما يزيد على تريليون درهم.
تعديل الأحكام
وأضاف: عملت وزارة العدل خلال السنوات الأربع الماضية بالتعاون مع وزارات وهيئات اتحادية اخرى وشركاء محليين على اصدار تشريعات غاية في الأهمية تتعلق بالشأن الاقتصادي والمالي وكذلك تعديل بعض أحكام قوانين سبق إصدارها، حيث أصدرت بالفعل القوانين الآتية: القانون الاتحادي رقم 6 لسنة 2010 بشأن المعلومات الائتمانية، والقانون الاتحادي رقم 1 لسنة 2011 بشان الايرادات العامة للدولة، والمرسوم بقانون اتحادي رقم 7 لسنة 2011 بإنشاء مصرف الإمارات للتنمية".
الشراكة الاستراتيجية
قال هاني الهاملي الأمين العام لمجلس دبي الاقتصادي: إن الشراكة الاستراتيجية بين مجلس دبي الاقتصادي ووزارة العدل في الدولة بالتعاون مع برنامج القانون التجاري التابع لوزارة التجارة الخارجية يعطي بعدا إضافيا لقياس أفضل التجارب على أرض الواقع، مشيراً إلى أن قانون الإفلاس وإعادة هيكلة الديون المقترح الجديد سيخدم جميع الشركات الحاصلة على ترخيص في الإمارات على اختلاف حجمها، متوقعّاً أن يدعّم إصدار هذا القانون بعد صدوره موقف الإمارات في سلّم تقارير التنافسية العالمية وأداء الأعمال التي تصدرها الهيئات الاقتصادية العالمية ويساهم في تعزيز أهمية دبي على خارطة الأعمال في العالم ودعم كافة القطاعات الاقتصادية على نحو مستدام وبالتالي جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
مشيراً إلى أهمية التطبيق الصحيح والمثالي لهذا القانون حتى يحقق النتائج المرجوة منه في الاقتصاد الكلي للدولة وإنفاذه بشكل عملي من خلال التعاون مع الشركات والمؤسسات العالمية التي خاضت تجربة الإفلاس وإعادة الهيكلة. وأضاف أن بعض الشركات في الدولة قامت بعدد من عمليات إعادة هيكلة للديون بنجاح على الرغم من وجود بعض الصعوبة بداية في إقناع الدائنين بضرورة أخذ تلك الإجراءات.
أهمية استثنائية
وأضاف أن تنظيم مجلس دبي الاقتصادي لهذا المؤتمر يعكس أهميته الاستثنائية من حيث مشاركة كبرى الهيئات الحكومية والشركات المحلية والإقليمية والعالمية وطرح موضوعات هامة بهدف تنوير مجتمع الأعمال والمصارف والمستشارين القانونيين بدعم من شركاء استراتيجيين وخبراء للتشاور والاستماع إلى الآراء وإلى الأفكار التي تدعم وتعطي قيمة مضافة لهذا القانون بشكل عملي، وهو ما يبرز في أوراق العمل المقدمة من المشاركين.
قانون مرن
من جانبه توقع الدكتور محمد الكمالي مدير عام معهد التدريب والدراسات القضائية في أبوظبي كذلك أن يتم إصدار قانون الإفلاس الاتحادي قبل نهاية العام الحالي، مشيراً إلى أن مكانة الإمارات كمركز تجاري عالمي يتطلب وجود قانون مرن يعالج حالات الإفلاس وإعادة هيكلة الديون يتماهى مع المركز الراقي للنظام القضائي المتطور على مستوى الاتحاد ومستوى دبي.
وأضاف على هامش المؤتمر أنه سيكون هناك حاجة بعد إصدار القانون لإعادة النظر في قوانين أخرى مرتبطة بقانون الإفلاس مثل قانون العقوبات وقانون الإجراءات المدنية وقانون الخبرة وقانون المعاملات المدنية وقانون الإثبات الإلكتروني، خصوصاً وأن بعض الدول اعتمدت على الوسائل الحديثة في تطبيق إجراءات القانون كاللجوء إلى الإعلان عن الإفلاس من خلال الموقع الالكتروني للشركة المعنية على سبيل المثال، وذلك بهدف تطبيق قانون الإفلاس بالشكل مثالي ومكتمل.
وأشار إلى أن الأزمة المالية العالمية الأخيرة أبرزت أهمية أن يتم فصل بنود تنظيم الإفلاس التي كانت جزءاً من قانون المعاملات التجارية في الدولة ووضعها في إطار التهيئة القضائية. وأفاد أن هذا القانون الجديد والمتخصص يحتاج إلى تهيئة البنية القضائية على الشكل الأمثل وصقل معارف القضاة وعليه قامت وزارة العدل بابتعاث قاضيين للولايات المتحدة لدراسة الماجستير في قانون الإفلاس ووضع برنامج سنوي لإرسال ثمانية من القضاة ووكلاء النيابة للتخصص في القوانين التجارية المختلفة ومن ضمنها قانون الإفلاس.
دعم حيوي
وقال جيمس فيلبي المستشار في برنامج تطوير القانون التجاري في وزارة التجارة الأميركية على هامش المؤتمر: إن الرسالة الرئيسة التي يحملها هذا القانون هي أن المعاناة المالية للشركات أو التخلف عن السداد لشركة ليس جريمة بالضرورة.
وأوضح أن أهمية هذا القانون تبرز في أنه إذا أرادت أي دولة دعم حيويتها الاقتصادية وتحفيز مناخها الاستثماري، فسيكون ضرورياً تحفيز الشركات فيها على أخذ المخاطر، وهو ما يحمل احتمال الفشل ولكن هذا الفشل يكون جزءاً من النظام الاقتصادي، ويمكن البدء من جديد. وأضاف :"عملية أخذ المخاطرة والفشل ثم العودة من جديد - وربما إنجاح الشركة بشكل أكبر على المدى الطويل - هي دورة طبيعية في الاقتصادات الحيوية تنشط من خلالها شركات جديدة وتخلق فرص عمل جديدة. وقد لا يثمر أخذ المخاطر في المرة الأولى ولكن إدخال أولئك الأفراد والأموال من جديد إلى النظام يسهم في تعزيز الفرص الاستثمارية. ونحن نحاول توفير البيئة القضائية المثالية التي من خلالها يتحقق ذلك، وأنا أشجع الشركات على الاستفادة من الفرص التي ستتاح بفضل هذا القانون".
الفصل الحادي عشر
يعتبر الفصل الحادي عشر أحد التشريعات القانونية التي تحكم عملية إشهار الإفلاس في الولايات المتحدة الأميركية. ويسمح هذا الفصل للشركات بإعادة تنظيم نفسها في إطار قوانين الإفلاس الأميركية. وتستطيع جميع أنواع الشركات حتى الأفراد اللجوء إليه إلا أنه في الغالب يستخدم من قبل الشركات. ويختلف هذا الفصل عن الفصل السابع الذي يضبط عملية الإفلاس والتصفية، والفصل الثالث عشر الذي يسمح بعملية إعادة التنظيم للأشخاص.
وعند فشل شركة في تسديد المبالغ المستحقة على ديونها أو الديون ذاتها فإنها تستطيع، كما يستطيع الدائنون أنفسهم التقدم بطلب للحماية إلى محكمة إفلاس اتحادية بناء على الفصل السابع أو الحادي عشر. لكن طبقا للفصل السابع تتوقف الشركة عن النشاط ويقوم وصي ببيع جميع أصولها وبتوزيع عائد ذلك على المقرضين.
ويتم توزيع أي مبالغ متبقية على مالكي الشركة، في حين أن الفصل الحادي عشر يسمح في معظم الأحيان بإبقاء عمليات الشركة تحت سيطرة المدين وملكيته لكن تظل تحت مراقبة المحكمة وسلطتها التشريعية.
وطبقا لهذا الفصل فإنه يمكن للمدين أن يعمل وصياً على شركته إلا إذا تم تعيين وصي خارجي لسبب ما. وهكذا فإنه طبقا لهذا الفصل يملك المدين الأدوات لإعادة هيكلة شركته ويستطيع الحصول على تمويل وقروض بشروط ميسرة بشرط إعطاء الممولين الجدد أولوية في الحصول على أرباح الشركة. وقد تعطي الحكومة المدين المالك للشركة حق رفض أو إلغاء عقود. كما يتمتع المدين بالحماية من دعاوى قضائية ضد شركته عن طريق فرض ما يسمى بوقف التنفيذ بصورة آلية. وبينما يكون هذا الوقف نافذ المفعول فإن أي دعاوى قضائية ضد المدين تتوقف أو تؤجل حتى يتم البت فيها في محكمة إفلاس أو استئنافها في موقعها الأصلي.
وإذا فاقت الديون أصول الشركة ولم يتبق لمالكها أي أموال فإنه يتم إنهاء حقوقه وتصبح الشركة ملكا للدائنين بعد إعادة هيكلتها بما يتوافق مع قانون الإفلاس. ومن أهم معالم الفصل الحادي عشر عملية إعادة الهيكلة بالمقارنة مع التصفية في الفصل السابع. ويسمح هذا الفصل للمدين بالخروج من قيوده خلال شهور أو سنوات بحسب تعقيد عملية الإفلاس.
كما أن للمدين الحق -في إطار هذا القانون- في اقتراح خطته لإعادة الهيكلة لمدة من الزمن تصل في معظم الأحيان إلى 120 يوما، مع وجوب موافقة الدائنين عليها، يقدم بعدها الدائنون خططهم.
ملامح القانون
يراعي مشروع القانون ضرورة مساعدة المدين على وضع خطة إعادة هيكلة أعماله وعلى تنفيذها حيثما أمكن، وإلى ضرورة مساعدته على الوفاء بالتزاماته عن طريق تصفية أصوله كحل أخير. وأوجد مراحل تسبق إجراءات الإفلاس وتصفية الأصول، من خلال إجراءات إعادة التنظيم المالي التي تتم خارج المحكمة، يليها الصلح الواقي من الإفلاس، ثم إجراءات إعادة الهيكلة، حيث راعى تحقيق التوازن الحذر بين التصفية وإعادة هيكلة أعمال المدين والسماح بالتحول في الإجراءات من إجراء إلى آخر، ومنع الدائنين من التصرف بسرعة في أصول المدين، وذلك لتفادي نقصان قيمة أصول المدين، ما سيؤدي إلى زيادة فرصة الدائنين بتحصيل واسترداد ديونهم، أو أكبر قدر منها بأي شكل مالي ممكن.
ووضع مشروع القانون قواعد واضحة تضبط وتنظم الملكية وأولوية المطالبات والضمانات والحقوق المتنافسة الخاصة بنفس الأصول، وضرورة تخفيض أسباب الحبس كوسيلة لمعاقبة المديونين، وإلى زيادة الشفافية والإفصاح عن البيانات المالية، ونشر الوعي بإجراءات الإفلاس.
