احتلت الإمارات المركز الأول كأكبر سوق للصادرات الصينية في العالم العربي. وتعتبر الصين هي ثاني أكبر مصدر للإمارات بعد الهند. وتؤثر الممارسات التجارية في الإمارات على الخليج بأكمله لأن الإمارات هي المركز التجاري والمالي الرئيسي للمنطقة.

تمتلئ معارض شركة رويال فرنيتشر للأثاث في منطقة تجارية بإمارة عجمان بغرف نوم وطاولات طعام خشبية وأرائك مصنعة حسب الطلب كلها من الصين. وأصبح هذا المشهد معتاداً في منطقة الخليج العربية التي تشتري اقتصاداتها المزدهرة كميات متزايدة من المنتجات الصينية. لكن رويال فرنيتشر كانت سباقة في إحدى النواحي إذ أنها تدفع ثمن جزء صغير من منتجاتها باليوان الصيني بدلاً من الدولار العملة التقليدية للتبادل التجاري في المنطقة.

 ويعد هذا التحول تاريخياً بالنسبة لمنطقة الخليج التي تعتمد بشدة على الدولار منذ عقود إذ ان صادراتها الرئيسية وهي النفط مقومة بالدولار ومعظم عملات دولها مربوطة بالدولار. ويشير هذا إلى انحسار تدريجي لهيمنة العملة الأميركية. ويعتقد بعض المصرفيين أن دبي قد تصبح في الأجل الطويل مركزاً خارجياً رئيسياً لتداول اليوان لكن تيان المسؤول في بنك الصين يقول إن السلطات المحلية يجب أن تعمل بنشاط أكبر لتسهيل ذلك.

 

نمو كبير

وتظهر بيانات الجمارك الصينية أن حجم التجارة بين الصين والإمارات نما 39% إلى 32 مليار دولار في الأشهر الأحد عشر الأولى من 2011 مقارنة بمستواه قبل عام إذ ارتفعت الصادرات الصينية 28% إلى 24.3 مليار دولار وقفزت الواردات الصينية 89 بالمئة إلى 7.6 مليارات دولار. ومعظم المنتجات التي صدرتها الصين إلى الإمارات أعيد تصديرها إلى دول أخرى في الخليج وأفريقيا وحتى في أوروبا.

 

برنامج اليوان

ويعد استخدام اليوان في تسوية جزء من هذه التعاملات التجارية نجاحاً لجهود الصين لتشجيع الاستخدام الدولي لعملتها. ففي 2009 أطلقت الصين برنامجاً تجريبياً يسمح للشركات في بعض الأقاليم بتسوية الواردات والصادرات باليوان. ومنذ ذلك الحين يتوسع هذا البرنامج في أنحاء البلاد. وقبل البرنامج كانت شركات مثل رويال فرنيتشر ترسل المدفوعات إلى الصين بالدولار وهو ما يضطر المورد الصيني إلى تحويلها لليوان.

والآن أصبح بإمكانها أن تدفع مباشرة باليوان من حساباتها في بنوك مشاركة في البرنامج في هونج كونج أو تلك التي بدأت بالمشاركة في لندن في الآونة الأخيرة. وقالت جانيت مينغ التي عينها رويال بنك أوف سكوتلند رئيسة مكتبه الجديد للصين في لندن هذا الشهر "إحدى مزايا التسوية باليوان أنهم يستطيعون الوصول إلى قاعدة عملاء أوسع في الصين". وقالت إن ذلك اختصر الوقت اللازم لإنجاز التسويات وإن التكاليف التي يتحملها مستوردو المنتجات الصينية انخفضت لأن الموردين في الصين أصبحوا لا يضيفون مخاطر تذبذب سعر الصرف كهامش في سعر المنتج.

 

الشركات الكبيرة

ويقول مصرفيون إن استخدام اليوان حتى الآن يقتصر على الشركات الكبيرة في الإمارات ومعظمها شركات تجزئة ومستوردون للسلع الأولية. فبالنسبة للشركات الصغيرة قد يكون الجهد اللازم لفتح حسابات باليوان كبيراً للغاية ونظراً لأن اليوان ليس قابلاً للتحويل على نطاق واسع في الأسواق الدولية حالياً فإنه لا يزال من الأسهل إنجاز العديد من الصفقات بالدولار. وتقول رويال فرنيتشر التي لها 12 منفذاً في الإمارات والتي تعيد تصدير منتجات إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى إنها تستخدم اليوان مع نحو 10% من كبار المصنعين الصينيين الذين تشتري منهم.

وقال تيم ايفانز المدير الإقليمي للتمويل التجاري والحسابات الدائنة لدى اتش.اس.بي.سي الشرق الأوسط إن التعاملات باليوان في المنطقة تتزايد مع نمو تجارة الصين مع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لكنها لا تزال ضئيلة في المجمل. وقال "في الوقت الراهن لا يزال السؤال هو مدى اعتياد الناس على اليوان وليس تداول كميات كبيرة منه".

وتجري الغالبية العظمى من التجارة الدولية في النفط بالدولار لذلك يبدو ان سداد ثمن صادرات الطاقة الخليجية إلى الصين باليوان ليس أمراً متوقعاً في المستقبل القريب.

 

زيادة ملحوظة

لكن الاتجاه إلى زيادة استخدام اليوان في الخليج وفي أنحاء العالم أصبح واضحاً. فعلى مستوى العالم زادت نسبة التجارة الصينية التي تسوى باليوان إلى نحو سبعة بالمئة في 2011 مقارنة بأقل من واحد بالمئة في الربع المنتهي في يونيو من 2010. ويتوقع اتش.اس.بي.سي أن تجري تسوية نحو تريليوني دولار أو ما يساوي أكثر من نصف التجارة العالمية للصين باستخدام اليوان بحلول عام 2015. وقال تيان جون كبير ممثلي بنك الصين في دبي والبحرين "يتزايد الاهتمام بحسابات اليوان نتيجة لارتفاع اليوان والأزمة المالية.. منطقة الخليج تتجه الآن شرقاً".

 

جهود مشتركة

ويشغل البنك وهو أكبر بنك صيني للتجارة الخارجية ثمانية موظفين في مكتب التمثيل في دبي. ويتطلع لافتتاح وحدة تابعة في مركز دبي المالي العالمي بنهاية 2012. وسيتوقف نمو التجارة المقومة باليوان في الإمارات على دعم السلطات المحلية.

وفي هذه الناحية هناك إشارات على ان الحكومة بدأت تعمل على توثيق العلاقات المالية مع الصين. ففي يناير وقع البنكان المركزيان الصيني والإماراتي اتفاقاً يسمح لهما بمبادلة ما قيمته 5.5 مليارات دولار من العملة.

وقال البنكان إن الاتفاق سيسهل مدفوعات التجارة الثنائية والاستثمار بإيجاد آلية تحد من مخاطر سعر الصرف بين اليوان والدرهم الإماراتي. وفي الأسبوع الماضي قال بنك الإمارات دبي الوطني أكبر بنوك دبي من حيث القيمة السوقية والذي تملك الحكومة أغلبيته إنه سيعقد لقاءات مع مستثمرين قبل إصدار محتمل لسندات مقومة باليوان ستكون الأولى من نوعها في الخليج. وقالت مصادر في القطاع المالي إن مركز دبي المالي العالمي يتوقع إجازة التعاملات باليوان الصيني بدءاً من العام الجاري ليوسع نظام المدفوعات الذي يركز على التسويات بالدولار واليورو.

وتحتاج هذه الخطوة لموافقة الجهات التنظيمية في الإمارات. وقال ناصر السعيدي كبير الاقتصاديين في مركز دبي المالي العالمي "هذا نظام يعتمد على البنوك لذلك يمكن أن تستخدمه البنوك في المنطقة إذا طبقت اللوائح. سيكون هناك طلب هائل".

وقالت مينغ من رويال بنك أوف سكوتلند متحدثة عن قرار البنك فتح مكتب للصين في لندن "حين كنا ندرس ذلك في البداية كان الحديث قد كثر عن فتح مكتب للصين في دبي لأن التدفق التجاري بين الصين والشرق الأوسط من أكبر التدفقات في العالم. وقالت مينغ إن تسوية التجارة باليوان مسألة ستدرسها المزيد من الشركات في الشرق الأوسط. "إذا كانت تفكر جدياً في القيام بنشاط في الصين فيجب بالتأكيد أن تفكر في ذلك".