إنه لأمر غريب حقا، فبعد العمل ما يقرب من 20 عاما في مجال الكتابة عن العمل، تحقق أكبر اكتشاف لي عن طريق الصدفة في المطبخ بمنزلي.

الأمر كله بدأ بحادثة سقوط، حيث انكسر أخيرا منذ شهرين كرسي المائدة الفكتوري الذي تحمل وزني المتزايد على مدار العقدين الماضيين. انكسرت القاعدة وسقطت عبر الكرسي، وأصبحت عالقة داخل إطاره كمنديل مسحوب من داخل حلقة ضيقة.

بدأت بعد ذلك بمحاولة إخراج نفسي، ثم حملت قطعة الأثاث المكسورة إلى الأسفل لتنضم إلى نظيراتها في مقبرة الكراسي لدي في سرداب المنزل. وبينما أتفقد الخراب الذي حل بالمكان، راودتني رغبة مفاجئة بأن أفعل شيئا ما حيال ذلك. ولذلك، أمسكت بجهاز الآيباد الخاص بي، وقمت بإحضار الكتب، والأدوات، والمسامير، والإطار المكسور، وقطعة من الخيش، وقماش قطني، وما يسمى سكريم، وإبرة مقاسها عشر بوصات، وعوارض، وحقيبة تحتوي على خمسة كيلو جرامات من شعر الحيوانات. هذا هو جمال الحياة الحديثة: حيث إن لمسة واحدة على شاشة إلكترونية وتجد كل العدة التي تحتاج إليها لممارسة التجارة القديمة من الممكن أن تصلك مباشرة إلى باب منزلك.

وفي حين انتظاري وصول الأدوات التي قمت بطلبها شاهدت مقطع فيديو على موقع يوتيوب لرجل عجوز يتنفس بصعوبة، وهو يقوم بتثبيت الزنبركات في قاعدة الكرسي. فقد علمت في ذلك الحين أن عمل المفروشات والتنجيد سيكون أمرا رائعا. ولكنني لم أعرف حينها مدى روعة هذا العمل. ففي خلال يومين، أدركت أنني اكتشفت الأنموذج المثالي للعمل. ويبدو أن الكثير من الناس لا يعرفون ذلك، حيث تقول باميلا أندرسون إنه على قدر ما تستطيع أن تدرك، فالشخص الآخر الوحيد الذي اكتشف ذلك الأمر، اكتشفه بشكل غير متوقع إلى حد ما.

 وقالت في مقابلة لها إنها وجدت أن أعمال التنجيد والمفروشات أفضل من العمل في مجال الطب. والعمل في هذا المجال جعل أيضا العالم أكثر روعة بالنسبة لي عما كان في السابق. فعند النظر إلى الملكة في الملاحق التي لا حصر لها في احتفاليات اليوبيل الماسي، يجذب عيني في كل مرة المقعد الذي كانت تجلس عليه وتتكون أسئلة ملحة في ذهني. حيث أتساءل عن عدد المرات التي تم فيها استبدال المخمل الأحمر على كرسي العرش؟ وهل عقد هذا التقليم الذهبي بمسامير ملونة أم بغراء؟

ولذلك سأقوم بوضع مطرقتي جانبا وسأطرح سؤالا أعم من ذلك ألا وهو: ما الأمر الذي يجعل هذا النوع من الأعمال أكثر مثالية عن غيره؟

حياتي المهنية الجديدة كمنجدة أثاث أضفت بعض الأهمية على النظرية العصرية الجديدة للتحفيز التي تبناها المؤلف دانيال بينك، الذي يقول إننا نتوق إلى ثلاث صفات في وظيفتنا وهي: الاستقلال، الإتقان، والهدف من الوظيفة.

ومهنة التنجيد التي أشتغلها بها الاستقلال، فلا يوجد أحد يخبرني بما يتعين علي القيام به. وبها أيضا الإتقان، حيث إنني أتحسن على مدار الوقت فالمقعد الذي صنعته أخيرا كان حقا جيدا إلى حد ما. ولكن هل يوجد هدف لمهنتي؟ فقد عرف بينك هذه الصفة قائلا: "الهدف هو توقنا للوصول إلى شيء أكبر من ذاتنا".

فايننشال تايمز