في مدينة بابل القديمة التي كانت في وقت من الاوقات مهدا للحدائق المعلقة الخلابة يشق خط لانابيب النفط طريقه وسط القاذورات كاشفا عن معضلة :من ستكون له الاسبقية في الحفاظ على تراث العراق او تطوير ثروته النفطية.

وستتكشف الاجابة على الارجح بعد عشرات السنين. لكن الاسبقية في الوقت الحالي على ما يبدو للنفط. ويمسك العراق - الذي نشأ في موقع بلاد ما بين النهرين العتيقة التي يقول البعض إنها كانت مهد الكتابة والزراعة والقانون المدون - بمفاتيح كثيرة لتاريخ الحضارة.

وتعد الاثار مدعاة للفخر بالنسبة للعراقيين لكنهم يفاخرون ايضا بالثروة التي تعود على بلادهم من النفط. وبذلت مريم عمران موسى التي تدير موقع بابل لصالح الهيئة العامة للاثار والتراث جهدا كبيرا من اجل تغيير مسار خط انابيب بابل لكنها فشلت وتقاضي الان الوزارة.

وتصر وزارة النفط على انها تكبدت مشقة العمل بوتيرة بطيئة لكي تحمي الكنوز غير المكتشفة وان عملها اقتصر على المنطقة الواقعة بين الاسوار الخارجية والداخلية للموقع. وتتعهد منذ ذلك الحين بنقل مسار الخط بعيدا عن بابل اذا ما وجدت مسارا جديدا وهو تعهد يجد حتى خبراء النفط صعوبة في تصديقه بعد مد خط الانابيب بالفعل.

وقالت موسى بينما كانت تقف بجوار خط الانابيب المدفون إن النفط والاثار كلاهما ثروة وطنية لكن عندما ينفد النفط فستبقى الاثار. ويحول خبراء الاثار حاليا اهتمامهم لمواقع اخرى ويحدوهم الامل في تحديد وحماية ما يصل الى 20 الف موقع قبل ان تدمرها الهيئات الحكومية التي تحاول اعادة بناء اقتصاد دمرته سنوات من الحرب والعقوبات.

وجرى اكتشاف نحو 12 الف موقع اثري حتى الان - 700 منها في بغداد وحدها - لكن مسؤولي الاثار يقولون إنها تعرضت لحملات تدمير منتظمة. ولا يبدي نوري كاظم رئيس هيئة اثار بغداد تفاؤلا ازاء ايلاء الحكومة الاثار الاهتمام الذي تستحقه بالنظر لاولوياتها الاخرى.

وقال إن مشروعات الحكومة لن تتوقف بل على العكس ستزيد. وتوقع كاظم حدوث انتهاكات كثيرة اذا لم تصدر تعليمات من الحكومة تطالب بالتوصل لاتفاق مع هيئة الاثار قبل البدء في هذه المشروعات. وتقول وزارة النفط إن مشروعات خطوط الانابيب ضرورية لدعم هدف البلاد كي تصبح قوة نفطية عالمية كبرى.

وفي حين يقول كثير من خبراء النفط ان هذا الهدف طموح اكثر مما ينبغي فمن المتوقع ان يكون العراق اكبر مصدر جديد للنفط في العالم خلال السنوات القليلة المقبلة. ويهدف خط بابل الذي يدخل الخدمة في يونيو الى استكمال خطين للانابيب الى بغداد حالتهما سيئة نظرا لتقادمهما.

 وينقل الخط نحو 45 الف برميل من النفط يوميا من البصرة في الجنوب الى العاصمة للاستهلاك المحلي. ويرى عراقيون مثل المحلل النفطي المقيم في بغداد حمزة الجواهري ان على خبراء الاثار ان يولوا اعادة بناء البنية الاساسية المدمرة نفس القدر من الاهمية بالاثار في بلد يحفل بالمواقع الاثرية.