كان 2011 عاماً من التحولات السياسية الكبرى في كثير من بلدان المنطقة ــ تونس ومصر واليمن وليبيا. ولا تزال الإصلاحات السياسية جارية في كثير من البلدان الأخرى في المنطقة. وبينما كانت الأنظار كلها مركزة على التطورات السياسية، شهد الموقف الاقتصادي تدهوراً حاداً في ذلك العام.

وتُستثنى من ذلك بلدان الخليج المصدرة للنفط، لأن أسعار النفط سجلت زيادة قوية وصلت إلى 8% في عام 2011.

وبالنسبة للبلدان المستوردة للنفط، تحركت معظم المؤشرات الاقتصادية في الاتجاه الخاطئ ــ حيث انخفض النمو إلى النصف، وتراجع النشاط الاستثماري وحركة السياحة، وتضخَّم عجز المالية العامة عندما قامت الحكومات بزيادة الإنفاق على الأجور والغذاء ودعم الوقود استجابة للضغوط الاجتماعية، وانكمشت الاحتياطيات وهبطت تقديرات التصنيف الائتماني. ونرى نفس المنوال في مختلف بلدان التحول العربي.

وما لم يقترن التحول السياسي بتحول اقتصادي مواز، فإننا نتعرض لخطر الفشل على الجبهتين. وينبغي أن يكون 2012 و2013 عامي «الربيع الاقتصادي»، حيث تحدد بلدان المنطقة استراتيجيات اقتصادية جديدة تلبي مطالب التوظيف والإنصاف، بينما تحافظ على استقرار الاقتصاد الكلي الذي يمثل عاملاً جوهرياً في تحقيق النمو.

فما هي العناصر الأساسية التي يتألف منها هذا «الربيع الاقتصادي»؟ لا شك أن كل بلد سيختلف عن البلدان الأخرى وسيكون عليه تحديد استراتيجيته الخاصة في هذا السياق.

إن البلدان المستوردة للنفط ينبغي أن تستجيب للضغوط الاقتصادية والاجتماعية المشروعة عن طريق تحرير قدر من الموارد للاستثمار في توظيف العمالة مستقبلاً. لكن القيام بذلك مع الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي سيكون بمثابة تحدٍ أمام هذه البلدان. وسيكون هناك مجال أمام بعض البلدان لزيادة الإيرادات بما لا يلحق الضرر بشرائح السكان الأقل حظاً. والمجال واسع أمام كثير من البلدان لتحرير قدر من الموارد عن طريق تحسين استهداف الدعم. فالدعم على أسعار الطاقة يستهلك ما يقرب من 200 مليار دولار في المنطقة.

ولا يستفيد الفقراء بأكثر من 20% من هذا المبلغ. وبتوجيه الموارد إلى المحتاجين إليها فقط، يمكن تحرير قدر من الموارد يتم توجيهه إلى الاستثمار في التعليم والبنية التحتية لاستحداث عدد يتراوح بين 50 و75 مليون وظيفة مطلوبة في العقد القادم للجيل الذي قدم لنا الربيع العربي.

وإضافة إلى تنفيذ تدابير لتعديل أولويات الموازنة العامة، هناك أهمية تعلَّق على تعبئة التأييد الخارجي للمساعدة في تمويل عجز المالية العامة، وتحقيق استقرار الاحتياطيات، واستعادة ثقة المستثمرين. ومن الضروري تحسين مناخ الاستثمار لاستعادة ثقة المستثمرين وإعطاء دفعة للنمو الاقتصادي.

وسيكون من الضروري في هذا السياق اتباع منهج للنمو يركز على قاعدة أوسع من المواطنين ويعمل على إقامة شبكات أقوى للأمان الاجتماعي تتسم بدرجة أكبر من الدقة في استهداف الفقراء.