أول دولة تلزم المؤسسات العامة بالإنفاق على الأبحاث والتطوير

الإمارات تحدث نقلة نوعية في تبني الابتكار

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال الدكتور سامي محروم، رئيس مبادرة تطوير سياسات دعم الابتكار في كلية إنسياد لإدارة الأعمال، إن العام الجاري شهد مبادرات استراتيجية من شأنها إحداث نقلة نوعية في تبني الابتكار وتطوير آلياته في منظومة العمل الحكومي في الإمارات، حيث تم تأسيس «مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي» وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للابتكار، إضافة إلى إعلان عام 2015 عاماً للابتكار في الدولة.

وأوضح في حوار مع «البيان الاقتصادي» بأن هذه الخطوات تسهم في ترسيخ الدور الحكومي القيادي في نشر ثقافة الابتكار وتبنيها في مختلف المجالات، لافتاً إلى أن الإمارات حققت بذلك الأسبقية على المستوى العالمي، إذ لم تقم أي دولة في السابق بتحديد هدف إلزامي للمؤسسات الحكومية لكي تنفق على الأبحاث والتطوير، حيث عادة ما يأتي الابتكار الحكومي في بعض الدول نتيجة مبادرات ذاتية أو عرضية.

وتابع محروم قائلاً: إن السنوات القليلة الماضية شهدت تركيزاً عالمياً واسعاً على البيانات الكبيرة، وذلك بوصفها مكوناً أساسياً من اقتصاد الخدمات المعتمدة على الكثافة المعرفية.

لافتاً إلى تمتع دبي والإمارات بميزة تنافسية في هذا القطاع على المستوى الإقليمي في ظل ارتفاع نسبة وكثافة استخدام أجهزة الكمبيوتر والهواتف المتحركة وتطبيقاتها، حيث نجحت دبي في بناء مؤسسات ناشطة تلعب دور حاضنات كبرى للبيانات على غرار الحكومة الذكية.

ويمتد استخدام البيانات في الإمارة على نطاق واسع جداً، بدءاً من الحكومة الذكية مروراً بالمؤسسات الحكومية وخدماتها كالاتصالات والمواصلات مروراً بالبنوك والفنادق، وأكد أهمية الربط بين مختلف تلك الجهات عبر الشبكة الذكية لإنترنت الأشياء.

حيث تتميز البيانات المجمعة بالغنى والتنوع بالتزامن مع ارتباط قواعد البيانات مع بعضها البعض بشكل متزايد، إذ توجد في دبي خصوصاً والإمارات عامة بيانات عن فئات سكانية متنوعة من أكثر من 200 جنسية، ويشمل ذلك المقيمين والزوار والسياح، ما يشكل مصدراً غنياً لتطوير ابتكارات مدفوعة بالبيانات الكبير.

 

وتالياً نص الحوار:

ما أبرز المجالات التي تُمكن دبي من تعزيز اعتمادها على اقتصاد المعرفة؟

بدأ العالم يشهد أخيراً تركيزاً كبيراً على قطاع البيانات الكبيرة، ويأتي ذلك كجزء أساسي من اقتصاد الخدمات الناشئ بقوة على الصعيد الدولي، وخاصة فيما يتعلق بالكثافة المعرفية.

وتتميز دبي والإمارات بميزة تنافسية في هذا القطاع على المستوى الإقليمي في ظل ارتفاع نسبة وكثافة استخدام أجهزة الكمبيوتر والهواتف المتحركة وتطبيقاتها.

وقد نجحت دبي في بناء مؤسسات ناشطة تلعب دور حاضنات كبرى للبيانات على غرار مبادرة «الحكومة الذكية»، ويمتد استخدام البيانات في الإمارة على نطاق واسع جداً، بدءاً من الحكومة الذكية مروراً بالمؤسسات الحكومية وخدماتها كالاتصالات والمواصلات مروراً بالبنوك والفنادق.

 ومن هنا تبرز أهمية الربط بين مختلف تلك الجهات عبر الشبكة الذكية لإنترنت الأشياء، حيث تتميز البيانات المجمعة بالغنى والتنوع بالتزامن مع ارتباط قواعد البيانات مع بعضها البعض بشكل متزايد.

وتتواجد في دبي خصوصاً والإمارات عامة بيانات عن فئات سكانية متنوعة من أكثر من 200 جنسية، ويشمل ذلك المقيمين والزوار والسياح، مما يشكل مصدراً غنياً لتطوير ابتكارات مدفوعة بالبيانات الكبير أو data driven innovation.

وعلى المستوى العالمي، بدأت كل من السويد وفنلندا بإنشاء مراكز للبيانات الكبيرة لتعزيز مكانة كل من الدولتين كمركز للابتكارات المدفوعة بالبيانات.

ويتسع استخدام البيانات الكبيرة ليشمل مختلف مجالات الحياة، فعلى سبيل المثال، كان رصد ازدحام السيارات في السابق يتم عبر مراقبة الشوارع بشكل مباشر أو عبر الكاميرات، لكن يمكن أن يتم ذلك حالياً عبر رصد إشارات الهواتف المتحركة في شارع معين وتحديد وجود اختناقات مرورية نتيجة وجود عدد إشارات هاتفية أكبر من المعتاد في تلك النقطة.

كما تعتمد السيارة من دون سائق التي تطورها شركة غوغل على البيانات الكبيرة التي تحصل عليها عبر الأقمار الاصطناعية وتغطي حالة السيارات والشوارع المحيطة بالسيارة من خلال بث حي ومباشر.

وتفتح البيانات الكبيرة آفاقاً جديدة للابتكار لأنها توفر مؤشرات دقيقة ومتنوعة عن أنماط الاستهلاك وتوجهات الأفراد في مختلف القطاعات. وانطلاقاً من هذه المعطيات، من الضروري بمكان أن تبادر دبي بتشجيع تأسيس شركات متخصصة في تحليل البيانات من أجل تعزيز استخداماتها في إطار اقتصاد المعرفة.

تطوير تنموي

ما أهمية الدور الحكومي في تطوير اقتصاد المعرفة وتعزيز الابتكار على المستوى المحلي؟

إن التركيز على الابتكار من قبل الحكومة والجهود المتواصلة لتعزيز آلياته ضمن العمل الحكومي يصب مباشرة في تطوير المعرفة، حيث يسهم هذا التوجه في دعم إيجاد الحلول لخدمة مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.

إذ لا يمكن إحداث تطوير تنموي دون مواكبة من القطاع الحكومي لهذا التوجه، وانطلاقاً من ذلك تم الاعتماد على الابتكار لمواجهة التحديات والعقبات التي تعترض آلية العمل الخدمي والخطط الحكومية والتغلب عليها، بحيث يتم تعميم ثقافة الابتكار في القطاع العام لمواكبة أحدث التطورات والمستجدات التقنية واستخدام المعرفة من القطاع الخاص من أجل ردم الهوة بين متطلبات المجتمع والأفراد.

وعلى مستوى الإمارات، شهدت خارطة الابتكار في الدولة مبادرات نوعية خلال العام الجاري، ما يعزز مكانته الاستراتيجية في صلب السياسات الحكومية محلياً واتحادياً، حيث تم إطلاق «مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي»، والذي سيوفر خدماته لكافة الجهات الاتحادية والمحلية.

وسيعمل على تطوير منظومة متكاملة من الأدوات الحديثة لمساعدة الجهات الحكومية على الابتكار في مجالات السياسات الحكومية والخدمات المقدمة للجمهور، إضافة إلى الهياكل التنظيمية والعمليات والإجراءات، بما يعزز من تنافسية الدولة في القطاع الحكومي ويعمل على تحويل الابتكار الحكومي لعمل مؤسسي منظم ضمن حكومة دولة الإمارات.

كما شهد شهر أكتوبر من العام الجاري إطلاق الاستراتيجية الوطنية للابتكار، والتي تهدف لجعل الإمارات ضمن الدول الأكثر ابتكاراً على مستوى العالم خلال السنوات السبع المقبلة.

وتتضمن الاستراتيجية التي تعمل ضمن أربعة مسارات متوازية 30 مبادرة وطنية للتنفيذ خلال السنوات الثلاث المقبلة كمرحلة أولى تشمل مجموعة من التشريعات الجديدة.

ودعم حاضنات الابتكار وبناء القدرات الوطنية المتخصصة ومجموعة محفزات للقطاع الخاص وبناء الشراكات العالمية البحثية وتغيير منظومة العمل الحكومي نحو مزيد من الابتكار وتحفيز الابتكار في 7 قطاعات وطنية رئيسية، هي الطاقة المتجددة والنقل والصحة والتعليم والتكنولوجيا والمياه والفضاء.

وخلال شهر نوفمبر تم إعلان عام 2015 عاماً للابتكار في الدولة، مع توجيهات لجميع الجهات الاتحادية بتكثيف الجهود وتعزيز التنسيق والبدء بمراجعة السياسات الحكومية العامة بهدف خلق بيئة محفزة للابتكار تصل بدولة الإمارات للمراكز الأولى عالمياً في هذا المجال.

وتأتي جميع تلك المبادرات ترسيخاً للدور الحكومي القيادي في نشر ثقافة الابتكار وتعزيز آلياته في مختلف المجالات، وتحقق الإمارات بذلك الأسبقية على المستوى العالمي، إذ لم تقم أي دولة في السابق بتحديد هدف إلزامي للمؤسسات الحكومية لكي تنفق على الأبحاث والتطوير، حيث عادة ما يأتي الابتكار الحكومي في بعض الدول نتيجة مبادرات ذاتية أو عرضية.

لذا فإن إلزامية تطوير الابتكار لدى المؤسسات الحكومية في دبي والإمارات يعزز من فعالية وسائط الاقتصاد التبادلي مثل المطار والموانئ ويواكب أحدث المستجدات في العمل التنموي والخدمي.

يستحوذ القطاع الحكومي في الإمارات على أكبر حصة من الطلب على الابتكار في الدولة، ومن شأن استراتيجية الابتكار التي تم إقرارها أخيراً أن تعزز من الآليات الابتكارية ليس على المستوى الحكومي فحسب، بل أيضاً بالعمل المشترك مع القطاع الخاص، وذلك لابتكار الحلول الناجعة في مختلف المجالات.

اقتصاد المعرفة

اقتصاد المعرفة هو الاقتصاد المبني والمعتمد بالدرجة الأولى على القيمة المضافة المستقاة أو المنتجة من استعمال المعرفة، فالاقتصاد التقليدي يعتمد على مدخلات الإنتاج كالموارد الطبيعية واليد العاملة وكثافة رأس المال وغيرها، لكن في العصر الحالي بات بالإمكان استخدام المعرفة دون الحاجة لإحدى المدخلات التقليدية، لخلق قيمة مضافة على المنتج أو على الخدمة.

دبي طورت اقتصاداً خدمياً ذا كثافة معرفية

 

أكد الدكتور سامي محروم أن أحد أبرز إنجازات دبي، تجسد في انتقالها الناجح إلى اقتصاد الخدمات خلال السنوات الماضية، وقد بات اقتصاد الخدمات عالمياً أكثر اعتماداً على المعرفة بمختلف أنواعها وفي مقدمتها التقنيات الحديثة.

وذلك بهدف رفع مستوى الإنتاجية من حيث الكم والنوعية، حيث تحولت القطاعات الأساسية ضمن اقتصاد الخدمات ذات كثافة معرفية أعلى، وفي مقدمتها قطاع خدمات الأعمال أو ما يسمى «knowledge intensive business services»، ومن ضمنها الخدمات المالية والتسويق وغيرها، وهي قطاعات نجحت دبي في تطويرها وتعزيز مساهمتها في حركة النمو الاقتصادي، ونتيجة لذلك يتميز اقتصاد الإمارة بكثافة معرفية مرتفعة.

وأشار محروم إلى أن مؤشرات تطور الكثافة المعرفية لاقتصاد دبي تتمثل في عدة جوانب، يأتي في مقدمتها الازدياد الملحوظ في نسبة خريجي الجامعات من إجمالي القوى العاملة، وارتفاع الطلب على الخريجين الجامعيين ممن يتمتعون بالخبرات والمعلومات الاختصاصية.

وهي مؤشر على الكثافة العلمية، فيما يتمثل المؤشر الآخر في حصة البضائع والسلع ذات الكثافة المعرفية العالية من إجمالي الواردات والصادرات، حيث تستحوذ المنتجات التقنية المتطورة على نسبة كبيرة من واردات دبي.

وأكد من جانب آخر أهمية مستوى التطور الاقتصادي في البضائع المصدرة أو ما يسمى «economic complexity»، إذ كلما ارتفعت نسبة المنتجات ذات التطور التقني في الصادرات، ازداد اعتماد البلد المصدر على المعرفة مع تعزيز تنافسيته، نظراً لمحدودية وجود منتجات مشابهة تتميز بذات المستوى من التعقيد بشكل واسع في الأسواق الأخرى.

وقد طورت دبي نظاماً اقتصادياً مبنياً على بنية تحتية حديثة جداً وقوى عاملة مؤهلة ذات مكونات عالمية، إضافة إلى خدمات نوعية لرواد الأعمال والشركات ومجتمع المال والأعمال للمساهمة بفعالية في منظومة الاقتصاد العالمي.

ومن هنا برز التوجه للتركيز على تحقيق الاستفادة المثلى من المقومات الأساسية التي تتمتع بها دبي ومن ضمنها الموقع الجغرافي والتنوع الثقافي والانفتاح، حيث طورت الإمارة دورها التاريخي عبر بناء المطارات والموانئ الحديثة لخدمة حركة الطيران والتجارة العالمية، كما تسعى دبي حالياً لخدمة الاقتصاد الإسلامي وتطويره وترسيخ مكانتها كعاصمة له.

ونجحت دبي في توظيف مكانتها، الوجهة الأبرز معرفياً من حيث البيئة القانونية والخدمية لتعزيز تطور الاقتصاد الإسلامي واستقطاب المستثمرين والمستهلكين، بحيث يتم تطوير نموذج عمل خاص بهذا القطاع، ويأتي ذلك في ظل موقع دبي كالمنصة الأبرز لالتقاء العالم الإسلامي مع الحضارات الأخرى والتفاعل الإيجابي فيما بينها.

يجب الانتقال إلى مرحلة بناء القيمة المضافة

رأى الدكتور سامي محروم أن ما حققته دبي من إنجازات خلال السنوات الماضية، يحتم على الإمارة الاستفادة من نجاحاتها المتعددة والتوسع أفقياً في بعض منها للانتقال إلى مراحل متقدمة، أي ألا تكتفي ببناء شركات رائدة ومبتكرة فقط، بل الارتقاء بإمكاناتها إلى مرحلة التنافس عالمياً على نطاق أوسع.

وأشار محروم إلى أن دبي حققت ذلك من خلال بعض الشركات على غرار شركة طيران الإمارات وموانئ دبي العالمية وسوق دبي الحرة، لكن لا يجب التوقف عند هذه الإنجازات والاكتفاء بشركة أو شركتين، بل يجب استنساخ تلك التجارب الناجحة في قطاعات جديدة، حيث تتمتع مجالات التقنية الحديثة بمردود اقتصادي أعلى، من خلال توفير عائد أكبر على كل دولار يتم استثماره مثل التقنية الحيوية وتقنية النانو.

ويمكن أيضاً أن تقوم الشركات الناجحة في قطاعات تقليدية، بخلق أسواق جديدة أو خدمات ومنتجات مبتكرة في أسواق نوعية جديدة بما يسمى باستراتيجية المحيط الأزرق، أي تلك المجالات التي لا تشهد منافسة حقيقية بعد، ما يمكنها أيضاً من تحقيق عوائد وأرباح أكبر.

وهنا تبرز ضرورة تنويع الإنفاق على تطوير الابتكار واعتماد مستوى محدد من المخاطر، أي أن تتوزع 75 من الاستثمارات على التنويع المترابط، فيما يتم تخصيص 25 % كرأس مال مغامر في حقول وقطاعات جديدة.

التنويع المترابط يعزز الابتكار في القطاعات الناجحة

أشار الدكتور سامي محروم رئيس مبادرة تطوير سياسات دعم الابتكار في كلية إنسياد لإدارة الأعمال، إلى أن دبي تجاوزت مرحلة تعبئة الموارد وبدأت الاستثمار في الابتكار، ويمكن اتخاذ القطاعات الاقتصادية التي تميزت فيها كالسياحة وتجارة التجزئة والنقل واللوجستيات، إضافة إلى الإنشاءات كقاعدة انطلاق نحو الخطوة التالية، بالاستفادة من ميزة الاستقرار السياسي والاجتماعي.

وأضاف: ينبغي أن تتم دراسة مجالات تنتمي قطاعياً لتلك النجاحات لكن تختلف عنها، على غرار صيانة الطائرات وصناعة قطع الغيار بالنسبة لطيران الإمارات التي يمكن لها أيضاً، وفي إطار تميز خدماتها، إطلاق شركة متخصصة في التصميم الداخلي للطائرات ومفروشات المقاعد، ويمكن أيضاً إضافة لمسة شرقية تعكس خصوصية المنطقة العربية.

وتسمى هذه السياسة بـ«التنويع المترابط»، أي التنويع المبني على الابتكار وتوظيفه في خدمة القطاعات الناجحة، وذلك باعتماد نقاط القوة التي تتمتع بها الإمارة وشركاتها وبناء تنافسية عالمية انطلاقاً منها، فعلى سبيل المثال يمكن أيضاً الابتكار والتنويع في مجال الأبنية الخضراء في ظل ازدهار دبي العمراني، أو تجديد الأبنية القديمة بما يتوافق مع المعايير البيئية، وذلك بتأسيس شركات تطور تقنيات جديدة في هذه المجالات لتصدرها لاحقاً إلى العالم.

Email