دعا خبراء في مؤسسات مالية عالمية مرموقة إلى إقامة شراكات بين المصارف المحلية في الإمارات ونظيراتها العالمية، على نحو يمكنها من زيادة حصتها في أنشطة تمويل المبادلات التجارية بين منطقة الشرق الأوسط والأسواق الصاعدة والتي من المتوقع أن تتراوح قيمتها بين 350 و500 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2020، مشيرين إلى أن تعاظم فرص المصارف المحلية في الاستفادة من الفرص المتاحة في هذا القطاع التمويلي، بعدما حازت الإمارات على ترقية لأسواقها من فئة شبه ناشئ إلى ناشئ على مؤشر مورجان ستانلي للأسواق الصاعدة، فضلاً عن امتلاك الدولة مقومات وركائز تؤهلها لأن تتبوأ مكانة المركز التمويلي الرئيس للتجارة العابرة للحدود فيما بين الاسواق الصاعدة مع بعضها البعض.
ونصح الخبراء المصارف المحلية بابتكار منتجات تمويلية تكون بمثابة الأساس لبناء علاقات مشاركة قوية مع المصارف الدولية التي تمتلك خبرات طويلة في هذا المجال، كما نصحوا بأن تعمل مصارف الدولة المؤهلة لتمويل أنشطة التجارة العابرة للحدود بأن تتبادل خدمات المنافذ المصرفية مع المصارف العالمية، وهو ما سوف يتيح إرساء علاقات تعاونية تحقق المصالح المشتركة فيما بين المصارف مع بعضها البعض.
وفي هذا المجال، أفادت تقديرات تضمنها تقرير صادر مؤخراً عن شركة «ماكِّنزي آند كومباني» بأنه من المتوقع أن ترتفع قيمة المبادلات التجارية بين منطقة الشرق الأوسط والأسواق الصاعدة إلى ما يتراوح بين 350 و500 مليار دولار أميركي بحلول عام 2020، ولفت التقرير إلى أن دول الخليج العربي بحصة الأسد من هذه المبادلات التجارية.
وأورد بعض الأمثلة الدالة على تنامي أهمية العلاقات التجارية بين الشرق الأوسط والصين، منها إطلاق المشروع المشترك بين شركة سينوبِك (الشركة الصينية للصناعات البتروكيماوية) وتحالف أرامكو السعودية والذي قد يشكل بداية إقامة العديد من المشاريع المماثلة في المستقبل.
وقيم الخبراء أن الحاجة لدعم هذه التبادلات التجارية المتنامية والتي تتطور حالياً لتتجاوز النفط والسلع الأساسية لتشمل أيضاً السلع الاستهلاكية تشكل تحدّيا مهما للمصارف بشكل عام والمصارف التي تهيمن الشركات الصغيرة والمتوسطة على قاعدة عملائها بصفة خاصة.
بالنظر إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تواجه متطلبات تجارية أكثر فردية من غيرها من فئات الشركات، فهي تجد أن الكثير من حلول التعاملات المصرفية السائدة اليوم لا تلبي في الغالب احتياجاتها المتغيِّرة.
ويعود السبب في ذلك إلى أن أغلبية الحلول السائدة والتي تشمل تمويل التجارة وخدمات إدارة رأس المال العامل، تستهدف بشكل لا يمكن تفاديه الأنماط التجارية الراسخة التي تتمحور حول الأسواق النامية، والأقل مناسبة للتحديات الفريدة للتجارة البينية بين دول الأسواق الصاعدة.
خطوة على طريق التطور
وتأتي هذه التقييمات في إطار جهود اللاعبين الماليين في الدولة التي تستهدف استكشاف أفق المكاسب والفرص التي يمكن جنيها بعد ترقية أسواق الإمارات إلى فئة ناشئ، حيث قال حامد علي، الرئيس التنفيذي بالوكالة في ناسداك إن قرار "ام اس سي آي" لترقية أسواق الإمارات ليس سوى البداية. مشيراً إلى أن الإمارات لن تكتفي بهذا القدر، حيث إن العاملين في الأسواق المالية ملتزمون جميعاً بتوسيع نطاق هذه الأسواق وتطويرها.
ولفت إلى أنه يجري ترجمة هذا الالتزام في ناسداك دبي، بجهود نحو إنشاء أسواق جديدة ومنتظمة حيث بإمكان المستثمرين تداول مجموعة متزايدة من فئات الأصول ليست متاحة لهم حالياً في بورصات منطقة الشرق الأوسط، ما من شأنه، أكثر من التصنيفات التي تقوم بها وكالات التصنيف، استقطاب المزيد من الاستثمار الإقليمي والدولي.
مصالح ومنافع مشتركة
وقدرت أبانا عقاد أزهري رئيسة إدارة العلاقات التجارية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى إدارة خدمات الخزانة في «بي إن واي ملن» بأن هناك منافع ومصالح مشتركة تعزز فرص وإمكانيات إقامة علاقات مشاركة بين المصارف المحلية في الإمارات ومثيلاتها العالمية، ورصدت أوجه هذه المنافع المشتركة بإشارتها إلى أن المصارف العالمية قد تمتلك القدرة على توفير أفضل الإمكانيات على الإطلاق وخدمات تتسم بالتناسق عبر العالم، إلا أنها لا تستطيع مضاهاة قدرة المصارف المحلية على تفهُّم أسواقها وعملائها المحليين.
وبالتالي، فإن الشراكة بين المصارف المحلية ونظيرتها العالمية توفر للمصارف المحلية حلولاً شاملة تجمع بين المعرفة الوثيقة بالأسواق المحلية والتقنيات القوية بما فيه الكفاية لتحقيق تشغيل متميز عبر مختلف المناطق الجغرافية، وأوضحت أن المصارف عموماً والمصارف الإقليمية الصغيرة بصفة خاصة تواجه مخاطر مماثلة لتلك التي يواجهها عملاؤها من الشركات فيما يتعلق بضغوط توفير التمويل ورأس المال العامل الضروريين وتحديات التوسع.
وأشارت إلى أن تطوير التكنولوجيا والشبكات المستخدمة قد يتطلب استثمارات كبيرة، كما يواجه العديد من المصارف المحلية صعوبات في تصميم وتطوير وتنفيذ وتحديث الحلول المتطورة تكنولوجياً، التي تحتاج إليها المؤسسات التجارية للتمكن من الاستفادة من الأحجام المتنامية للمبادلات التجارية فيما بين دول الجنوب.
وقد تواجه المصارف المحلية صعوبات في توفير المعارف والقدرات الإشرافية والعلاقات العالمية التي تحتاج إليها الشركات بشكل متزايد، وهو ما يشكل مصدر قلق كبير نظراً لأهمية تناسق مثل هذه الخدمات عبر الحدود.
مقومات قوة المصارف المحلية
وشرحت أوجه مقومات قوة المصارف المحلية بقولها: «لا يعني ذلك أن المصارف المحلية في المنطقة عاجزة عن تقديم خدمات مناسبة، لأنها تمتلك خبرات ومعارف لا تضاهى بأسواقها المحلية تدعمها علاقات تاريخية متينة وفائقة القيمة مع عملائها من الشركات المحلية، الأمر الذي يضيف قيمة كبيرة لخدماتها.
إلا أنه وعلى الصعيد التكنولوجي، ونظراً لكون التكنولوجيا تشكل عامل تفعيل حيويا للتجارة الدولية، قد تجد المصارف الصغيرة صعوبة كبيرة في تلبية المتطلبات التشغيلية متزايدة الصعوبة والناجمة عن النمو السريع للتجارة العابرة للحدود، نظراً لاستمرار ارتفاع تكاليف وتزايد تعقيد تلك المتطلبات».
وحددت رئيسة إدارة العلاقات التجارية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى إدارة خدمات الخزانة في «بي إن واي ملن» أوجه التحديات التي تواجه المصارف المحلية في التالي:
أولاً: تصاعد نطاق المخاطر، خاصة وأن القطاع التجاري يعتمد على مبادئ المعرفة والثقة والاتصالات المتبادلة بين الفرقاء المعنيين، وهي مبادئ تعاني الشركات في تطبيقها ضمن الأسواق غير المألوفة لها.
ثانياً: في التعقيدات المتزايدة الناجمة عن تعقيد واختلاف الأنظمة ومستويات التطور التشغيلي بين الأسواق، ويشكل هذان التحديان عقبة أمام الجهود المبذولة لتعزيز سرعة وكفاءة العمليات، الأمر الذي يوضح الأهمية الحيوية لمعرفة كيفية تسريع تسديد قيمة تلك التبادلات، وبالتالي تخفيض تكاليف الإجراءات المصرفية وتسريع دورة تبادل القيمة النقدية.
ثالثاً: القدرة على دفع واستلام قيمة الصفقات التجارية بعملات حديثة العهد في هذا المجال، مثل الريمنبي الصيني (اليوان) والذي بات يلعب دوراً رئيسياً بهذا الشأن. وقد تجد الشركات في الواقع، أن القدرة على السداد باستخدام الريمنبي الصيني تشكل ميزة لها، لأنها تتيح تحديد قيمة جميع الصفقات التجارية المتبادلة مع شركات صينية بعملة واحدة، ما يُسَرِّع بالتالي تنفيذ تلك الصفقات ويعزز من مستويات كفاءتها ويزيل مخاطر.
ورأت أبانا عقاد أزهري أن دقة البيانات تعتبر حجر الأساس في التواصل مع الفرقاء التجاريين الآخرين، ويمكن استخدامها كمؤشر موثوق للقوة المالية للشركات ووسيلة لتوضيح المخاطر المحتملة قبل أن تُحدِثَ أية أضرار أو أن تؤدي إلى عرقلة سلسلة الإمداد.
ولا يتمثل التحدي الحقيقي في هذا المجال في إقامة قنوات للحصول على البيانات فحسب، ولكنه يمتد ليشمل أيضاً ضمان الحصول على البيانات المعنية الصحيحة، لأن كثرة تلك البيانات وقلَّتها على حد سواء تتسبب في حدوث مشاكل. ونتيجة لذلك، باتت إدارة البيانات نشاطاً متزايد التخصصية.
وأوضحت أبانا عقاد أزهري أنه يمكن استخدام الأدوات التجارية المعتمدة، مثل خطابات الاعتماد المستندية في تخفيض المخاطر، حيث مازالت خطابات الاعتماد المستندية تشكل طريقة السداد المفضَّلَة للتجارة البينية بين دول الأسواق الصاعدة والأسواق الأكثر تحفُّظاً على حدٍّ سواء. وتتمثل السلبية الوحيدة لهذه الطريقة في السداد في أنها قد تكون غير فعالة وتتطلب عمالة كثيفة، وهي مشكلة يمكن تسويتها إذا ما تم الجمع بين مزايا تخفيض المخاطر والأتمتة المتزايدة للإجراءات المصرفية.
الحلول الالكترونية
ولفتت إلى أنه من المؤكد أن المنصات والحلول الإلكترونية قادرة على تخفيض التكاليف وتحسين قدرات المتابعة وتخفيض أعباء إعداد التقارير. لكن مستويات الأتمتة مازالت تتباين بشكل ملحوظ بين منطقة وأخرى وحتى داخل كل منطقة على حدة، كما هو الحال في الشرق الأوسط. وأشارت إلى أن تحسين قابلية متابعة كامل سلسلة الإمداد ودورة التعاملات. ويوفر تعزيز الشفافية في الواقع، وخاصة بالنسبة للسيولة النقدية، ميزة إضافية تسهم في تعظيم كفاءة إدارة رأس المال العامل.
وشرح كيسار بيريز كبير محللي الاستثمار في الأسواق الصاعدة ببنك «جي بي مورجان» معالم قوة النظام المصرفي والتي تؤهله للاستفادة من الفرص الضخمة السانحة بإشارته إلى أن نمو قطاع غير الهيدركربوني سيكون مدعوما بنمو قطاعي الاستثمارات والاستهلاك العائلي، فمن المتوقع خلال العام الجاري أن ينمو القطاع الأول بمعدل 11.3% والثاني 9.6% ، كما ستقدم أسعار النفط المرتفعة التعزيز والدعم الملائمين من حيث التوقيت للإيرادات العامة في ظل ما شهده العام الماضي من توسع سريع.
ولفت إلى أن المسألة المهمة تتمثل في اعتماد نمو قطاع العقارات في دولة الإمارات بشكل متزايد على وتيرة الانتعاش الاقتصادي في إمارة دبي، وذلك بعد مرور ثلاث سنوات على إعادة هيكلة مجموعة دبي العالمية، حيث تبين أغلب المؤشرات الاقتصادية أن إمارة دبي تشهد تعافيا متواصلا ومنتظما على مدار السنوات التالية على 2011 حيث جذبت الإمارة تدفقات رأسمالية وسياحية لأسباب يعود جزء منها إلى ما تشهده المنطقة من حالة عدم استقرار اجتماعي، فعلى سبيل المثال، تزايد تدفق المسافرين عبر مطار دبي بمعدل 13% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2012، فيما تعافت الصفقات العقارية بشكل منتظم ومتواصل منذ العام 2009، وذلك رغم أن الحجم الإجمالي لكل صفقة مازال يسلك مسار الهبوط.
الاقتصاد العالمي
واعرب كيسار بيريز عن اعتقاده بأن الاقتصاد العالمي سيواصل التباطؤ خلال العام 2013، ولكنه سيكون عاماً أفضل بالنسبة للنمو العالمي، معربا عن وجهة نظره بأن الاقتصاد العالمي سيكون مدفوعا بالمقومات عوضا عن التهديدات المنخفضة المخاطر، وأن النمو الذي سوف يحققه الاقتصاد العالمي سوف يقف عند مستوى أقل من الاتجاه العام لنمو الاقتصاد العالمي، حيث سيكون معدل النمو عند مستوى 3%، وأشار إلى أن المصارف المركزية المتواجدة في الأسواق الصاعدة مازالت تدعم عالما منخفض التضخم والنمو معاً، فيما تواجه الأصول مخاطر ترتبط بالفقاعات الهوائية، ولكنها سوف تواصل الحصول على دعم بشكل أفضل.
واختتم كيسار بيريز تقييمه العام بالنسبة للإمارات بقوله: «نحن نأمل أن تساعد التطورات في المنطقة في زيادة مستويات الشفافية وتحفيز اهتمام المستثمرين الدوليين للمشاركة في الأسواق المحلية، وعلى المدى الأطول، فإنه من شأن تزايد اهتمام المستثمر الأجنبي أن يؤدي إلى زيادة سيولة التداول على الأسهم في أسواق المال بالمنطقة».
تحسن عام لمخاطر الائتمان
قيم ف. تيوميشن مدير مشارك التصنيفات التحليلية للمؤسسات المالية بمؤسسة «ستاندارد أند بورز» مصارف أبوظبي بأنها تبلي أداءً طيباً، وبالتالي، فإن قصة نجاح الإمارات هي في جوهرها قصة نجاح مدينتين وهما أبوظبي ودبي، والمتوقع أن يستمر هذا السيناريو في العام 2013
وأضاف في تقييمه بقوله: كان نمو الائتمان في الإمارات خلال العام 2012 محدودا على غرار الحال في العام 2011 ولكن تراجعت مخصصات مواجهة تعثر القروض بالنسبة إلى الأرباح التشغيلية مقارنة بالعام 2011، وهو ما ساعد أغلب المصارف في الإمارات على تحقيق نمو في عوائدها، حيث إن خسائر الائتمان آخذة في الانحسار تدريجياً.
وتابع تيوميشن تقييمه بقوله: تقوم المصارف بزيادة المخصصات للأصول قصيرة الأجل، وذلك في ظل غياب نمو الائتمان، ورغم أن هذا الأمر يؤثر بالإيجاب على أوضاع السيولة داخل المصارف بشكل عام نتيجة لانخفاض أسعار الفائدة على المدى القصير، إلا أنه في الجانب المقابل، تأثر صافي هامش الفائدة لدى مصارف معينة على مدار العام 2012 وحتى الآن.
وخلص تيوميشن في تقييمه إلى القول: رغم التحسن العام لمخاطر الائتمان في النظام المصرفي، حيث يحفل النظام المصرفي بقدر كبير من عمليات إعادة هيكلة الانكشافات،
حصة الأسواق النامية
تشير إحصائيات حديثة للبنك الدولي نشرتها مجلة الإيكونوميست، إلى أن حصة الأسواق النامية من التجارة العالمية تضاعفت من 16% في عام 1991 إلى 32% في عام 2011، بزيادة بلغ متوسطها 0.8% سنوياً. حيث أدى الانكماش الاقتصادي العالمي إلى تسارع نمو تلك الحصة، حيث تضاعفت وتيرة نموها تقريباً منذ عام 2008 لتبلغ 1.5% سنوياً.
وأدت هذه الزيادة المتنامية في حجم التجارة البينية بين دول الجنوب إلى قلب الأنماط والممارسات التجارية الراسخة رأساً على عَقِب، في تطور بات يشكل مصدر قلق للشركات (والبنوك بالطبع) في مختلف أنحاء العالم، كما يمثل بصفة خاصة تحدياً لمنطقة الشرق الأوسط، التي عُرِفَت تاريخياً بالمحافظة وتفضيل المقاربات التقليدية للأمور.



