أكد تقرير "الحافز الأكبر لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: الملاذ النقدي الأمثل"، والصادر أخيراً عن شركة "الماسة كابيتال" المتخصصة في إدارة الأصول البديلة والتي تتخذ من "مركز دبي المالي العالمي" مقراً لها، أن الإمارات حافظت على سياستها المالية التوسعية الرامية إلى تعزيز بنيتها التحتية وتنمية القطاع الاجتماعي.

فيما أعلنت الكويت عن باقة تحفيز اقتصادية بقيمة 5,2 مليارات دولار في العام نفسه لدعم بنوكها وشركاتها الاستثمارية المتعثرة.

كما وعد مجلس التعاون لدول الخليج العربية كلاً من عمان والبحرين بباقة مساعدات اقتصادية بقيمة 10 مليارات دولار أميركي لكل منهما لدعم مشاريع البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية.

أما عن خارج منطقة الخليج العربي، فقد أعلنت مصر عن إطلاق ثلاث باقات تحفيزية بين عامي 2008-2010 تصل قيمتها مجتمعةً إلى 6,2 مليارات دولار، وفي مجمل الأحوال، ساندت دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعضها البعض على نحو ساهم في صمودها حتى تراجع مفاعيل الأزمة العالمية.

وأشار التقرير إلى التطور الملحوظ الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كوجهة استثمارية آمنة ومجزية.

ويؤكد التقرير أن الإجراءات التحفيزية التي تتبعها دول المنطقة تعد مثالاً واضحاً على صوابية سياسة ضخ الأموال بدلاً من اتباع خطط التقشف، ويأتي ذلك في الوقت الذي يستعد فيه صناع السياسات الأوروبية والأميركية لجولة أخرى من إجراءات التحفيز الهادفة إلى حماية الناتج الاقتصادي العالمي من خطر التعرض لهبوط آخر.

وساهمت زيادة الميزانيات وتنفيذ التدابير المالية لمواجهة التقلبات الدورية عام 2009 في تعزيز مكانة دول المنطقة واستقرارها، وكان لذلك دور كبير بعد الأزمة المالية في حفز نمو ملموس بدأت اليوم مرحلة جني ثماره.

نمو الناتج

ويتوقع التقرير أن تسجل المنطقة هذا العام نمواً حقيقياً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4,2 % نظراً للفائض المسجل في عامي 2010 و2011. وتظهر دول مجلس التعاون الخليجي مؤشرات قوية أكثر من غيرها مع نجاحها بتسجيل فوائض مالية مرتفعة نظراً لانتعاش أسعار النفط، وذلك بالرغم من ارتفاع معدلات الإنفاق العام.

وتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق دول مجلس التعاون الخليجي فائضاً مالياً تقدر نسبته بنحو 15,3 % في ناتجها المحلي الإجمالي لعام 2012، وتعد هذه بالتأكيد أخباراً جيدة تؤكد صوابية التدابير التي تم اتخاذها عام 2009.

وبالرغم من التحسن الملحوظ في النمو الذي شهدته منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا معظم العقد الفائت، إلا أنها عانت كغيرها من الأزمة المالية العالمية عام 2008، فضلاً عن تداعيات اندلاع أحداث الربيع العربي؛ إذ أن معدل النمو حتى ذلك الحين كان إيجابياً بنسبة سنوية قاربت 5 % مع حسابٍ جارٍ وفوائض مالية سليمة.

الأصول المصرفية

وفي هذا الخصوص قال شايليش داش، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "الماسة كابيتال": "أدت العاصفة المالية التي ضربت المنطقة إلى هبوط الأصول المصرفية، وتقييد حركة الإقراض، وتقليص مستوى السيولة، وحصول تباطؤ ملحوظ في أبرز أنشطة القطاعات غير النفطية".

وتأثرت حركة الصادرات والاستثمارات من وإلى أوروبا بتداعيات العاصفة الأولى. وسجلت سلسلة الفوائض في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نسبة عجز وصلت إلى حوالي 2,3% في عام 2009 رغم أن المنطقة حاولت النهوض مجدداً. وجاءت أحداث "الربيع العربي" الأخيرة لتضيف حالة من عدم الاستقرار مع دخول كل من ليبيا ومصر واليمن وتونس في حالة تحول سياسي جذري، فأثرت الصور القوية للاضطرابات سلباً على صورة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كمنطقة مميزة "لمزاولة الأعمال".

وسعت المنطقة إلى تحسين واقعها الاقتصادي عبر إطلاق مجموعة من الباقات التحفيزية؛ فأقرت المملكة العربية السعودية عام 2009 ميزانية ضخمة للإنفاق بقيمة 126,7 مليار دولار أميركي تم تخصيص 46,5 مليار دولار منها لتمويل المشاريع الاجتماعية المتعلقة بالتعليم والرعاية الصحية. كما تم رفد هذه الميزانية بباقة اقتصادية أخرى بقيمة 400 مليار دولار أميركي على مدى الفترة الممتدة بين عامي 2009-2014، وذلك بهدف تأسيس بنية تحتية راسخة وتوفير فرص عمل جديدة.

صوابية الخطوات

وأضاف داش: "اليوم أدركنا مدى صوابية تلك الخطوات، وبدأنا نتلمس الثمار التي جنيناها من تطبيقها". وتكمن أهمية هذه الخطوات قبل كل شيء في أنها ساعدت الدول النفطية على تنويع اقتصادها عبر تعزيز بنيتها التحتية غير النفطية بما في ذلك الطرقات، والموانئ البحرية، والمطارات، ومحطات توليد الطاقة.

وعلى سبيل المثال، تم في السعودية والإمارات تخصيص 25% من إجمالي نفقات المشاريع الاجتماعية لصالح تطوير رأس المال البشري، مما أدى إلى إحداث نقلة نوعية على صعيد توفير فرص العمل. وبالنتيجة، حققت بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نمواً بمعدل 2,7 % في عام 2009، في حين تكبدت الدول الأوروبية خسائر فادحة وسجلت هبوطاً حاداً بنسبة 4 %.

وفي الوقت ذاته، نجحت دول مجلس التعاون الخليجي في ضبط معدلات التضخم وخفضها إلى مستويات أدنى من مستوى نظيراتها في الأسواق الناشئة. كما استطاعت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحسين موازناتها المالية وخفض مديونيتها العامة بشكل مطّرد منذ عام 2009.

 

 

 

 

الانتعاش الحالي

 

 

 

يتركز الانتعاش الحالي بالمقام الأول في قطاعات الإنشاء، والتعليم، والرعاية الصحية؛ ويعزى ذلك إلى الاهتمام الكبير الذي توليه حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالإنفاق على هذه المجالات. وسيشهد العام المقبل زيادة كبيرة في حجم الاستثمارات ضمن جميع القطاعات الأخرى.

ويسلط تقرير "الماسة كابيتال" الضوء على المزايا الواضحة للحزم التحفيزية في المنطقة والنفع الذي عادت به هذه الدفقات المالية على الشركات والقطاعات الإقليمية. ويتساءل التقرير: لماذا قد يبحث المستثمرون الأجانب عن ملاذ استثماري آمن خارج هذه المنطقة التي تحظى بهذا القدر من الدعم وتتمتع بأسس اقتصادية كلية راسخة؟ وللمفارقة، فإن هذه المنطقة التي شهدت ولادة "الربيع العربي" قد تقود العالم إلى الخروج من أزمته الاقتصادية الحالية.