مجلس دبي الاقتصادي يدعو لتعميق سوق الديون ذات الأهداف متوسطة الأجل

ردم فجوة الودائع والقروض يعزّز السياسة النقدية

سلوك الاقراض مفرط في التفاؤل خلال فترات الانتعاش البيان

ت + ت - الحجم الطبيعي

أوصت دراسة اقتصادية محلية بضرورة استمرار ردم الفجوة بين الودائع والقروض لتعزيز السياسة النقدية في الدولة. كما أوصت بضرورة تعزيز دور نافذة الريبو لتكون أداة فاعلة للسياسة النقدية تستهدف تعزيز حركة السيولة وبالتالي تحفيز النشاط الاقتصادي. وطرحت الدراسة خياراً آخر وهو شراء جزء من أصول البنوك التجارية وبصورة مباشرة من قبل السلطات النقدية.

وأوصت ورقة العمل التي أعدتها الأمانة العامة لمجلس دبي الاقتصادي عن محددات السياسة النقدية في الامارات بتعميق سوق الديون ذات الأهداف متوسطة الأجل في الدولة. كما أوصت بإعادة النظر في التشريعات لضمان تجاوز السلوك السابق للبنوك بحسب الدورة الاقتصادية، بحيث يصار الى تروي البنوك في منح الائتمان أو عدم تجاوزها حد معين في حالات الانتعاش التي يمر بها الاقتصاد المحلي.

وتأتي ورقة العمل في إطار سلسلة أبحاث السياسات الاقتصادية التي تستهدف تعزيز الدور الاستشاري للمجلس في عملية صنع القرار الاقتصادي من خلال اقتراح السياسات والمبادرات المعززة لعملية التنمية الاقتصادية في إمارة دبي والدولة عموماً.

دورة الائتمان

وأشارت الدراسة إلى أن الائتمان في الامارات شهد نمواً ملحوظاً خلال السنوات التي سبقت اندلاع الأزمة العالمية سواء بالمعيار المطلق أو كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي، والذي يعد تطوراً إيجابياً ومرشحاً للاستمرار لاسيما في ظل سياسة الدولة في تنويع مصادر الدخل علاوة على التطور الحاصل في الأسواق المالية والمصارف المحلية.

بيد أنه ومن جانب آخر فقد أخذ الائتمان سلوكاً دورياً والذي أسرع من اتجاهات النمو أحياناً وأبطأها في أحيان أخرى. وأكدت الدراسة أن ثمة علاقة تبادلية بين دورة الائتمان والدورات الاقتصادية. حيث عادة ما يكون نمو الائتمان أسرع في أوقات الانتعاش وأبطأ في أوقات الركود.

ويميل النظام المالي بوجه عام إلى إظهار المخاطر على أنها متواضعة في الوضع التوسعي من النشاط الاقتصادي. ومن المستغرب أنه خلال الطور التوسعي من الدورة تُبنى المخاطر. وينطبق ذلك على معظم اقتصادات العالم بما فيها الامارات والتي شهد الائتمان فيها نمواً سريعاً في عام 2008 بلغت نسبته 49 ٪ حتى شهر سبتمبر من العام المذكور والذي أثبت عدم استدامة هذا النمو.

وترى الدراسة أنه إذا تركت دورة الائتمان تتحرك لوحدها في السوق، فأنها ستكون عُرضة للتطاير الملفت. وتبعاً لعلاقتها مع الدورات الاقتصادية، فأن أزمة الائتمان قد تفضي إلى تباطؤ ملحوظ في النشاط الاقتصادي العام.

من هنا، تلعب السياسات الاقتصادية دوراً فاعلاً في هذا الاطار. وعلى نحو أدق، فإن ثمة حاجة إلى سياسة نقدية وإطار تنظيمي يعاكس الدورات الاقتصادية بهدف تلطيف آثارها على النشاط الاقتصادي.

آلية دورة الائتمان

تشير الدراسة إلى أن ثمة جانبين رئيسيين في موضوع الائتمان في الامارات. أولاً: ازداد الائتمان كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي مع تطور الاقتصاد. ثانياً: حتى ضمن الفترة 2002-2008، سار الائتمان ضمن دورات واضحة أسرعت وأبطأت اتجاهاته على الأمد الطويل.

ففي الماضي وفي ظل انخفاض مستوى الائتمان (كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي) كان لدورة الائتمان تأثير متواضع على الاقتصاد ككل. وحينما نما الائتمان ليبلغ 98 ٪ من الناتج المحلي، كان لدورة الائتمان تأثير كبير على النشاط الاقتصادي.

وفي حالة الرواج الاقتصادي، يميل النظام المصرفي المحلي الى تسهيل شروط الاقراض، وهذا يؤدي عادة إلى زيادة النشاط الاقتصادي (الناتج المحلي) حينما يحصل المقترضون على مزايا ائتمان رخيصة من شأنه توسيع النفقات الاستهلاكية والاستثمارية. كما تزداد أسعار الأصول في هذه الحالة سيما وأن جزءاً من الائتمان يوجه إلى أسواق الأصول.

وينطبق ذلك على نحو خاص على قطاعي الشركات والعوائل على حد سواء.

وفي الامارات ازدادت أسعار العقارات بصورة كبيرة في عام 2008 مستفيدة من عدم وجود قيود كبيرة على الأوضاع النقدية اضافة الى انتعاش حركة الائتمان. أما بالنسبة للشركات، فإن اتساع الآفاق الاقتصادية سوف ينعكس على قيمة ضمانات الشركات (التي تطلبها البنوك) وأسعار الأسهم وأرباح الشركات. وغالباً ما يقود تحسن الوضع المالي للشركات إلى المزيد من سهولة شروط الائتمان.

سلوك الإقراض

وتثير الدراسة سؤالاً مركزياً مفاده: لماذا يكون سلوك الاقراض مفرطاً في التفاؤل خلال فترات الانتعاش؟ وتجيب عن هذه الأسئلة بثلاث نقاط:

سوء تقدير الناتج الممكن: ان التغيرات الهيكلية (مثلاً حينما يصل الانتاج الى اعلى مستوى له) قد يفضي الى مرحلة يرتفع فيها الانتاج الممكن (والفعلي) بصورة أسرع من الفترة السابقة. واعتيادياً، فان النمو فوق المعدل للانتاج الفعلي لايمكن استدامته من دون أن يؤدي الى ارتفاع مخاطر الركود حتى على الأمد القصير. أما المؤسسات المالية فهي تفسر حالة النمو المرتفع كمؤشر للنمو القوي في الانتاج الممكن.

من هنا فحينما تنظر هذه المؤسسات الى المخاطر بكونها منخفضة نسبياً، ستقوم بزيادة اقراضها مقابل الاحتفاظ برأسمال اقل مقارنة بالحالة التي لاتحدث فيها مثل تلك المتغيرات الهيكلية. ومن ناحية اخرى، حينما يرتفع الانتاج الفعلي فوق مستوى الانتاج الممكن، وكما حصل بالفعل في الامارات في عام 2008، يميل الانتاج بالعودة الى المستوى الممكن عبر الزمن.

وفي هذه الحالة، فان احتمالية انتكاسة الفرص الاقتصادية تزداد وكذا مخاطر الخسائر في محافظ القروض. ومثل هذه الخسائر تحصل لأسباب عدة، أهما ازدياد احتمالية أن يواجه المقترضون صعوبات متزايدة في خدمة ديونهم خلال فترات التباطؤ الاقتصادي، لتزداد معها احتمالات التعثر.

كما أنه بينما تكون هنالك فرص استثمارية واسعة في المراحل المبكرة من التوسع الاقتصادي، فان قيود الموارد في الاقتصاد (بما في ذلك القطاع المالي) يمنع كل تلك الفرص أن تحصل مرة واحدة.

وتشير الدراسات الى ان القروض المتعثرة تصل الى أقصى مستوى لها حينما يكون عمر القروض قصيراً، مما يعني أن المخاطر تتراكم خلال فترات الانتعاش من الدورة الاقتصادية حينما تسعى البنوك الى منح قروض جديدة.

ضغوط المنافسة

ان بعض اللوم عن حالة التفاؤل المفرط خلال فترات الانتعاش يمكن ان يلقى الى المنافسة الشديدة بين المؤسسات المالية. ففي إطار تسابق هذه المؤسسات للحصول على حصة أكبر من السوق وتلبية توقعات حملة الأسهم في الحصول على عوائد أكبر.

فإن هذه المؤسسات سوف تغفل الجانب التحوطي لصالح الاستمتاع بتفاؤل مفرط حيال المستقبل. ومن جانب آخر، يلاحظ أن المؤسسات المالية مجبرة على مواكبة حالة السوق لأنه من الصعوبة لبنك منفرد أن ينحرف عن بقية البنوك في أن يتخذ سياسات تحفظية.

لكن بالمقابل، حينما يتم استدراك المخاطر وتبدا البنوك تعاني من الخسائر، تكون اسواق راس المال مترددة في تمويل هذه البنوك حتى في ظل ارتفاع كبير في معدل العائد الذي تحصل عليه. وبالتالي، وفي ظل محدودية الحصول على الائتمان المطلوب، تضطر البنوك إلى تقييد اقراضها أو حتى تسيل أصولها لزيادة نسبة راس المال، الأمر الذي يؤدي الى تعميق التباطؤ الاقتصادي.

دورة الائتمان بحاجة إلى سياسة نقدية وتشريعات معاكسة لها

 

للائتمان دورة تنطوي على حالة من الارتفاع والانخفاض، وهذا ما حصل بالضبط في الامارات. حيث أن دورة الائتمان بحاجة الى توازن من خلال اتباع سياسة نقدية وتشريعات معاكسة للدورة.

بيد أن المشكلة في الامارات وكما هو الحال في سائر دول مجلس التعاون الخليجي أنه خلال فترة الانتعاش، كانت السياسة النقدية مرتخية الى حد كبير وداعمة للدورة كنتيجة لسياسة الربط بالدولار الأميركي والتي كانت وراء النمو الهائل في الائتمان قبل عام 2008.

واحدى دلالات هذا الوضع أن البنوك كانت تدفع فوائد على الودائع أقرب الى الصفر في الآماد الاعتيادية. وحينما تعدل هذه الفوائد بحسب معدل التضخم السائد، والذي بلغ 20 ٪ في عام 2008 بعد ارتفاع سوق الايجار والعقارات، فان معدل الفائدة الحقيقي في الاقتصاد كان في الواقع سالباً.

أما بعد الأزمة العالمية فقد قامت بعض البنوك بمنح فوائد على الودائع تصل الى 7 ٪ - لاسيما حينما انخفضت معدلات التضخم بصورة دراماتية - نظراً لحاجتها للسيولة آنذاك من أجل زيادة رأسمالها وكذلك لتقليل فجوة الودائع - الادخار. كذلك لوحظ أن آلية التنظيم الذاتي للبنوك المحلية لم تكن تعمل بصورة صحيحة، بل غالباً ما كانت تنتهج سياسة الاقراض المفرط.

من هنا، فإن كلتا الدورتين، الأعمال والائتمان، قد حصلتا في وقت واحد وقامت كل منهما بتغذية الأخرى. والخلاصة، أن السياسة النقدية في الامارات لم تقم بدور المعاكس للدورة الاقتصادية على نحو واف نظراً لوجود معوقات من بينها ما يلي:

سعر الصرف

وفي ظل سياسة الصرف الثابت بالدولار لم يكن ممكناً أن تنحرف معدلات الفائدة المحلية عن تلك المطبقة على الدولار وخاصة في الأوقات التي يكون الاقتصاد المحلي بحاجة الى سياسات نقدية انكماشية. ويلاحظ في هذا الاطار ان هذا الواقع قد أحدث تشوهاً كبيراً في السوق المحلي وشجع على ظاهرة تقبل المخاطر وخاصة في سوق المساكن.

الأموال الساخنة

كما أنه خلال السنوات التي سبقت الأزمة المالية العالمية ، تدفقت الى الامارات رؤوس اموال طائلة أطلق عليها فيما بعد "النقود الساخنة" نظراً لسرعتها في الخروج من السوق المحلي عند حصول أي متغير طارئ يعرض هذه الأموال الى الخسائر، أو عند الاكتفاء بالحصول على مقدار معين من العوائد، أو في حالة حاجة أصحابها الى أموال لترميم مراكزهم المالية في حال تعرض بلدانهم الأم الى أزمات مالية.

وأهم ما يميز هذه النقود هو أنها ليست استثمارات مباشرة طويلة الأجل بل نقود لأغراض المضاربة قصيرة الأجل.

وقد تنامت هذه الظاهرة في ظل الأنباء التي تواترت آنذاك والتي كانت تفيد بمسعى الامارات وبعض دول مجلس التعاون لتغيير سياسة سعر الصرف المقوم بالدولار الى سعر الصرف الحر او العائم والذي تحدده قوى السوق.

من هنا، فعند حدوث الأزمة المالية وكذلك الاعلان الرسمي للدولة بالابقاء على نظام سعر الصرف الثابت، دفع أصحاب النقود الساخنة لاخراج أموالهم خارج الدولة مما ادى الى حصول نقص مفاجئ في القاعدة الراسمالية للبنوك، سرعان ما ترجم الى ارتفاع في نسبة القروض- الودائع بحيث تجاوزت 100 ٪ وهو أعلى سقف حدده المصرف المركزي للحفاظ على سلامة المصارف.

إشكال المصارف

وفي هذه الحالة وقعت المصارف المحلية في اشكال، مؤداه أنه في الوقت الذي تشجع الودائع فإنها غير راغبة على الاقراض مادامت نسبة القروض- الودائع تجاوزت 100 ٪. وبالتالي فإن الخيار الوحيد الذي كان أمامها هو وضع النقود في سوق ما بين البنوك.

وهو ما دفع معدل الفائدة بين البنوك (الإيبور) الى الانخفاض دون تحسن ملحوظ في أوضاع الائتمان. وانخفاض هذه الفائدة (الإيبور) لا يمكن ان يكون الهدف الوحيد للسياسة النقدية طالما ان السيولة في الامارات وقعت في فخ السوق ما بين البنوك. وبالتالي فإن هدف السياسة النقدية ينبغي أن يكون تقليل معدل الفائدة بين الأسواق وكذلك نسبة القروض- الودائع.

متغير خارجي

 

استندت الدراسة على البيانات المتعلقة بالاقتصاد الكلي والقطاع المصرفي في الدولة في الفترة التي سبقت الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 على أساس أن الأزمة المذكورة تعد متغيراً خارجياً وطارئاً سرعان ما تركت آثاراً اقتصادية واسعة النطاق على الصعيد العالمي وعلى الاقتصادات الوطنية لدول العالم والمنطقة لاسيما على القطاع المصرفي .

مما يجعل عملية تقييم أداء هذا القطاع في ظل تداعيات الأزمة العالمية (2009- حتى الوقت الحاضر) غير مجدية ولا تعطي صورة واضحة وقابلة للقياس عن مسيرة هذا القطاع في الأوقات الاعتيادية ودوره في عملية النمو الاقتصادي.

دروس الأزمة الآسيوية

 

قبل انطلاق الشرارة الأولى للأزمة المالية بدول جنوب شرق آسيا 1997، شهدت هذه الدول نموا قوياً وتوسعاً مفرطاً في الائتمان. وبلغت التدفقات المالية (التجارية) الى داخل هذه الاقتصادات في عام 1996 حوالي 55 مليار دولار. وبعد مرور عام واحد بلغت قيمة رؤوس الأموال التي غادرت هذه الاقتصادات قرابة 21 مليار دولار. بيد ان البنوك قد فشلت في وقتها في التكهن بالأزمة.

وعند اندلاع الأزمة كانت هذه البنوك متورطة في حركة اقراض كبيرة. وخلال الربع الثاني من عام 1997 كشف بنك التسويات الدوليةأن البنوك الآسيوية كانت مقرضة 10 مليارات دولار الى اندونيسيا وتايلند وكوريا والفلبين، وفي الربع الثالث من العام حصلت الأزمة.

Email