توقع خبراء مصرفيون أن يسجل القطاع المصرفي الإماراتي نمواً محدوداً في عام 2012 وأن يكون هذا العام عام الاختبار للبنوك في الدولة خصوصاً مع توقع بقاء حركة الإقراض في البنوك متحفظة هذا العام، نظراً للحاجة إلى مخصصات للقروض المتعثرة الجديدة وضرورة تحسين مستويات تغطية خسائر القروض، خصوصاً بعد انخفاض معدل نمو القروض الصافية والنمو المحدود في الودائع المصرفية الذي لم تتجاوز نسبته 1.9% في نهاية 2011.

وهو ما يعكس ارتفاعاً في معدل القروض للودائع الذي وصل إلى الحد الأقصى الذي حددته مقررات بازل 3. كما سيشكل تراجع التمويل من قبل المصارف الأجنبية ولا سيما الأوروبية نتيجة للأزمة التي تمر بها منطقة اليورو تحدياً آخر سيتعين على البنوك في الدولة مواجهته هذا العام على الرغم من مستويات الرسملة الجيدة.

 

مراقبة حجم المخصصات

قال ريتشارد ماستي العضو المنتدب لمجموعة "لويدز" المصرفية للشرق الأوسط أن العام 2012 سيكون عام الاختبار بالنسبة للبنوك في الدولة متوقعاً أن تحقق البنوك الإماراتية هذا العام نتائج أفضل من العام الماضي، مضيفاً أن النظرة للقطاع المصرفي في الدولة هذا العام هي "إيجابية" إلا أن على البنوك أن تكون متحفظة كثيراً خصوصاً .

فيما يتعلق بالحفاظ على قيمة الأصول البنكية وضرورة شطب الديون. وتوقّع ماستي أن تقوم البنوك الإماراتية هذا العام بالابتعاد أكثر عن الإقراض غير الحذر وتهتم أكثر بمراقبة بياناتها المالية عن كثب خصوصاً .

فيما يتعلق بحجم مخصصاتها. وتوقع ماستي في الوقت ذاته أن يكون عام 2012 عام النمو في الإمارات وأن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5% بناءً على استقرار أسعار النفط عند مستويات قوية وأن يتراوح سعر برميل النفط عالمياً من 105 إلى 115 دولاراً لبرميل النفط.

وهو ما سينعكس إيجاباً إلى حد كبير بالنسبة للإمارات لأن سعره كان أقل من ذلك حين إصدار ميزانيتا حكومتي أبوظبي ودبي. كما أشار ماستي إلى أهمية مراقبة مؤشر التضخم هذا العام في الدولة، الذي توقّع أن يصل إلى حوالي 2.5% هذا العام، وأضاف ماستي: "أعتقد أن ما ذكرت بالإضافة إلى أن بنوك الدولة تتمتع بسيولة وملاءة مالية قوية يرسم مشهداً قوياً ومتماسكاً لنمو الاقتصاد في الإمارات هذا العام".

وحول انعكاسات الربيع العربي على القطاع المالي في الإمارات أضاف ماستي: "أود أن أشير في هذا الصدد إلى أن الإمارات وخصوصاً دبي تتمتع بضوابط تنظيمية مالية وبيئة تشريعية رفيعة المستوى.

وهو ما أدى إلى قدوم المزيد من الثروات من الدول التي عاشت أحداث ما يسمى بالربيع العربي إلى الإمارات، ما يدعوني إلى القول إن الإمارات هي سويسرا الشرق الأوسط من حيث إنها تشبه سويسرا في كونها ملاذاً آمناً للثروات استطاعت بجدارة كسب ثقة المستثمرين من جميع أصقاع العالم، وهي من دون شك المركز المالي الأول في المنطقة".

 

أوضاع الائتمان

وتوقع سايمون ويليامز، كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بنك إتش إس بي سي، أن تبقى المصارف متحفظة في منح القروض هذا العام، خصوصاً مع تراجع السيولة في المصارف الأوروبية التي تعتبر من أكبر المقرضين للشركات في دبي وأبوظبي.

وهو ما قد يخلق فجوة ستضطر المصارف المحلية أو حتى الآسيوية إلى تلبيتها. وأضاف "تراجعت قيمة الودائع في البنوك الإماراتية خلال الخمسة أشهر الأخيرة من 2011، مع نمو طفيف بقيمة القروض الأمر الذي ضغط على السيولة وساهم بارتفاع تكلفة الاقتراض على البنوك، آمل ان نرى تخفيف لهذه الضغوط على السيولة في 2012، لكن أتخوف من انه سيكون عاماً آخر من النمو المحدود للائتمان في الإمارات".

ومع ذلك يعتقد ويليام أن القطاع المصرفي في الدولة لا يزال قوياً ورسملته جيدة، وأن الإمارات لديها المقومات لمواجهة مشكلات الاقتصاد العالمي وتحديداً في أوروبا. وكانت بيانات البنك المركزي الإماراتي أظهرت تراجع الودائع المصرفية للشهر الخامس على التوالي في نوفمبر الماضي، لتبلغ 1.054 تريليون درهم، في حين شهدت القروض نمواً طفيفاً إلى 1.074 تريليون درهم، ما أدى إلى الإسهام في نمو نسبة القروض للودائع.

 

نسبة القروض للودائع

من جانبه قال جوناثان موريس الرئيس التنفيذي لبنك ستاندرد تشارترد في الإمارات إن وضع البنوك الإماراتية اليوم أفضل بكثير من وضعها في بداية العام 2009. ولا تزال فرص النمو الاقتصادي في الإمارات إيجابية على الرغم من نمو الناتج المحلي بشكل أبطأ خلال العام 2012 مقارنة بالعام الماضي.

وأضاف: على الرغم من التقلب الذي تشهده أسواق رأس المال العالمية، لا تواجه البنوك الضغوطات على التمويل كما في نهاية العام 2009. وخلال الشهور الماضية شهد السوق عدداً من الإصدارات الناجحة، مما يعتبر دلالة واضحة على قدرة البنوك المحلية على الوصول إلى أسواق الدين العالمية.

والأهم من ذلك، فقد سجلت نسبة القروض للودائع تدنياً ملحوظاً عن مستوياتها منذ عامين بفضل ازدياد السيولة المتاحة للإقراض وعلى الرغم من التحديات المستمرة، فقد أثبت الاقتصاد الإماراتي مرونة قوية تجاه التحديات التي يفرضها الاقتصاد العالمي. ويبقى ستاندرد تشارترد واثقاً من الفرص طويلة الأمد في الإمارات التي تعتبر أحد أكبر خمسة أسواق بالنسبة للبنك عالمياً".

 

تفاوت في الأداء

من جانبه قال تيموشن انجين مدير التصنيفات التحليلية للمؤسسات المالية في وكالة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني في دبي: ستواصل مصارف أبوظبي تقديم أداء أقوى بصورة ملحوظة، كما كان عليه الحال في عام 2011.

مضيفاً: عندما ننظر إلى النمو الذي شهده النظام المصرفي على صعيد القروض والودائع للعام بأكمله، نرى أن معدل نمو القروض الصافية (بعد احتساب المخصصات) انخفض إلى 3.8%، في حين سجلت الودائع المصرفية نمواً محدوداً بلغت نسبته 1.9%. ونلاحظ أن مصارف أبوظبي استأثرت بالجزء الأكبر من أنشطة الإقراض في عام 2011 نظراً لميزانياتها الأقوى".

ويضيف انجين انه وعلى الرغم من أن الأداء الإجمالي لأنشطة التمويل بالنسبة للبنوك يبدو أفضل بالمقارنة مع عام 2008، إلا أنه يرى أن شروط التمويل عموماً ليست مشجعة كثيراً. ومع نمو نسبة القروض إلى الودائع في النظام المصرفي، يرى أن المصارف باتت بحاجة إلى جمع الأموال إما على شكل ودائع جديدة أو صناديق تمويل بالجملة إذا ما أرادت تسجيل نمو كبير في محافظها الائتمانية.

وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال مخاطر الائتمان في النظام مرتفعة. وقامت بعض المصارف بإعادة هيكلة قدر كبير من القروض المتعثرة لديها، والتي سيشكل أداؤها المستقبلي عاملاً مهماً في تحديد جودة أصول هذه المصارف.

 

المزيد من إعادة الهيكلة

ويضيف: مع دخولنا عام 2012، نتوقع أن نشهد المزيد من عمليات إعادة الهيكلة في بعض المؤسسات المصرفية في الدولة، حيث ارتفع إجمالي مخصصات القروض (المحددة والعامة) في الميزانيات العمومية لمصارف الدولة في عام 2011 بحوالي 26% منذ بداية العام. ونتوقع أن يتواصل النمو في مستويات التخصيص في عام 2012، لسببين، أولهما، أن المصارف قد تحتاج إلى توفير مخصصات للقروض الجديدة غير العاملة، وثانيهما، قد تقوم بعض المصارف الكبرى بتحسين مستويات تغطية خسائر القروض.

ولذلك، ونظراً للتحديات التي تؤثر على أنشطة التمويل وجودة الأصول، نتوقع أن يسجل القطاع المصرفي الإماراتي نمواً محدوداً في عام 2012، كما فعل في عام 2011. ونتوقع أن تستأثر المؤسسات المالية في أبوظبي بالقدر الأكبر من أي نمو في حجم الائتمان بدولة الإمارات. وعلى الرغم من التوقعات السلبية بالنسبة لجودة الأصول، فإننا نلاحظ أن نسبة كفاية رأس المال الخاصة بالنظام المصرفي الإماراتي ما زالت مرتفعة، ما يوفر نوعاً من الارتياح".