تجارب عربية رائدة تم نسيانها وإقبال على إصداراته المترجمة

الأدب البوليسي سحر الألغاز وروح الطفولة الكامنة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تختخ، نوسة، لوزة، محب وعاطف، قد يبدو من المبالغ القول إن من لم يعرف هذه الأسماء ربما لم يعش طفولته كاملة! تماماً، كما يمكن المبالغة بالقول إن من لم يعرف هركول بوارو، لم يعش مراهقته كاملة! ما يجمع هذه الشخصيات هي الرغبة في حل جريمة تبدو كاملة، وامتلاك الأدوات لحلها، وهي: المنطق والقدرة الثاقبة على التحليل والربط.

وإن كان تختخ ورفاقه قد حلوا أكثر من 186 لغزاً، من سلسلة «المغامرون الخمسة»، التي كتبها المصري الراحل محمود سالم، فإن هركول بوارو حل قرابة 80 لغزاً في روايات وقصص الكاتبة البريطانية أغاثا كريستي، هذه الأدب يهواه الكبار أيضاً لما فيه من سحر في تتبع الألغاز واستعادة لروح الطفولة الكامنة.

الأدب البوليسي

قصص الأدب البوليسي غالباً ما تنهض على شخصية الشرطي السري الذي يحاول فكّ طلاسم جريمة تبدو وكأنها «كاملة». وفي هذا النوع من القصة أو الرواية يتقدم المؤلف، الذي يتمتع بخيال خاص وموهبة سردية نادرة، نحو «الحلّ » بطريقة مشوِّقة تثير فضول القارئ وتحبس أنفاسه وتستثير مَلَكَة حلّ الألغاز عنده.

غالبا ما يقال إن مؤسس الأدب البوليسي هو إدغار ألان بو، مع روايته «حوادث القتل في شارع مورغ»، واسم الشارع يعني المشرحة، التي صدرت في العام 1841.

لكن الباحث الفرنسي فرانسيس لاكاسان، كتب في دراسة بعنوان «أسطورة الأدب البوليسي» (1987) أن بو اقتبس فكرة الرواية البوليسية من مؤلف فولتير المسمى «زاديك»، قائلاً «حين أرسل إدغار ألان بو محققه «دوبان» للبحث في شارع مورغ عام 1841، تذكر مواهب الفراسة في التخمين التي امتازت بهما شخصية البطل في رواية «زاديك 1747».

أسطورة «سرنديب»

ليس هذا فحسب، إذ يضيف لاكاسان أن فولتير نفسه اقتبس فكرة «زاديك» من مؤلف عربي، قائلاً: وكما نعلم فإن فولتير استلهم فكرة زاديك من مؤلف عربي يتضمن أسطورة الأمراء الثلاثة «سرنديب».

وتروي أسطورة سرنديب حكايات أبناء الملك نيزار الذين وقفوا في أحد أسفارهم الكثيرة على قطعة أرض معشوشبة، لاحظوا أن جانباً منها قد أكل، والجانب الآخر ظل سالماً، فصرح الأمير مودهار بأن الجمل الذي أكل العشب كان أعور العين اليمنى، وأضاف الأمير رابعة أن الجمل كان أعرج القائم الأيمن، ولاحظ الأمير إياد أن ذيل الجمل كان مبتوراً، واستخلص الأمير عنمار أنه جمل مذعور ونفور.

فراسة وذكاء

ويعتقد للوهلة الأولى أن الأمراء الأربعة يملكون موهبة «الفراسة»، ولكن تفسيرهم للآثار بسيط جداً، فالجمل كان أعور العين اليمنى، لأنه لم يأكل إلا من جهة واحدة فقط، وكان أعرج لأن آثار القائم الأيمن كانت أكثر عمقاً من غيرها، وكان مبتور الذيل، لأن بعره كان مجمعاً، وعادة الجمل أن يبعثر بعره بواسطة ذيله..

وكان مذعوراً ونفوراً لأن آثار الأكل كانت غير منتظمة. ويعلق الكاتبان الفرنسيان، اللذان نشرا كتباً تحت اسم بوالو نرسجاك، في دراسة صدرت في العام 1964 بعنوان «الرواية البوليسية»، أن «فولتير اقتبس قصته «زاديك» من أسطورة «سرنديب»، والتي نعتقد بشأنها أنها شكل قديم للقصة البوليسية، وليست سبباً بعيداً من أسباب ظهورها.

مغامرات

بعد بو، حاول تشارلز ديكنز أن يتبع شكلاً جديداً في روايته «البيت الكئيب» 1852، وروايته التي لم تكتمل وهي «لغز إدوين درود». أما رواية ويلكي كولنز «حجر القمر» 1868 فكانت من أهم الروايات البوليسية الأولى. وظهر الشرطي السري شرلوك هولمز ورفيقه الدكتور جون واطسون عام 1887 في رواية للبريطاني آرثر كونان دويل (1859-1930) التي عنوانها دراسة قرمزية. وقد شهدت الفترة بين عامي 1925 - 1935 نشر أول المؤلَّفات المهمة لكتَّاب القصص البوليسية مثل مارغري ألينغهام، ونيكولاس بليك، وجون دكسون كار.

تجارب رائدة

وتطور الأدب البوليسي ودخلته شخصيات جديدة، وأنماط جديدة في كتابة الأدب البوليسي، حيث انبثقت من عباءته روايات الجاسوسية التي غذتها أحداث القرن العشرين مثل الحربين العالميتين والحرب الباردة، ومن أشهر الشخصيات المبتدعة في هذا الشأن شخصية جيمس بوند. وعربياً، اشتهر في هذا اللون من الكتابة، المصري محمود سالم (1929 – 2013)، حيث يكاد لا يخلو بيت من قصة أو أكثر من مجموعتي «المغامرون الخمسة»، و«الشياطين 13».

خلفية محبوكة وإسقاطات واقعية للشخصيات

تقول الكاتبة ماري هيغينز كلارك إنها تستخدم معرفتها في مجال علم النفس في كتابة القصص التشويقية، وتقوم بالأبحاث المعمّقة من أجل خلق خلفية محبوكة وحقيقية لشخصياتي، كما تنصح الكتب الجدد بأن يكونوا ملمين، ولو بشكل ضئيل، بكيفية عمل الشرطي والآليات التي يتّبعها. كما ترى أن تطور الأحداث هو العامل المحفّز في الرواية البوليسية، كما أن شغل ذهن القارئ بأمور عامة، وليست محددة، قد يكون عنصراً مهماً في زيادة منسوب التوتر. على سبيل المثال: مشهد الاستحمام الذي يستغرق 17 ثانية في رواية «المضطرب» وُصِف بأنه المشهد الأكثر إثارة للرعب.

كما تقول إنها غالباً ما تستخدم محترفاً متقاعداً ليستقصي الحقائق في بعض المجالات. على سبيل المثال: في أحدث روايتي، وظّفتُ عقيداً متقاعداً وجّهني في كيفية القيام بتحقيق حول نشوب الحرائق.

وتعرف كلارك بأنها «ملكة التشويق» و«ملكة الحبكات والعقد». هي موهوبة في حمل القارئ على التصديق بأن كل واحد من أبطال رواياتها مذنب. غالباً ما تحكي رواياتها عن شابات قويات ومستقلات، غالباً ما يجدن أنفسهن في خضم مشكلة تجبرهن على حلها بمفردهن عبر الاعتماد على الشجاعة والفطنة.

وغالباً ما تواجه بطلات رواياتها مواقف حساسة حقيقة، ما يجعل القارئ يقول في سرّه «كان من الممكن أن أقع في مثل هذا الموقف»، وقد جذبت رواياتها شريحة المراهقين أو حتى الأطفال بعمر 12 عاماً.

وجه عربي في روايات ماري هيغينز كلارك

حول ما إذا كانت الروائية ماري هيغينز كلارك، قد همت في وقت سابق باختيار شخص عربي كشخصية في إحدى روايتها؟ وكيف ستكون تلك الشخصية؟ قالت الكاتبة «كنت في مطعم في إحدى السهرات، رأيت امرأة عربية ترتدي الحجاب التقليدي، وكان لديها الوجه الأجمل والأنعم، وأعتقد أن هذا الوجه هو الوجه الذي قد أمنحه لامرأة عربية في رواياتي».

وعبر دار «هاشيت أنطوان» في بيروت، التي تترجم كتب الروائية ماري هيغينز كلارك في العالم العربي، قالت إنها ترحّب بالقراء العرب من كل قلبها، وتعتبرهم من قرائها، وتتمنى أن يستمتعوا في حل الألغاز في رواياتها.

ومن أشهر كتاب الأدب البوليسي أغاثا كريستي، وإيرل ستانلي غاردنر، وداشييل هاميت، ومايكل إنس. وفي عشرينات القرن العشرين أدخلت مجلة «القناع الأسود» طرازاً أميركياً واضحاً من الألغاز، كثيراً ما يسمي الشرطي السري الخاص، أو الألغاز «الواقعية».

ماري هيغينز كلارك.. وريثة أغاثا كريستي

 اليوم تكاد تكون الكاتبة الأميركية ماري هيغينز كلارك وريثة أغاثا كريستي، لتنضم إلى قائمة طويلة من كتّاب الأدب البوليسي، الذي تمكّن عبر قرن ونصف القرن، من أن يكرس نفسه كنوع روائي وقصصي، يجذب شرائح كبيرة من القراء في مختلف أنحاء العالم.

43 رواية

وتعتبر كلارك «ملكة التشويق، وهي واحدة من أغزر الكتّاب الأميركيّين إنتاجاً. أصدرت أكثر من 43 رواية من أكثر الكتب رواجاً، وبيع منها في الولايات المتّحدة وحدها أكثر من 100 مليون نسخة. جميع روايتها لا تزال تصدر سنوياً في طبعات جديدة، بما في ذلك روايتها الأولى «أين الأطفال؟» التي بلغ عدد الطبعات منها 75 طبعة. تتّسم كتاباتها، التي اقتبِست للعديد من الأفلام السينمائية والتلفزيونية، بأسلوب مميز يذكّر بكتابات كريستي التي تتقن التشويق من دون الانزلاق في الابتذال.

دار «هاشيت أنطوان» العربية في بيروت، تقوم تباعاً وتحت دمغة «نوفل»، بترجمة روايات كلارك، وأصدرت حتى الآن أربعاً من هذه الروايات، هي «تذكّرني»، و«غريب بالمرصاد»، و«فتاة تهوى الموسيقى، تهوى الرقص»، و«كأنك لا تراها».

ولاقت هذه الروايات نجاحاً كبيراً في لبنان والعالم العربي عموماً. فهذه الروايات تخلو من العنف والإيحاءات غير المناسبة للأطفال. لهذا يقال عن كتب ماري هيغينز كلارك بأنها كتب تصلح لأجيال ثلاثة. مع النجاح الذي حققته كتب ماري هيغينز كلارك، ذهبت «هاشيت أنطوان» أبعد في إنتاج مجموعات من قصص التشويق وأدب الجريمة..

وهي في صدد إصدار رواية بعنوان «رسالة من شبح» للكاتب الأميركي هارلان كوبن، ورواية أنطوني هوروفيتز «بيت الحرير»، التي يعيد فيها إحياء المحقق شرلوك هولمز، بإذن من ورثة (صاحبه الأصلي) الكاتب الاسكتلندي الراحل أرثر كونان دويل.

مسار

بعد سنوات من العمل كسكرتيرة، عملت كلارك كمضيفة طيران، قبل أن تغادر عملها بداعي الزواج. كانت تساعد في إعالة عائلتها عبر كتابة القصص القصيرة. بعد وفاة زوجها في 1964، قضت كلارك سنوات في كتابة نصوص إذاعية، إلى أن أقنعها وكيلها بكتابة الروايات. روايتها الأولى التي كانت رواية عن الرئيس الراحل جورج واشنطن، لم تلقَ نجاحاً. عندها قررت كتابة الروايات، حيث بإمكانها توظيف شغفها للغموض والتشويق.

قبل زواجها، وبعد وفاة والدها، عانت أسرة كلارك من متاعب مادية، أجبرت الشابة الصغيرة على العمل كموظفة بديلة على الهاتف في فندق «شيلتون». في مذكراتها كتبت أنها قضت وقتاً كبيراً بالتنصت على الكاتب الراحل تينيسي ويليامز، لكنه «لم يرو قط أشياء مثيرة».

حياتها المهنية

عملت ماري هيغينز كلارك، في العام 1964، ككاتبة نصوص لحلقات إذاعية، بمعنى كتابة سيناريو بكامله في أربع دقائق ساعدها على صقل تجربة الكتابة التشويقية. في نهاية الستينات، وبعدما أغلقت دار النشر المتخصصة في نشر القصص القصيرة أبوابها (التي كانت تنشر أعمال الكاتبة)، شرعت ماري هيغينز في كتابة أولى رواياتها الطويلة «حياة جورج واشنطن». لم تحقق الرواية نجاحاً باهراً، ولكنها انتشرت في الأسواق وحققت مبيعات ما شجّع كلارك على المثابرة في الكتابة.

مبيعات

رغم ضائقتها المادية، كانت كلارك حريصة دوماً على أن يتلقى أولادها الخمسة تعليماً جيداً. وفي أوائل السبعينات، افتتحت مع اثنين من زملائها السابقين داراً لنشر النصوص الإذاعية. وخلال الوقت ذاته واظبت على كتابة الروايات.

وبالفعل في العام 1974، نشرت كلارك أولى رواياتها التشويقية «أين الأطفال» واشترتها منها دار «سايمون اند شاستر» لقاء 3000 دولار فقط. خلال ثلاثة أشهر، تلقت ماري هيغينز رسالة من الدار تبلغها أن روايتها باعت بما يساوي 100 ألف دولار، لأول مرة منذ سنوات، لم تعانِ ماري هيغينز من متاعب مالية، لكن ابتسم الحظ لها، فقد باعت روايتها الثانية بما يوازي 1.5 مليون دولار.

Email