يعيش الكتاب مع الشخص وتزداد أهميته كلما مر الوقت وتقادم الزمن أكثر. إذ إنه يصبح مهما بالنسبة لتاريخ المنطقة كونه يغدو من النوادر، كما تزداد مكانته وقيمته لدى صاحبه، والذي يمتلك تاريخا وذكريات مع هذا الكتاب. هذا ما أكده الدكتور محمد المنصوري، الباحث في التاريخ والعمارة المحلية، الذي يمتلك مكتبة متخصصة تحتوي أكثر من عشرة آلاف كتاب، منها ما هو نادر، عن تاريخ الإمارات. و
يوضح المنصوري في حديثه لـ"بيان الكتب"، أن لكل كتاب قصة مختلفة من حيث طريقة حصوله عليه والفترة الزمنية لذلك. كما يرى أن أهم ما يميز الذي يريد أن يمتلك مكتبة متخصصة هو الصبر، مبينا أن جمع مكتبة عن كل ما صدر عن الإمارات..
كما اختار هو أن يفعل، أمر يحتاج كبير جهد وطول وقت. فهذا ما يفترض أنه ليس بعمل شخص بل هو بمستوى جهد وعمل دولة. ويشرح المنصوري، في حواره مع "بيان الكتب"، طبيعة محتوى مكتبته، ورؤاه المتنوعة في هذا الخصوص.
يشرح الدكتور محمد المنصوري، قصته مع جمع الكتب، ونجاحه في تكوين مكتبة مميزة عن دولة الامارات العربية المتحدة: "قصتي مع جمع الكتب قديمة، بدأت منذ كنت في الصف الثالث الابتدائي. إذ اشتريت أول قصة بعنوان "زهرة الأقحوان" وهي قصة للأطفال، كنت أحب القراءة، كردة فعل على حبي للسرد القصصي.
والتي نسميها في اللهجة المحلية "الخروفة". فكنا نسير إلى كبار السن ونقول لهم "خرفولنا" أي احكوا لنا حكاية، وحبي للخروفة المحلية، بدأ عندما تزوج جدي من سيدة فاضلة تدعى فاطمة بنت جمعة، وهي من مدينة دبا الموجودة على الساحل الشرقي في الامارات، ولما جاءت رأس الخيمة، حيث نحن، كانت كل يوم تحكي حكاية، لما لديها من مخزون قصصي. وهو ما جعلني أبدأ بالقراءة".
ويتابع: "وفي بداية السبعينات من القرن الماضي افتتحت مكتبة الوطن في معيريض في إمارة رأس الخيمة، وهي منطقتي. وكانت القصص بالنسبة لي غالية: بريالين أو ثلاثة ريالات، وكان يستخدم الريال القطري وريال دبي، آنئذ. ولكنني أصررت على الوالدة، فأعطتني ثلاثة ريالات واشتريت "زهرة الأقحوان".
وكان جدي، المرحوم عبدالرحيم بن عبدالله، أمين المكتبة العامة في رأس الخيمة، والتي أنشأتها (وزارة الإعلام) حينذاك. فكنت أذهب معه إليها. وأهداني مرة كتاب (إنجازت عام 1974)، ويوجد على غلافه صورة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
ولا أزال احتفظ بهذا الكتاب، ويمثل مضمونه خطاب الشيخ زايد في المجلس الوطني. كما يتكلم عن أهم إنجازات الحكومة في ذلك الوقت. وبعد ذلك، أهداني أحد أبناء عمومتي، واسمه سالم بن جكة المنصوري، الكتاب السنوي لوزارة الإعلام للعام 1975. وهنا اختلط الامر علي، وأصبحت مأخوذا بين عالمين:
حبي للقصص والروايات، وتعلقي بالكتب التي لا أزال احتفظ بها، مثل كتاب (عبدالناصر والعالم) الذي كان لدى الوالد. وهكذا استمرت علاقتي لفترة، موزعة بين الكتب والقصص، وبقي الأمر الأساسي هو حبي للتاريخ، وبشكل خاص، تاريخ الخليج العربي ودولة الإمارات، وكانت الكتب التاريخية قليلة».
البداية الحقيقية
يحكي المنصوري عن البداية الحقيقية في تأسيسه المكتبة: "حين دخلت كلية الهندسة قسم العمارة، ارتبطت بشيئين أساسيين: العمارة التقليدية في الإمارات، تاريخ العمارة المعاصرة في الإمارات (فيما بعد).
وهنا كانت البداية الحقيقية لتكويني مكتبة متخصصة عن الإمارات، ذلك تحديدا مطلع العام 1982، لأني ركزت على نوعية الكتب التي أختارها، وبالذات على ما يخص الكتب المتعلقة بالإمارات، رغم أنه لدي مكتبة كبيرة عن العمارة، ولكني هنا أتكلم عن كتب عمارة الإمارات بشكل عام، وهو ما أتميز به".
ويضيف: "عندما نتكلم عن العمارة المعاصرة لا بد وأن يكون لدينا مخزون كتب عن تاريخ الإمارات والتاريخ العسكري والتاريخ الاقتصادي، لأنها مرتبطة ببناء المدينة، وهكذا بدأت أشعر بأنه عليّ تأسيس مكتبة متكاملة، وكان هذا هاجساً، لأني أكملت دراسة الماجستير عن موضوع الإسكان في الإمارات، ومن ثم نلت شهادة الدكتوراه عن سياسات تصميم المسكن الحكومي في الإمارات، وبذا بدأت أتوسع في هذا المجال".
تفرد
لا يتردد المنصوري، ومعرض إجابته عن عدد الكتب التي تحتويها مكتبته، في الإشارة، أولا، إلى حجم الجهود والامكانات التي وظفها في سبيل النجاح بمشروعه الفكري هذا:
"قبل إجابتي عن السؤال أحبذ أن أوضح شيئا مهما بخصوص تكوين المكتبة التي لدي، فبينما أنا أقارن نفسي بالمكتبات الحكومية المهمة في الإمارات، مثل: مكتبة المركز الوطني للوثائق والبحوث، مكتبة زايد في العين، مكتبة دبي العامة في منطقة الرأس (وهي أول مكتبة في الإمارات).
أجد، وطبعا حين أقارن نفسي بهذه المكتبات: ما الذي لديهم وليس لدي، أنه لدي ما لا يوجد لديهم، ومن الممكن أن يكون لدي عشرة كتب عن الإمارات، لكن لدي كتبا ليست موجودة لديهم.
وأيضا لدي الكتب التي جاء فيها عن الإمارات في التاريخ المعاصر، وكتب تكلمت عن الإمارات قبل مائتي عام، مثل: كتاب الرحالة صمويل زويمر الذي جاء 1899 إلى المنطقة وزار البحرين وعمان الإمارات (وفي كتابه جزئية بسيطة عن أبوظبي)، وهو أول من صور قصر الحصن. وفي العموم، لدي أكثر من عشرة آلاف كتاب عن الإمارات".
ويجمل المنصوري ماهية مضامين أهم الكتب التي لديه: "الكتب التي أملكها منها ما يتحدث عن تاريخ الإمارات المعاصر منذ بدايات القرن العشرين، ولدي كتب أعتقد أنها أساسية في تاريخ الإمارات، وهي ما يعرف بـ(كتب ساحل عمان)، ذلك عندما كانت تسمى الإمارات المتصالحة (المهادنة). وهناك كتب عن الشخصيات المهمة في تاريخ الإمارات..
ومن بينها: كتب عن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كتب عن المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم. وغير ذلك الكثير من الكتب عن شخصيات تاريخية. كما تحتضن مكتبتي أول كتاب صدر وعليه صورة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وهو أول كتاب في العام 1967، بعنوان "إمارات الساحل المتصالحة".
ومن بين الكتب تلك التي تضمها مكتبتي: أول كتاب والأخير عن الشيخ خالد بن محمد، أول كتاب صدر عن: صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، المغفور له الشيخ صقر بن محمد القاسمي. إضافة إلى كتب كثيرة عن أصحاب السمو حكام الامارات.
وهناك ايضا مجموعة الكتاب السنوي الذي كانت تصدره (وزارة الاعلام) - تصدرها حاليا وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وهي تحت مسؤولية المجلس الوطني للإعلام - وأدعي أني أمتلكها كاملة، وذلك منذ إصدارها في العام 1973 ولغاية الإصدار الأخير.
ومن بين ما تضمه مكتبتي أيضا: الكتب الصادرة عن أبوظبي كإمارة، أول كتاب صدر عن أبوظبي، كل ما صدر عن أبوظبي، مجموعة غنية من الكتب عن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة. وكل ما صدر عن الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، وأول مجلة صدرت وعليها صورة سموه وهي (درع الوطن)".
جانب حيوي
تضم مكتبة المنصوري باقة متنوعة وجاذبة، من البطاقات البريدية. ويتحدث عن ذلك: "هناك ما اهتم به بحكم عملي كمهندس معماري، وهو البطاقات البريدية، فقبل وجود (الإيميل) ووسائل الاتصال الحديثة كانت عبارة عن بطاقة تصور منظرا معينا في مدينة معينة. وكل البطاقات البريدية التي يوجد عليها مناظر من الإمارات، كنت أجمعها كتوثيق لصورة بصرية لمعلم معين في مكان معين.
فالصور تحفظ ذاكرة المدينة، ومع الوقت أصبح لدي حصيلة كبيرة، وأصبح لدي مجموعة من البطاقات البريدية الإماراتية، قبل الاتحاد وبعد الاتحاد، أقدم واحدة تعود إلى نهاية الخمسينات لخور دبي، وهناك عشر بطاقات لشارع حمدان وشارع خليفة في أبوظبي. ولدي مشروع كتاب عن البطاقات البريدية النادرة، وأحاول أن أتواصل مع جهة حكومية للنشر".
ويتابع: كما لدي مجموعة من الصور النادرة. إذ كنت أجمعها من الكتب النادرة لمصورين أو صحافيين جاؤوا إلى الإمارات، وعندما كنت في بريطانيا كانت بعض الصحف تجري مزادات على الصور، وخاصة بعد بروز الصور الرقمية. وهو ما جعلني أحصل على أصول هذه الصور..
بالإضافة إلى انني مهتم بتاريخ العمارة في الإمارات، وأي صورة تعتبر توثيقا لتاريخ العمارة في الإمارات". ويختم المنصوري: "أفكر في إصدار كتاب عن نوادر الكتب في الإمارات".
"مذكرة للعاملين بشركة نفط أبوظبي" .. أول دليل تعريفي
يبرز من بين الكتب النادرة التي تحتويها مكتبة المنصوري، كتاب: مذكرة للعاملين الملتحقين بشركة نفط أبوظبي البحرية، وهو صادر عام 1961، إذ يقدم معلومات تعريفية للموظفين الذين يلتحقون بالشركة في جزيرة داس، ويعد الكتاب أول دليل تعريفي عن إمارة أبوظبي، كونه يوفر المعلومات عن: الحاكم، الناس، الطيور، الرياضات المتوافرة.
وهناك أيضا، كتاب "الروزنامة البحرية للسفينة البريطانية بيرسوس"، التي زارت الخليج العربي بين عامي 1901 – 1904، ورست في كل من ميناءي دبي والشارقة، وصدر هذا الكتاب في العام 1904، بينما وصلت السفينة إلى الشارقة في 16 إبريل عام 1902.
وجاء في الكتاب، إن الشارقة كبيرة وتضم العديد من المباني وأشجار النخيل، كما كان هناك الكثير من السفن على الشاطئ. ويوضح الكتاب، أنه زار الشيخ حكام الشارقة، حينها، السفينة، مع مجموعة من المرافقين، وأطلقت المدفعية ثلاث طلقات احتفاء بالزيارة.
دبي في الرواية الأولى: 1935
يقول الدكتور محمد المنصوري: أحتفظ بالكتب التي صدرت ولا تتحدث بشكل مباشر عن الإمارات، ولكن يوجد فيها جزئية صغيرة عن الإمارات، منها كتاب "تاريخ الزمن"، الذي أصدرته جريدة التايمز البريطانية، وفيه شرح عن الحرب العالمية الأولى، كما يتضمن جزئيات عن حصن الشارقة وصورا جوية. وهناك كتاب "روايات من العالم الإسلامي"، الذي صدر في العام 1935.
وهو أول رواية عن دبي. كما يلفت المنصوري إلى امتلاكه كتاب "اللآلئ" الذي طبع على نفقة الشيخ سعيد بن محمد سعيد المدفع، أحد التجار من الشارقة، ذلك عام 1928، إذ طبع في المطبعة الحجازية في بومباي في الهند، ويعد الكتاب مرجعا مهما لتجارة اللؤلؤ والعاملين في بيع وشراء اللؤلؤ في ذلك الوقت، لما يوفره من جداول للأوزان المستخدمة في تجارة اللؤلؤ.
مقتنيات
تحتوي مكتبة محمد المنصوري، على العديد من الكتب والدوريات النادرة، منها: أول دورية صدرت في الإمارات، أول دليل سياحي لأبوظبي أصدرته شركة البترول البريطانية "بي بي" 1963، مجلة الأيام، مجلة منار الإسلام معظم الدوريات التي صدرت في الإمارات، جميع الكتب المتعلقة بالجزر الإماراتية المحتلة، كافة الكتب الصادرة عن سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية.



