بنية الجذر في شعر الأعشى.. دراسات لغوية وتاريخية

ت + ت - الحجم الطبيعي

حقائق كثيرة ومعلومات مهمة يضيء عليها كتاب «بنية الجذر في شعر الأعشى»، لمؤلفته الدكتورة جهينة علي، إذ توضح جملة مسائل بخصوص تاريخ اللغة العربية، مركزة على الجوانب الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية.

فعلم اللغة المقارن يحاول التعرف على الأصل التاريخي بمقارنة كلّ الكلمات في هذه اللغات المنتمية إلى جذر واحد في محاولة لتحديد الأصل الذي صدرت عنه كلّ هذه الكلمات.

ويبين الكتاب أن مسألة تحديد الجذور في ضوء المقارنات تظهر أهمية مثل هذه الدراسات اللغوية المقارنة، خاصة مع استعراض نماذج شعر الأعشى، كما يسهم التحليل والشرح اللغوي والمقارنة في تتبع المجموعات الدلالية برصد التغيرات والتحولات التي طرأت على اللغة العربية عبر الأزمنة، لأنّ أية دراسة للمقابلات في لغات الشرق القديم تبحث عن الكلمات التي انحدرت من أصل اشتقاقي واحد، ومدى الاتفاق أو الاختلاف الدلالي.

ولمّا كانت اللغة العربية ذات قدرة على الاستفادة من الجذور الأصلية والدخيلة فيمكن رصد التحولات والتغيرات بتطبيق هذا المنهج العلمي، كتأصيل بعض الألفاظ التي زعم الأوائل أنها دخيلة من لغات أخرى، بينما هي عربية الأصل.

كما تزال جوانب كثيرة من الشعر العربي غامضة على المستوى الخاص بالمضمون أم باللغة والأسلوب، ودراسة الأدب العربي في إطار بيئته القديمة الواسعة، تقدم بعض الحلول لهذه المشكلة، لأن النظر إلى هذا الأدب في إطار البيئة الضيقة أو المحدودة ساعد على ظهور شروحات خاطئة ومفهومات غير دقيقة لبعض مواده اللغوية والأدبية.

وقد عاش الأعشى في مرحلة متأخرة من العصر الجاهلي، وهي مرحلة مرموقة أدبياً لكثرة الشعراء الذين عاصرهم، وللأعشى صلة مع هؤلاء الفحول، فقد كان يلتقيهم في سوق عكاظ وغيره من الأسواق الأدبية والمحافل الجامعة، قدمه النقاد لأن له المكانة المرموقة، وهو ذو صيت ذائع يشار إليه بالبنان، وحظي بعناية اللغويين القدامى، واهتموا به واستشهدوا بشعره على قضايا نحوية ولغوية كثيرة، وقد كان استخدام الشاعر في ديوانه للمفردات والظواهر اللغوية في العصر الجاهلي من أكمل الصور وأتمها، لذا احتج بها اللغويون أو عدوا الشاعر الجاهلي أرفع الشواهد بعد القرآن الكريم، فكان ذلك مثار استنباط قواعد اللغة واستخلاص معاييرها.

وقد عرضت الكاتبة للجذر الثنائي في اللغة العربية، وآراء العلماء حول نظرية هذا الجذر، وعوامل تطوره، إضافة إلى نماذج تطبيقية على ضوء الثنائية وعلم لغات الشرق القديم، وصولاً إلى بنية الجذر الثنائي، في شعر الأعشى.

ثم بسطت القول في «الجذر الثلاثي» فتحدثت عن الأسباب التي دعت اللغويين العرب القدامى لبناء المصنفات والمعاجم.

وتناولت المؤلفة ظاهرة «الأضداد» فسعت إلى توضيح مقاصدها لمن لا يعرف أسرار لغة العرب.

كما درست المؤلفة «المعرب والدخيل» وتابعت رصد دورهما في طمس الجذر الثنائي، مبينة أن العديد من الألفاظ التي عدّها العلماء دخيلة، إنما هي مبثوثة في اللغات الشرقية القديمة، ويتضح ذلك بعقد مقارنات بين تلك اللغات لتبيين الأصيل من الدخيل.

وقد حفل ديوان الأعشى الكبير بألفاظ دخيلة ومعربة غزيرة، فالتقصي عن بنية الجذور للألفاظ عند الشاعر لا بدّ فيه من متابعتها في اللغات: اليونانية واللاتينية والفارسية، والسريانية والفينيقية والأوغاريتية والحبشية.

إنّ بنية الجذر العربي في شعر الأعشى في ضوء لغات الشرق القديم هي دراسة بنيوية للمفردات العربية على مستويات الدرس اللغوي الصوتية والصرفية والدلالية.

Email