يشكل كتاب «تعريف الفن»، لمؤلفه هربرت ريد، بحثاً جديداً بأدوات عصرية، في موضوعة طالما شغلت أذهان الفلاسفة منذ فجر التفكير الإنساني، ومهما يكن تعريف الفن، فهو كائن في كلّ ما نصنعه لإمتاع حواسنا، إنّ الشكل هو الهيئة التي يتخذها العمل الفني، ولا فرق في ذلك بين البناء المعماري أو التمثال أو الصورة أو القصيدة أو المعزوفة، فجميع هذه الأشياء تتخذ شكلاً معيناً خاصاً..
وهذا الشكل هو هيئة العمل الفني، غير أنّ اتخاذ العمل الفني لهذا الشكل إنما يكون عن طريق شخص معين هو من نسميه بالفنان، والفنانون أنواع ودرجات ولكنهم جميعاً يعطون شكلاً خاصاً لشيء ما.
والشكل لا يمكن إدراكه إلا باعتباره لوناً، ولا يمكن الفصل بين ما نراه كشكل وبين ما نراه كلون، لأن اللون هو تفاعل يحدث بين شكل من الأشكال وبين الأشعة الضوئية الساقطة عليه، التي بها نرى الشكل، وما اللون إلا المظهر الخارجي للشكل. ومع ذلك فإن للون دوراً هاماً يلعبه فيه، لأن له تأثيراً مباشراً على حواسنا.
والتنوع في المجال اللوني يتمشى مع التنوع في انفعالاتنا، والعلاقة الجمالية باللون هي: أننا نتغلغل بسجيتنا في طبيعة اللون، فنتذوق عمقه أو دفأه أو تدرجه. ويمكن الحكم على العمل الفني البصري وفقاً لانسجام أو توافق هذه الألوان أو عدم انسجامها وتوافقها.
والإفراغ الانفعالي هو طريقة للإدراك الجمالي يكشف بها المشاهد عناصر الانفعال في العمل الفني ومطابقة عواطفه الخاصة مع هذه العناصر، فمثلاً، يكشف المشاهد روحانية وسمواً في العقود المدببة وأبراج الكاتدرائية القوطية، ثم يستطيع أن يتأمل هذه الصفات بشكل موضوعي أو محسوس، بمعنى أنها لم تعد مشاعر ذاتية خاصة، بل تصبح كتلاً وألواناً.
ونتذوق الفن لإبداعه، يتلون وفقاً للفروق المزاجية البشرية. وتبعاً لهذا، فإنه توجد أربعة أنماط للنشاط العقلي، وهي: التفكير والشعور والإحساس بالألم والإلهام ويترتب على توازن هذه الأنواع من النشاط ومداها في فرد ما، أن ينتمي هذا الفرد إلى النمط النفسي الذي يتفق معه.
ويمكن الوصول إلى ذلك عن طريق التصنيف العملي للأساليب التاريخية في الفن؛ فالأسلوب الذي يعرف بالواقعية تارة وبالطبيعية تارة أخرى، هو الأسلوب الذي يستهدف محاكاة الحقائق الواقعة في مجال الإدراك كأدق ما تكون المحاكاة، وهناك أسلوب آخر يعرف أحياناً بالمثالية، أو الرومانسية، أو الخيالية، أو التصويرية في الفن..
وهذا النوع يستخدم الصور ذات الأصل البصري لكي يبني عنها واقعاً مستقلاً، وهناك الأسلوب التعبيري الذي تقرره رغبة الفنان في إيجاد نظير تشكيلي لإحساساته المباشرة ولاستجاباته المزاجية لمدرك أو لخبرة ما، وأخيراً الأسلوب التجريدي.إذا نظرنا إلى فنون العالم جميعها سنجد أنّ ذلك النوع من الفن الذي ارتبط بروفائيل وبرويجل وكونستابل ليس إلا النذر اليسير..
وأنّه ليس سوى نوع واحد مصور على بلاد قليلة في ركن واحد من العالم، وعلى هذا الأساس لا ينبغي لنا أن نتمادى بحيث نتصور أن هذا النوع الوحيد للفن، بل ينبغي أن نتطلع إلى جميع طرز الفن، وحينئذ فقط نستطيع أن نكون في موقف يسمح لنا بفهم كيفية تأثير الفن في التصور. وهناك تطبيقات مختلفة لقوانين الطبيعة..
وأشكال الفن تتنوع تنوع أشكال الحياة، غير أنّ المبادئ الأساسية للشكل والبناء واحدة لا تتغيّر، أمّا الخصائص الأخرى للفن فليس لها أساس حتمي لأنها أخيلة من صنع التصور؛ وأنّ الفنان، وكذلك نحن، نتوغل إلى عمق ما في عالم الأحلام، ومنه يستمد الفنان ما نسميه بالإلهام، وينبغي أن ننظر إلى العقل الباطن للمشاهد على أنّه نوع من الكرنفال..
وشيء مثل هذا لا بدّ أن يحدث عندما نتطلع إلى صورة ونمارس الشيء الجديد الذي يستهدف الفنان تقديمه إلينا، وأدى الاتجاه نحو المدنية والمذاهب العقلية إلى الحدّ من ظهور هذه الأشياء، ولا تعترف السريالية بأهمية وضرورة هذا العنصر في الفن، بل إنها تصرّ على أنّه النبع لجميع القوى التصورية، وأنّه الأساس لجميع أوجه النشاط الابتكاري أيضاً.
الكتاب: تعريف الفن
تأليف: هربرت ريد
ترجمة ومراجعة: إبراهيم إمام/مصطفى رفيق الأرنؤوطي
الناشر: مركز الشارقة للإبداع الفكري 2015
الصفحات:
52 صفحة
القطع: المتوسط
