يدور كتاب «أنشودة الحِداد.. الحرب والتذكر من الإلياذة إلى فيتنام»، حول قضية نسيان ضحايا الحرب السابقة وغياب الحداد عليهم. إذ يؤكد مترجم الكتاب في هذا السياق، الزميل كامل يوسف حسين رئيس قسم الترجمة في جريدة (البيان)، أن إهمال تخليد ذكرى هؤلاء يشكل أقصر الطرق إلى اندلاع الحرب المقبلة.

ويرى أنه بغض النظر عن الأسباب الموضوعية للحروب والنطاق الجغرافي والمدى الزمني لخوض غمارها، فإنها جميعها يربط بينها شيء واحد، وهو مضيها بلا هوادة إلى النصب والصروح التذكارية التي تقام لمن قضوا نحبهم فيها، والفن الذي يخرج من تحت عباءة الحرب بأسرها، يبدأ من الحداد والتذكر وينتمي إليهما..

والخروج عن هذه القاعدة التاريخية الراسخة لا يفضي إلا إلى استحضار مقومات حرب تالية.. ويضيء الكتاب بشكل بانورامي وتفصيلي، على الحرب المقترنة دوماً بالصراع، إذ يعد كثيرون ذلك جزءاً لا يتجزأ من صميم الوجود البشري ذاته، بدءاً من أبسط أشكال الصدام وأكثرها محدودية، ليصل إلى الصدام لإخضاع إرادة الخصم.

وعلى صعيد متصل، يشير مؤلف الكتاب الى ان الإلياذة ليست فقط واحدة من أقدم القصائد التي أنشدت في شأن الحرب، ولكنها أيضاً من أقوى النماذج التي تؤكد أن الشعر يمكن أن يكون إضافة حقيقية للتعبير عن المواساة لما يحدث في الحرب من خسائر وغيرها، ولا شك أن كلمات ومعاني أنشودة الحِداد كفيلة بإلهاء وإثارة مشاعر كل من له اهتمام بأدبيات الحرب.

هيروشيما

يرصد ويدرس الكتاب جملة محطات في حروب البشر، منذ اقدم العصور، منذ الالياذة وحتى احدث الحروب في وقتنا المعاصر. كما يعرج على قصف مدينتي هيروشيما ونغازاكي بالقنابل الذرية..

حيث قفز الصراع، في أحد أبعاده، إلى استئصال مقومات الوجود العضوي للخصم، وهو ما يضرب جذوره في رؤية عدمية تهدد بأن تتصاعد لتشمل كذلك الطرف الذي اعتمد هذا الأسلوب منهجاً للحركة في الحرب. وكانت حربا كوريا وفيتنام، حسب مؤلف الكتاب، وبمعنى ما، تجسيداً لهذه الرؤية العدمية.

كما يتطرق الكتاب الى جوانب عديدة في الخصوص، موضحا أن عدداً من المراقبين يرون أن الحرب على الإرهاب ليست إلا هروباً من هذا التناقض الجذري، لأنها بحكم تعريفها حرب تحدد لنفسها أهدافاً ربما تبرهن في نهاية المطاف على استعصائها على التحقيق.

ويتناول المترجم أيضاً في الكتاب حقيقة مدهشة، لا موضع لإنكارها، وهي أنه تأخر كثيراً تأسيس علم «ظاهرة الحرب» أي «البيلومولوجي» وهو مصطلح اقترحه غاتسون بوتول في كاتبه «مئة مليون قتيل» الذي صدر للمرة الأولى عام 1946، وهذا العلم يدرس ظاهرة تأخر الحرب تاريخياً واجتماعياً.. ويعالج كل القرائن والوقائع والمضامين والنتائج المتعلقة بها سياسياً واقتصادياً وثقافياً.

القارئ للكتاب لا يستطيع إلا التوقف طويلاً أمام التحليل الذي يقدمه المؤلف لذكرى ضحايا الحروب، من خلال دراسة سلسلة متتابعة من النصب والصروح التذكارية، في مقدمتها نصب ثيبفال التذكاري لمفقودي معركة السوم، ونص مايا لين لقدامى المحاربين الأميركيين في فيتنام، المقام في واشنطن بمقاطعة كولومبيا، وتجربة جدار فيتنام، وأخيراً النصب التذكارية المنتشرة في أرجاء فيتنام.