توسكا.. أوبرا الواقع ولسان المجتمع

ت + ت - الحجم الطبيعي

لجأ رجال الفكر والفن في الفترة الرومانسية والرومانسية المتأخرة إلى ‬التمرد على‮ ‬كل ما هو كلاسيكي،‮ فانبثق نزاع جاءت به تعاليم الفلسفة لتحليل الواقع وعدم اللجوء إلى‮ ‬مبادئ لا تفيد لا التقدم ولا العلوم الحديثة. وبذا نشأ صراع تراجيدي: بين القديم والجديد،‮ ‬وهو ما تعكسه تماما، مسرحية الكاتب الفرنسي‮ ‬فكتوريان ساردو‮ (لاتوسكا)‬ التي تعد من أفضل الأمثلة على هذا الصراع.

ولما كان جياكومو بوتشيني واحدا من أهم فرسان المدرسة الواقعية في فترة الرومانسية المتأخرة في الموسيقى، فإنه أغرم بالمسرحية كثيرا ورأى فيها مثلا عظيما للفكر الجديد. فقرر أن يحولها الى عمل أوبرالي كبير يحمل اسم بطلة العرض توسكا.

تنتمي مؤلفات جاكومو بوتشيني للمدرسة الواقعية في فترة الرومانسية المتأخرة التي تعتمد على تجسيد موضوعات اجتماعية مستوحاة من الواقع، وأوبراته البوهيمية: مدام بترفلاي، وتوسكا أكبر دليل على وضوح اتجاهه الفني.

بدأ بوتشيني العمل على الاوبرا عام 1899 بعد أن أتم الثنائي جوزيبي جاكوزا ولويجي إيليكا، العمل على النص المسرحي وتحويله الى حوار غنائي (الليبريتو) للأوبرا «توسكا»، عن مسرحية الفرنسي فيكتوريان ساردو، التي تدور أحداثها في روما عام 1800، في الفترة التي غزت فيها الجيوش الفرنسية إيطاليا.

3 شخصيات

ثلاث شخصيات درامية أساسية هي ماريو كافارادوسي الرسام العاشق.. ثم فلوريدا توسكا، وهي الشخصية الرئيسية الثانية التي تبادل الرسام الحب وتعمل مغنية أوبرا، أما الشخصية الثالثة فسكاربيا رئيس البوليس الذي يمثل الجانب الشرير.

وهو صورة مجازية لنابليون المتعجرف (الذي ‮‬ نصب نفسه عام ‮ ‬1804إمبراطورا) . أما الشخصيات الأخرى فهي: أنجيلوتي السجين السياسي الهارب، حارس الكنيسة، ومساعدا سكاربيا. ولكل هذه الشخصيات الثانوية ضرورة درامية.‬

تجري‮ ‬أحداث الفصل الأول في‮ ‬كنيسة سانت أندريا‮، حيث يبدأ بوتشيني الأوبرا بشكل مغاير لكل الأوبرات، من دون مقدمة موسيقية بل بثلاثة تآلفات عنيفة تعزفها آلات النفخ النحاسية وتعبر عن شخصية سكاربيا المستبدة خلال كل الأوبرا.

يظهر حارس الكنيسة أو (القندلفت) بمشيته العصبية الغريبة، متذمرا من ريشات الرسم الوسخة التي يتركها ماريو دون ترتيب. ثم يدخل ماريو ليتم رسم لوحة لامرأة جميلة تشبه المجدلية. ويقول حارس الكنيسة انها تشبه سيدة تأتي للصلاة كل يوم.

بعد خروج الحارس، يتابع ماريو عمله فيدخل صديقه الهارب أنجيلوتي طالبا المساعدة. فيعبر ماريو عن استعداده للمساعدة ويطلب منه الاختباء بسبب قدوم توسكا الغيورة الغاضبة من المرأة التي يرسمها ماريو. وتسأله عنها فيجيبها بشكل مبهم وغير محدد.

تشعر توسكا بالغيرة أكثر عندما ترى الشبه بين صاحبة الرسم والماركيزة أتافانتي صاحبة القصر. فتسأل ماريو عن هذا بغضب شديد فيبدد مخاوفها. ثم تستجيب بحب لكلماته ولقبوله تغير لون عيون السيدة في اللوحة لتصبح أكثر شبها بعيونها.

يعطي ماريو سلة الطعام التي تركها حارس الكنيسة لصديقه الهارب انجيلوتي الذي يعترف له بأن الماركيزة أتافانتي هي أخته. فيخرجان بسرعة حتى لا يكتشف سكاربيا ورجاله أمرهما.

يدخل سكاربيا مع رجال الشرطة الكنيسة ويبدأون بالبحث. فيجدون سلة الطعام فارغة. ويستنتج سكربيا أن انجيلوتي هو من أكل الطعام وكافارادوسي هو الذي دبر أمر هروبه.

وتعود توسكا الى الكنيسة لارتيابها بإخلاص ماريو، حيث تلتقي سكاربيا الي يسخر من تدينها المزيف برأيه. ويقول لها إن الكنيسة باتت ملتقى للعشاق. ويظهر لها مروحة خاصة بسيدة أسقطتها حين فوجئت بأحدهم يدخل الكنيسة.

ينتاب توسكا الرعب والغيرة حين ترى شعار عائلة أتافانتي على المروحة. فتبكي بذل وغيرة مهددة غريمتها بالانتقام. ويتظاهر سكاربيا بمواساتها وبعد ذهابها يأمر مساعده بملاحقة تحركاتها وابلاغه. ثم يغني ترتيلة الشكر «تي ديوم» لتحقيق نصرين: احتضان توسكا وسقوط ماريو.

سبب وتهمة

يبدأ الفصل الثاني في جناح سكاربيا بقصر فارنيزي، حيث يجلس سكاربيا متمنيا تعليق كافارادوسي وانجيلوتي على حبل المشنقة. فيظهر مساعده ويقول إنه لم يجد أثر لأنجيلوتي، ولكنه جلب ماريو الرسام لاستجوابه.

فيدخل ماريو ويسأل بغضب عن سبب اعتقاله. ويتهمه سكاربيا بإخفاء السجين الهارب فينكر ماريو بتحد التهمة. تدخل توسكا وترتمي بين ذراعي حبيبها الذي يحذرها على انفراد من كشف أي معلومات. ثم يساق ماريو الى غرفة الاستجواب (التعذيب).

يبدأ سكاربيا استجواب توسكا حول الفيلا التي يختبئ فيها انجيلوتي. فتخبره أن ماريو كان وحيدا هناك. وأن هذا التحقيق بلا فائدة. فيهددها سكاربيا ويذكرها بأن جوابا بسيطا سيخلص ماريو من التعذيب. تركض باتجاه صوت ماريو المتألم الذي يطلب منها الصمت بعد أن سمع بكاءها من وراء الباب.

فيأمر سكاربيا أن يفتح باب غرفة التعذيب. وترى توسكا حبيبها ينزف بشدة ثم يغمى عليه من شدة التعذيب. وتعترف لسكاربيا بمكان انجيلوتي. يستعيد ماريو وعيه ويصاب بغضب شديد ويلعن توسكا لخيانتها حين يعلم أنها اعترفت بمكان صديقه الهارب. يصدر سكاربيا أمرا بإعدام ماريو لمساعدته الهارب.

تسأل توسكا سكاربيا عن الثمن الذي يريده لإنقاذ حبيبها. فيجيب أن توسكا نفسها هي الثمن. فتغني أريا أغنية : (عشت للفن - عشت للحب) والتي تعبر بها عن التمزق الداخلي لتوسكا. إذ تقول فيها انها عاشت حياتها للفن والحب وساعدت المساكين ولم تؤذ أحدا.

يدخل مساعد سكاربيا ليعلمه أن أنجيلوتي انتحر بالسم قبل تنفيذ الإعدام. ثم يسأل متى سيكون إعدام ماريو، فينظر سكاربيا الى توسكا التي تومئ إيجابا فيقول سكاربيا لمساعده سيكون هناك إعدام صوري وعلى وجهه نظرة فهم المساعد فحواها.

تطلب توسكا من سكاربيا جواز مرور من البلاد لها ولماريو. يختم سكاربيا جواز المرور ويقترب من توسكا لعناقها فتغمد في صدره خنجراً كانت قد خبأته. وتقول له هذه قبلة توسكا فيسقط ميتا تحت أقدامها. وتأخذ جواز المرور وتهرب بهدوء لينتهي الفصل الثاني على لحن يدل على شخصية سكاربيا الرهيبة.

الفصل الثالث يبدأ بعزف منفرد لآلة الهورن عند شروق الشمس على سطح سجن قلعة سان انجلو، حيث يغني ماريو كافارادوسي أغنية مؤثرة تذكره بماضيه الرائع مع توسكا (عندما كانت النجوم تتلألأ‮). يقود جندي توسكا لمقابلة ماريو وعندما ينصرف الحارس.

تخرج توسكا جواز المرور لكي يراه ماريو. ثم تروي له كيف قتلت سكاربيا عبر أريا (أغنية) شديدة الدرامية. وبعدها تشرح توسكا لماريو ان الفرقة ستستخدم طلقات وهمية، وأن عليه التظاهر بالموت. وبالفعل يساق ماريو الى الحائط لتنفيذ الحكم ويرفض أن تعصب عيناه.

ثم تطلق النار عليه ويسقط ثم يغطي الجنود الجثة. وبعد أن تتأكد توسكا من ذهاب الجنود تقترب وتطلب من ماريو عدم الحركة فلا يجيب فترفع الغطاء فتكتشف أنه ميت فتبكي بشدة فوق جثمانه. وفجأة تسمع صراخا غاضبا. ثم ترى الجنود يتجهون نحوها صارخين أنها ستدفع ثمن جريمتها. فتصرخ (سكاربيا سأواجهك أمام الله) ثم ترمي نفسها من فوق السور وتسدل الستارة معلنة نهاية الأوبرا.

Email