محمود خضر: مجتمعاتنا تعاني تردياً فكرياً واجتماعياً

محمود يوسف خضر

ت + ت - الحجم الطبيعي

عن بلدان قابعة في المكان وخارج الزمان في هذا العالم الواسع يتحدث الباحث الفلسطيني محمود يوسف خضر في كتابه «ضيف على الحياة»، مستنداً إلى مشاهداته العميقة لمعالم أثرية وعادات تختلف من مدينة لأخرى، إلى جانب رصده لتحـــولات لا تنــتهي.

ويأتي هذا، حسب ما يقول في حواره مع (بيان الكتب)، ضمن سياق رؤيته لإشكالية الكتابة عن الرحلات، فمعنى الرحلة العملي لا يحتويه اللفظ، كـــما يرى، بل يكمن في ممارسة الرحلة كفعل.

ويبين خضر في الحوار أن الثقافة التي تتسيد الساحة فتسيطر على عقول غالبية أفراد المجتمع حاليا، هي ثقافة «سريعة»: أنتجتها مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أفرز تسطيح المعرفة الحق، وغياب الرقي الفكري وضعف تواصلنا الاجتماعي.

لماذا اخترت أن تكتب عن بلدان من دون غيرها، مع العلم أنك زرت بلداناً كثيرة أخرى؟

بالفعل، زرت بلداناً أكثر بكثير من التي كتبت عنها، ولأني شعرت بأن البلدان التي لم أكتب عنها مختلفة تماماً بطبيعتها وبناسها، شعرت بدهشة أكبر منعتني من الكتابة عنها، مثل لندن الجميلة بطبيعتها والغنية بمسارحها والمسكونة بالمتاحف، إنها مدينة أكثر بكثير مما تناولته بـ «ضيف على الحياة»، باعتبارها تضع حاجزاً عند وصفي لها. وهذا الأمر ما يفرض إعدادا خاصا للتصدي للكتابة عنها.

تناولت مصر مرتين في زمنين مختلفين، فما الهدف من وراء ذلك؟

مصر مكان ميلادي، فيها عشت قبل أن آتي إلى دولة الإمارات، في العام 1982، ولهذا تحتل مكانة خاصة في نفسي، وما يشعرني بالأسى كيف كان وضعها أفضل في الستينيات والسبعينيات من القرن الفائت. وكان فيها الكثير من الشاعرية، ولكن لم يتبقَ منها إلا القليل، وبهذا تبقى مصر الحنين إلى الماضي والأمل في المستقبل.

فنون باقية

هل وضــــعت خطة مـــعينة عند كتـــابتك عن هـــذه المدن؟

لم أتبع أية خطة، أضع الخطط ومنهج البحث عادة عند الكتابة في مجال الفنون، ولهذا جاء الكتاب عبارة عن انطباعات مسافر ووصف لتعريف القارئ بهذه المدن ودعوته حين يزورها، للتسلح بدليل أفضل من الدليل السياحي، من خلال تعريفي بمتاحفها والأماكن التي ينبغي زيارتها. ونقلت من خلاله، مشاعري للقارئ الذي ربما يتفق معي أو يخالفني الرأي.

كيف انعكست رؤيتك كباحث كتب في مجال الفنون، على مشاهداتك في هذا الكتاب؟

عادة ما تلفت انتباهي الآثار والزخارف في المدن التي أمر بها، فهي هواية واهتمام..وهذه الزخارف تختلف من بلد إلى آخر، وفقاً للنباتات المتوافرة في كل بلد.

وبالعموم، فإن المدن تتـــشابه. ولكن خصوصيتها تبرز ببيئتها وسكانها..وثقافتها.ما الذي أردت إيصاله عبر كتابك هذا؟

إن الحياة قصيرة.. وعلينا أن نعيش كل لحظاتها ودقائقها، وأن ننظر إلى الماضي بغضب.. وأن نحتفل ونحتفي بكل نهار نحيا فيه وليل نستمتع بظلامه ونجومه.

لماذا اخترت عنوان «ضيف على الحياة» ؟

الحياة مستمرة قبل أن نولد، وستستمر بعد موتنا، إلا أنه ما قبل الميلاد وما بعد الموت حيوات أخرى لا نعرفها، لهذا نحن ضيوف والجسد الذي سيفنى سيتمثل في حيوات أخرى لكائنات أخرى. وسيبقى مسرح الحياة وسيختلف الممثلون، إنه صخب مستمر لا يهدأ.

و«ضيف على الحياة» استوحيته من المثل الشعبي المصري «إحنا ضيوف عالدنيا»، وهذه هي الحقيقة. كلنا ضيوف ويجب أن نتعامل مع ما يتناسب والضيافة، ذلك من دون استنزاف الموارد الطبيعية للأرض، أو بذخ وإسراف، فكلنا بشر وعلينا التعامل بلباقة مع الموارد الطبيعية بهدف توزيع أكثر عدلاً على الكرة الأرضية، لنكون كضيوف خفيفين على بعضنا البعض، وهكذا يدعو الكتاب إلى التسامح وتقبل الآخر من منطلق العدالة والحب.

إسقاطات

متى بدأت أولى أبحاثك في مجال الفنون الإسلامية، ولم كان هذا الخيار؟

جاءت الفكرة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 عند تفجير برجي التجارة العالمي في نيويورك، إذ بدأت أعمل في مجال الفنون الإسلامية، وأوضح بالتالي للمتطرفين أن الفنون تعتبر رافداً جوهرياً ضمن روافد الحضارة الإسلامية.

وما تبقى من ملامح الهندسة المائية من ممرات مائية ونواعير وحمامات ومساجد ومنجزات الفنون الإسلامية، التي يحرمها المتطرفون هي على درجة كبيرة من القيمة والأهمية، فلم يتبقَّ في الأندلس مسلمون ولكن بقيت المنجزات المعمارية والفنون الإسلامية، ومن هنا لا نعرف من أين جاء هؤلاء(المتطرفون)، بكره الفنون والحياة.

مَن تخاطب بكتبك النقدية ؟

هناك إسقاطات كثيــرة. فــــكتابي الذي أعمــل عليه حاليا، بعنوان «تاريخ وفـــنون عصر الطـــوائف» يشتـــمل على إسقاطات عصرية، فغالبية الناس في لهاث لتأمين لقمة العـــيش وهناك حـــالة عامة من التدني في المستوى الفكري والتواصل الاجتماعي، وذاك في زمن يشهد ما يعرف بالثقافات السريعة جداً التي تنتشر على صفحات مواقع الـــتواصل الاجتماعي:

(تويتر) والـ(فيس بوك)، لتصبح هي الثــــقافة السائدة، ومن هنا تصـــبح مثل هذه الموضوعات صعبة ومتسارعة. وأود أن ألفت إلى أن الكـــتب البحثية يتطلب مني إنجازها، وقتاً طويلاً وصبراً ومـــــثابرة، ذلك إلى أن أفلـــح في جمعها فأخرج بعمل يرضيني.

«ضيف على الحياة».. طريق رحلة محفوفة بالكمائن

«ما بين الميلاد والموت، رحلات متشعبة، لا يمكن تتبعها أو تدوينها، فالرحلة بطبيعتها فعل متحرك، مكوك لا يهدأ، بينما الكلمة ساكنة».

إنها إحدى العبارات الأولى لمحمود خضر في مقدمة كتابه «ضيف على الحياة» والتي سماها «الفاتحة»، موضحا «أن سرد الرحلة طريق محفوف بالكمائن والألغام، فالحقيقة أن أجمل ما في الرحلات لا يكتب وإنما يعايش».

محطات في مصر

«ضيف على الحياة» كتاب صادر عن دار السويدي للنشر والتوزيع في أبوظبي، وزعه خضر على 125 صفحة من القطع المتوسط، وبدأها في مرحلة ما قبل ميلاده، عندما تناول مرحلة خروج أهله مرغمين من يافا في العام 1948 إلى مستقرهم في مصر. وجاء ذلك بعنوان «إزالة الستار عما غاب من أخبار». ليصل من بعدها إلى مرحلة طفولته في مصر، واصفاً الأحياء والباعة..

ووسط هذا، إصابته في عينه إصابة لم تنتهِ مشاكلها إلا بعملية في جامعة «عين شمس» لتظهر بعد ذلك مصر مرتين، الأولى بعنوان «من المحروسة إلى مولانا» وفيها وصف رحلته إلى القاهرة، وزيارته قبر الإمام الشافعي المولود في غزة عام 767 ميلادية.

ليصف بعد ذلك جزءاً من تاريخ مصر والذي لا يزال يتجسد بمشاهدات عدة، مثل الآثار الموجودة في شارع المعز لدين الله الفاطمي، ليذهب إلى مدى أبعد في التاريخ عند رحلته إلى أسوان حيث الآثار الفرعونية، عاكساً مشاهدته وانطباعاته التي تغيرت في زيارته لها فيما بعد، وذلك في فصل سماه «اليد الخفية».

في أصقاع الأرض

لكل رحلة في كتاب خضر، سبب. ونجده يذكر تلك الأسباب، بدءا من رحلته إلى كندا، والتي خصص لها باباً بعنوان «وداعاً مونتريال دماء على رداء الأمل» وفيها يبين كيف قصدها للهجرة والتي لم تنجح: «أنا الباحث عن وطن في عالم أعتبره وطني».

أما في «عشاء في كوبنهاجن» فذكر بأن اسم المدينة يعني باللهجة المحلية «المرفأ التجاري» وهي من أقدم العواصم الأوروبية. ومنها ينتقل في كتابه إلى السويد التي استمر خلالها في وصف الأماكن الموجودة حاليا، رابطاً إياها بقصص من التاريخ.

واتبع خضر النهج ذاته، حين تحدث عن رحلته وعائلته إلى إسطنبول قائلاً: «وفي طريقنا إلى آيا صوفيا شاهدنا مضيق البوسفور وهو يعج بالسفن». ليصل إلى حديثه عن متحف آيا صوفيا الذي كان كنيسة بنيت وتهدمت عدة مرات، ومن ثم افتتح كمتحف في العام 1938.

في رحاب المغرب

مدن عربية عديدة تناولها المؤلف في كتابه، وجاء العنوان فيها مدخلاً إلى طرقاتها وزوايا تاريخها، وأحياناً إلى عاداتها حين رحلته إلى الجزائر، ذاك في فصل اسماه «النسوة يعملن والرجال للراحة.. طوارق الصحراء الكبرى»، وتحدث عن عادات الطوارق ومكانة المرأة «كبرى لديهم إذ لا يتم شيئاً إلا بموافقتها».

أما وجوده في المغرب للمشاركة في ندوة فدفعه ليخصص باباً بعنوان «فاس تنهض من التاريخ كالعنقاء في الرماد». وخصص باباً آخر عن دولة أخرى من المغرب العربي، بعنوان «تونس والشجرة المباركة»، بينما كانت عُمان الدولة الخليجية الوحيدة في الكتاب. وظهرت في فصل «يا مسندم..يا» ليخصص ما تبقى في كتابه للهوامش التي شرح فيها بشكل مختصر عن المدن الواردة في الكتاب.

 

Email