اللقاء بالمؤرخ والمفكر الإماراتي، الدكتور محمد فارس الفارس، يثير أكثر من تساؤل حول التركيز على موضوع أدب الرحلة، الذي يعتبر الفن الأرقى عند العرب، قديماً، إذ استلم الأوروبيون هذه الشعلة من العرب، لاحقاً، فأبدعوا في هذا الفن.

يؤكد الفارس، في حواره مع "بيان الكتب"، بمناسبة فوز كتابه "رحالة وسياسيون زاروا الإمارات والخليج" في "جائزة العويس للدراسات والابتكار العلمي" 2013، التي تمنحها ندوة الثقافة والعلوم في دبي، عن أفضل كتاب إماراتي، أنه مهتم إلى أبعد الحدود في هذا الحقل، ويجد أن طريقة سرد المشاهدات واليوميات فيه، أبرز مكامن المتعة والتشويق ضمنه.

ما سبب عودتك إلى الكتابة عن أدب الرحلات في الوقت الذي يتراجع فيه النشاط ضمن الحقل في العالم العربي؟

للأسف الشديد، إن أدب الرحلات الذي كان مزدهراً على يد نخبة من الأدباء، أمثال ابن بطوطة والمسعودي والريحاني، أخذ يتراجع، وما يكتب حالياً، لا يرقى إلى مستوى الرحالات التي كتبها هؤلاء الذين ذكرناهم. إن أدب الرحلات يحتاج إلى أشياء عديدة منها الإمكانات المادية المتوفرة لدى الرحالة أو الدعم المقدم.

والرغبة في الاكتشاف ومعرفة اللغات وإتقانها.

مقارنة وإشارات

ماذا جذبك إلى أدب الرحلة.. ومن ثم شدك لتكتب عنه؟

يعنيني ويسحرني موضوع الرحلات كثيراً، منذ سنوات طويلة. إذ قرأت رحلات المقدسي وابن بطوطة والمسعودي، ولكن لم أجد أنه توجد بعد هؤلاء، رحلات عميقة. وفي المقابل، نرى أن الأوروبيين يبذلون جهداً كبيراً في كتابة أدب الرحلة.

وأود أن ألفت هنا إلى انه توجد حالياً ترجمة لأمهات الكتب في مجال الرحلة، ينفذها المركز القومي للترجمة في القاهرة، الذي ترجم رحلة بلغريف وداوتي إلى العربية. وهذان جاءا إلى منطقة الخليج وزارا شيوخ القبائل وكتبا عنهم، مثل: آل الرشيد.

أين هو مكمن المتعة الذي تجده في أدب الرحلات؟

يتجسد جوهر المتعة في أدب الرحلات، في طريقة سرد المشاهدات واليوميات. ولا أخفيك إنني أعتمد شخصياً في هذا الشأن، على الحالات وطبيعتها في موازاة الوثائق.

فعلى سبيل المثال، كتب داوتي عن راكان بن حثلين، شارحاً كيف سجنه الأتراك لأنه عارض وجودهم في الأحساء. وتلك مادة نادرة، كتب تفاصيلها داوتي بأسلوب ممتع. لذلك ألجأ، دوماً، إلى أدب الرحلات من أجل مقارنتها بالوثائق البريطانية وغيرها.

سبب

لماذا ركز الرحالة الأجانب على زيارة نجد والحجاز وصحارى العراق والشام؟

ربما لأن حياة البدو وتجمعات القبائل الكبيرة، مثل حال قبيلتي: شمر وعنزة، هي أكثر جذباً من حياة المدن الساحلية في منطقة الخليج العربي. لذلك فإن الرحلات التي أجراها الرحالة لمدن الخليج، نجدها أقل بكثير من تلك التي شملت مناطق القبائل في الصحراء العربية الممتدة.

لم ضمّنت كتابك الحالي "رحالة وسياسيون زاروا الإمارات والخليج قبل النفط"، قصصاً وإشارات إلى سياسيين ومدرسين زاروا المنطقة أو كانوا يقيمون فيها؟

يتمتع السياسيون والأساتذة بقدرات ومهارات كبيرة، لا تقل عن قدرات ومهارات الرحالة، ذلك من حيث تسجيل الأحداث وفق رؤيتهم، خاصة في الكتب التي خطها هؤلاء.. وهي عبارة عن شهادات قيمة في معرفة التاريخ. وفي هذا الخضم، وبفضل ما توفره من ثراء وتنوع، يجد المؤرخ نفسه أمام كم من الوثائق والانطباعات التي لا بد له من استشارتها.

أسماء ورحلات

أي الرحالة، تحديداً من الغربيين الذين وفدوا إلى شبه الجزيرة العربية، أثار اهتمامك؟

الكثير من هؤلاء.. وعمدت إلى تضمين أسمائهم في كتابي نفسه. ومن بين أبرزهم: جان فان لينخوتن، الذي ارتحل إلى المنطقة في القرن السادس عشر، حيث لم تكن الإمارات قد تكونت بعد. كما أعجبت بالرحالة البريطاني وليم بلغريف الذي زار الإمارات عام 1863. إذ احتوت رحلته على تفاصيل متنوعة عن الحياة الاجتماعية للسكان.

ووصف للمدن والقرى والعادات والتقاليد والحياة الاقتصادية.ويمكن الحديث عن الكولونيل صموئيل مايلز، الذي زار البريمي عام 1875. والرحالة الألماني هيرمان بوريخارت الذي زار منطقة الخليج بين عامي 1903 و1904. وكذلك زيارة اللورد كيرزون، نائب ملك بريطانيا في الهند لمنطقة الخليج. إضافة إلى رحالتين، أحدهما إيراني والآخر هندي.

هل تجد أن الصور التي التقطها هؤلاء الرحالة، بناءً على تجربتك ودراستك في الخصوص، تحوز قيمة توثيقية وتأريخية مهمة ومؤثرة في الحقل؟

بطبيعة الحال. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، تعد الصورة التي التقطها الرحالة ويلفريد ثيسيجر لزايد الأول في 1903، وثيقة نوعية مهمة في تاريخ الإمارات. وكذا هناك عشرات الصور للإمارات وحكامها. وهي تصنف من أجمل الصور التي التقطت للبلاد في تلك الفترة، بسبب صيغتها الشاملة ودرجة وضوحها العالية. وهناك صور حصلت عليها من مدير مركز الوثائق الهولندي، ضممتها إلى الكتاب.

مبادرات نوعية

كيف تقيم مستوى الاهتمام الإماراتي في تلك الرحلات وموضوعاتها وبالذين قاموا بها؟

لا شك أن دولة الإمارات، بكل هيئاتها وجهاتها المعنية، تولي هذه المسألة، اهتماماً ورعاية كبيرين. وتبرز هنا، جهود هيئة أبوظبي للتراث، التي ترجمت عدداً كبيراً من الكتب الخاصة بهذه الرحلات، إلى اللغة العربية.

فوضعت بهذا، مادتها الغنية والممتعة للغاية في أسلوب كتابتها، أما القارئ العربي، ليطلع على ما تتضمنه من وصف للمكان والأشخاص في تلك الآونة. وكذا حال ومضاعفات الأوبئة التي استفحلت، مثل الطاعون الذي ضرب العراق ومنطقة الخليج. وكذلك الكوليرا التي جاءت من الهند عن طريق السفن.. كما انتقلت الأمراض إلى الكويت وعمان.

وهناك مجلدات ضخمة عن "العربية المنسية"، أصدرها القساوسة للتبشير في منطقة الخليج، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وهي تحتوي على مادة غزيرة غير مترجمة، عن منطقة الخليج العربي ودولة الإمارات بشكل خاص.

ما الذي ستقدمه وتعتزم إنجازه مستقبلاً، على صعيد مشروعاتك الفكرية والبحثية في المجال؟

سيصدر لي قريباً عن دار الأهلية الأردنية، الجزء الثاني من كتاب "تاريخ الإمارات والخليج".

سيرة

 الدكتور محمد فارس الفارس. باحث وكاتب إماراتي. خريج كلية الآداب - تخصص في التاريخ - جامعة القاهرة عام 1984. حاصل على الماجستير من جامعة القديس يوسف في لبنان 1991.

وعلى شهادة دكتوراه الدولة - جامعة تونس 1999. أصدر ثلاثة كتب جديدة، أخيراً، وهي: زايد في الوثائق البريطانية، رحالة وسياسيون زاروا الإمارات والخليج، الأزمة الاقتصادية بعد اللؤلؤ في الثلاثينات. نال جائزة أفضل كاتب محلي في معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 2001، وجائزة العويس كأفضل كتاب إمارتي 2013.

زيارات وانطباعات عن الحياة والعادات قبل النفط

 لا يقتصر كتاب "رحالة وسياسيون زاروا الإمارات والخليج قبل النفط"، للدكتور محمد فارس الفارس، على استعراض رحلات قام بها رحالة فقط، وإنما يشتمل أيضاً على زيارات قام بها سياسيون بريطانيون ومدرّسون كتبوا انطباعاتهم عن الحياة والعادات والتقاليد، أثناء فترة وجودهم في الإمارات ومنطقة الخليج.

الرحالة الأول، هو الهولندي جان فان لينخوتن، الذي كانت رحلته إلى الإمارات في أواخر القرن السادس عشر الميلادي، حيث إنه في تلك الفترة لم تكن الإمارات قد تكونت بعد. وأهم ما اشتملت الانطباعات والتسجيلات حول الرحلة، ما ذكره لينخوتن عن مهنة صيد اللؤلؤ التي كانت أهم مهنة في منطقة الخليج.

وفي الفصل الثاني من الكتاب، يتحدث الفارس عن رحلة الرحالة البريطاني وليم بلجريف، الذي زار الإمارات عام 1863، واحتوت رحلته التي زار فيها أيضاً بعض مدن الخليج ومناطق واسعة من نجد، على الكثير من تفاصيل الحياة الاجتماعية للسكان، وكذلك على وصف للمدن والقرى والعادات والتقاليد والحياة الاقتصادية وغيرها. ونُشرت هذه الرحلة باللغة الإنجليزية، للمرة الأولى، عام 1865م في جزأين.

صموئيل مايلز في البريمي

يستعرض الكتاب في الفصل الثالث، تفاصيل رحلة الكولونيل صموئيل مايلز إلى منطقة البريمي عام 1875. كما أن مايلز، لم يكن فقط رحالة، إنما أكثر من ذلك. فهو سياسي بريطاني كان يعمل معتمداً سياسياً وقنصلاً في مسقط، خلال الفترة بين عامي 1872 ــ 1880.

مدينتان وحكايتان

يتناول الفارس في الفصل الرابع من كتابه، رحلة الألماني هيرمان بوريخارت، إلى منطقة الخليج، خلال عامي 1903 و1904، حيث زار أبوظبي في بداية عام 1904.

والتقى الشيخ زايد بن خليفة، حاكم أبوظبي آنذاك، والتقط صوراً جميلة له ولأبنائه، ثم زار دبي، وقدم في كتابه وصفاً مبسطاً للمدينتين، إلا أن وصفه لبقية مدن الخليج، كان أكثر شمولاً. ويخصص المؤلف الفصل الخامس في كتابه، للحديث عن زيارة اللورد كيرزون، نائب ملك بريطانيا في الهند لمنطقة الخليج عام 1903، الذي يُعد أهم مسؤول بريطاني زار منطقة الخليج أثناء الوجود البريطاني في المنطقة.

1910

أما الفصل السادس فيروي فيه رحالتان، أحدهما إيراني والآخر هندي، زارا الإمارات في الربع الأول من القرن العشرين، حادثة دبي المشهورة، التي قُتل فيها مجموعة من مواطني دبي على أيدي القوات البريطانية، أثناء مطاردة الإنجليز لبعض مهربي الأسلحة عام 1910. ويتطرق الفصل السابع إلى رحلة الإيراني، الذي روى حادثة دبي في الفصل السادس.

وهو أحمد فرامرزي الذي زار الإمارات بين عامي 1926 و1928، ورحلته غير منشورة، وكانت مدوّنة باللغة الفارسية، وترجمها الدكتور صادق العسكري إلى اللغة العربية، ولكنه لم ينشرها.

وهي رحلة تشمل الإمارات وبقية مدن الخليج. أما الفصل الثامن فهو مخصص لرحلة أشهر رحالة زار الإمارات وعاشر بين أبنائها خمس سنوات، خلال الفترة من 1945 إلى 1950، وهو ويلفرد ثيسيجر الذي سمّاه البدو «مبارك بن لندن»، إذ ألّف كتاباً عن رحلته باسم «الرمال العربية»، والتقط عشرات الصور للإمارات والحكام، تعتبر من أجمل الصور التي التُقطت للإمارات في تلك الفترة.

مقابلة

يمثل الفصل التاسع في الكتاب، مقابلة أجراها المؤلف مع أول مدرِّس لمدرسة نظامية أسِّست في الإمارات، وهي مدرسة القاسمية في الشارقة التي بدأت عامها الدراسي الأول عام 1953، وأجريت المقابلة مع ناظر المدرسة المرحوم مصطفى يوسف طه عام 1993، وتحدث فيها عن الشارقة وبدايات التعليم في الإمارات في تلك الفترة.

وهناك، أيضاً/ مقابلة مع المدرِّس الثاني الذي رافق مصطفى طه، وبدأ معه تأسيس التعليم النظامي بالشارقة: أحمد قاسم البوريني، الذي أقام لمدة سنتين في الشارقة، من عام 1953 إلى 1955، ثم غادرها إلى الكويت ومنها إلى ألمانيا.

وانقطعت أخباره، ولكن البوريني ألّف كتاباً عن الإمارات وانطباعاته عنها خلال فترة إقامته فيها، ونُشر الكتاب عام 1957 باسم «الإمارات السبع على الساحل الأخضر». كما حوى الكتاب بعض الصور التي التقطها هذا الرحالة، واستعرض المؤلف انطباعات البوريني في الفصل التاسع.

أما الفصل العاشر فيتناول انطباعات عبدالقادر زلّوم عن الإمارات في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات من القرن الـ20، ونشرها أيضاً في كتاب بعنوان «عمان والإمارات السبع». كما يتضمن الكتاب، جملة موضوعات أخرى، أبرزها: زيارة وفد الجامعة العربية إلى الإمارات عام 1964، برئاسة الأمين العام للجامعة عبدالخالق حسونة.