«رهان محقق». هكذا تستهل فابيان هاربن، توصيفها مضمون كتابها «سيدة في الشارقة». إذ توضح في حوارها مع «بيان الكتب»، أن العمل مثّل بالنسبة إليها، تحدياً فرضته على نفسها بينا كانت تزور دولة الإمارات العربية المتحدة، تحديدا إمارة الشارقة، للمرة الاولى، وذلك قبل عشر سنوات. كذا تبين أنها تجسد فيه مدى انبهارها وتثبتها، من كون الإمارات برهان جمال ومزيج الحداثة والتراث.

تفضل فابيان، وفي غمرة الحديث عن موضوع الكتاب، تسمية تلك المدينة التي داعبت الأحرف والكلمات في وصفها وفي التعبير عن جمالها: جوهرة الخليج العربي. وفي العموم، نتلمس في مضمون العمل، عناقا شائقا بين خيال الكاتبة وعلاقاتها الشخصية، تسكب عبره، لمحات إعجابها بالمكان واهله، في صور أدبية بليغة التاثير.

كيف توصفين مضمون «سيدة في الشارقة» ورؤاه؟

يحكي الكتاب، الصادر أخيرا عن دار نشر «بارسي» في العاصمة الفرنسية باريس، والذي أمضيت ثلاث سنوات في كتابة فصوله، قصة حب عميق، يربط سيدة فرنسية، بأرض الإمارات العربية المتحدة، تحديدا إمارة الشارقة.

وفي طبيعة الحال، حاولت، عبر صفحاته، أن أخط وأترجم مكنون تعلقي الكبير بتراث وثقافة الإمارات، والتي اكتشفت وخبرت ملامح جمالها وسمات فرادتها، صدفة، وعن قرب، حين زرتها قبل عشر سنوات، في إطار ظروف عائلية معينة. ومذاك وأنا أعود إليها، سنويا (مرتان أو ثلاث)، برفقة عائلتي، والتي «أورثتها» جينات هذا الحب ومنحى ذاك التعلق.

ربما ان كتابي هذا بمثابة تجسيد خلاق لرغبتي في إشراك جمهور وقراء من مختلف الانتماءات في العالم أجمع، في هذا الحب والتعلق بالإمارات. ذلك علهم ينغمسون في بهاء مشاعر الجمال والمتعة المتأتية من الارتباط بعلاقة خاصة مع الإمارات واهلها، ذاك كما جربت وعايشت انا شخصيا.

نجاع مذهل

ما منبع تعلقك الشديد بالإمارات حاليا، خاصة الشارقة؟

يقول المثل: «الشخص ينجذب إلى الشيء الذي يفتقده». حقاً. إن ذاك العمق في تشابكات دواخلنا كبشر، سر عصي على التشريح المباشر. ولا جدال هنا، أن تعلقي بأرض الشارقة، مصدره، لا الانبهار بمعالم التطور العصري، إنما إعجابي بنجاح مشروعات حفظها التراث والثقافة والتقاليد العربية، بجانب العصرنة.

فضمنها، وفي الإمارات كافة، وجدت ما لم أعثر عليه في البيئة الأوروبية، التي كبرت على خصوصياتها. ولا أيضا، في المجتمع الفرنسي الذي أعيش فيه. ففي الشارقة صادفت ولامست جميع ما كنت أبحث عنه في مجال الفنون. كما هالني ولفتني، الى حد بعيد، انفتاحها على ثقافات العالم.

وذاك ما جعلني أتعلق بها أكثر. إني عرفت الشارقة، والإمارات عموما، وعن كثب، مهدا خصبا وحضنا ثرا للتراث وللفنون المحلية والعالية، بموازاة الانفتاح على الحضارات المتباينة، والانخراط في أفق مشروعات حوار فكري، جذري وبناء، مع ثقافات العالم كافة.

مزاوجة نموذجية

لم الشارقة تحديدا هي أكثر ما جذبك بين امارات الدولة جميعها؟

لا يمكن لمن يزور الإمارات ويختبر در مكنونها بعمق، إلا ان يعجب بكامل مناطقها ومدنها. إنها واحة جمال وثراء ثقافي وتراثي وعصري. إنها وطن وأمة راسخة الجذور وقوية البنيان، تكلل تماسكها عوامل وعناصر ثقافية مميزة، عمادها موروث عظيم وتقاليد وعادات فريدة.

لكنني، وبلا شك، انجذبت في الشارقة، إلى منحى مشروع التطور والارتقاء المرسوم من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة. إذ صاغ سموه في بنى ارتقائها، مزاوجة نموذجية فاعلة بين العصرنة ومساقات او أثواب حفظ الهوية. علاوة على إيلاء مشروعات صون التراث، اهمية خاصة.

هل يمكن تصنيف الكتاب في خانة: سيرة ذاتية ؟

نعم. في إمكاننا اعتباره كذلك. إذ إنه يحكي قصة حب بين سيدة فرنسية وإمارة الشارقة، ساردا تجارب خاصة في مجال الثقافة والفنون، ليس فقط في إمارة الشارقة، ولكن في دولة الإمارات عموما. وهي قصص نابعة من واقع وتجربة شخصيتين، عايشتهما وخبرتهما. إنها، وفي المجمل، قصة سيدة فرنسية تقع في غرام ثقافة وإرث غير مادي.

شراكة ثقافية

هل ستترجمين كتابك الى لغات أخرى، مثل العربية، حتى يتمكن أهل الشارقة والإمارات عامة، من قراءته ؟

الكتاب بصدد الترجمة إلى اللغة الإنجليزية. ولكن آمل، وبإلحاح كبير، أن يترجم إلى العربية، وان يوزع في العالم العربي اجمع. وأرغب في أن ينال ما يستحقه من أهمية، كي يتمكن أكبر عدد ممكن من القراء، من اكتشاف هذا البلد الطيب والغني بالثقافة والتراث.

ما رؤى ومقاصد ترجمتك أحاسيسك ومشاعرك حول علاقتك تلك بالشارقة، في كتاب خاص متكامل ؟

الكتاب هو نتاجي الأدبي الأول الذي أنشره. وجاء غداة شراكة ثقافية نظمتها وأنجزتها شخصيا، بالتعاون مع بعض الجهات، بين إمارة الشارقة وثانوية «أنريه الرابع» الباريسية. إذ تعرف طلاب فرنسيون، بمقتضاها، وهم شباب بين الـ 16 والـ 18 سنة، على الملامح والبنى الثقافية والمعرفية والتعليمية في الإمارة، طوال أسبوع كامل، ذلك طبقا لبرنامج عمل ثقافي شامل متخصص.

وما الانطباعات التي خرج بها الطلاب الفرنسيون من تلك التجربة أو الزيارة ثقافية الطابع؟

كانت تلك الزيارة الأولى بالنسبة لهم. ولكنها، تركت أثرا عميقا في نفوسهم وعقولهم. إذ وجدناهم متأثرين، إلى أبعد الحدود بسمات المكون الثقافي والاجتماعي المذهل في الشارقة. وخاصة بالاستقبال الذي حظوا به، والمعبر عن كرم أهل الشارقة. كما أنهم اعجبوا بالتراث، الثري والمتنوع في الإمارة. وهكذا فهم رجعوا إلى باريس محملين بآمال كثيرة لخوض التجربة مجددا.

صداقة بناءة

فرنسا حاضرة، ثقافيا واقتصاديا ودبلوماسيا بقوة في الإمارات العربية المتحدة، مقارنة مع بقية دول الخليج العربي الأخرى، والتي تشهد حضورا أنجلوساكسونيا أكبر.. ما تعليقك ؟

أظنه أمرا إيجابيا. فهذا الحضور الفرنسي النوعي في الإمارات، يفتح آفاقا للتبادل الثقافي بين البلدين. كما أن الفائدة المتحصلة، هي مزدوجة تخدم الطرفين معا. وأتوقع لهذه الصداقة: الفرنسية ـ الإماراتية، التطور والازدهار، أكثر فأكثر، في السنوات المقبلة. وكذا سيكون لها مستقبل واعد مع الأجيال القادمة، التي صارت تنفتح، بتوسع، على ثقافات العالم أجمع.

لقاءالأصالة والحداثة.. «علامة إماراتية»

 يعد الكتاب، أول تجربة أدبية لفابيان هاربن. وهو جاء كثمرة وخلاصة تجارب شخصية، إذ زاوجت المؤلفة في ديباجة تجسيدها الإبداعي الأدبي ضمنه، بين بساطة اللغة الفرنسية المستخدمة والأبيات الشعرية الغنائية التي لجأت إليها، غاية ان تأخذ القارئ معها في رحلة الفهم العميق لمكنون دولة الإمارات العربية المتحدة، ولثقافة اهلها ولقيمها، بشكل فريد متلون بأحاسيس المكان.

ولافت في ذلك السياق، وصف فابيان الإمارات في «سيدة في الشارقة»، أنها، ورغم علامات التطور والعصرنة التي تبنتها في السنوات الأخيرة، لم تتخل عن تقاليد وعادات أجدادها ومؤسسيها. هكذا، وبين سطور صفحات الكتاب، نكتشف شيئا فشيئا، ماهية ذاك التناغم الذي جذب الكاتبة إلى أرض الإمارات.. تناغم امتزجت فيه أصالة صحراء الخليج العربي، بالحداثة التي اعتنقتها في عمرانها وهياكلها التعليمية والثقافية والتربوية.

يشتمل الكتاب على مجموعة لقاءات وعلاقات إنسانية، غير منتظرة، تظهر في حبكة العمل وتفاصيله. ونتبين أن المؤلفة جعلتها متوضعة في قلب النسيج الأدبي، لتغدو المحرك الرئيس للأحداث.

شهادة محب لمحبوبه

ترفض مؤلفة «سيدة في الشارقة» تصنيف كتابها كدليل سياحي. ولكن تقول إنه بكل بساطة، شهادة اعتراف من محب لمحبوبه: المحب فيه: «سيدة الشارقة» الفرنسية. والمحبوب: أرض الإمارات، وبالخصوص امارة الشارقة. وتشير فابيان إلى انه أتتها فكرة العمل قبل عشر سنوات.

وهي تنطلق من أرضية تلك الحبكة وذاك المنبع، ضمن كتابها، إلى عوالم الغوص في عمق البحث عن ملامح ومكنون أصالة وتراث افتقدتهما في بيئتها الأوروبية الغربية، وفي المقابل، فوجئت أنهما يوجدان في وفرة، ضمن بلد فتح لها أبوابه مشرعة، حتى صارت من أهله.

مراحل ثلاث

تختار فابيان لغة سردية مبسطة جاذبة، في سرد مشهديات صور لافتة معبرة، متوضعة في صيغ أدبية، تصف جماليات المكان والناس في الشارقة والإمارات عامة. ونتبين انه عمدت المؤلفة إلى جعل أجزاء الكتاب متسلسة في مراحل ثلاث، تقمصت فيها هي، شخصية البطلة الرئيسية، التي تسافر مع ولديها إلى الإمارات، في إطار برنامج تربوي عائلي، لاكتشاف ثقافات عالمية أخرى. وهكذا تنتقل بالقارئ إلى محطات متباينة في تعرفه على بهاء جمال الإمارات: اكتشاف، فتعارف، ثم تقاسم البطلة جملة معايشات وخبرات واقعية في حيز المكان.. مع نساء إماراتيات.

ونكتشف في المرحلة الأولى من الكتاب، مدى تعلق الكاتبة بدولة الإمارات المتحدة، ذلك خلال الزيارة الأولى لها، مستطلعين ماهية الظروف التي جعلتها تحط رحالها في منطقة الخليج. من ثم تسافر بنا، في بنية السرد ضمن المرحلة الثانية من الكتاب، إلى إمارة الشارقة تحديدا، لنتعرف عليها أكثر، ذلك عبر توضيح المؤلفة طبيعة تراثها وهياكلها التربوية، والجو الساحر الذي ينبعث من ثقافتها وفنونها.

كما تعود فابيان في المرحلة الثالثة والأخيرة، إلى علاقات «التقاسم» في العادات والتقاليد، التي ربطتها مع نساء إماراتيات، في أماكن ومناسبات تقول إنها كانت «تفوح بعبق التاريخ»: تاريخ إمارة الشارقة التي تعد واحدة من أكبر الإمارات الاتحادية السبع. إنها مشاعر وأحاسيس كثيرة، تريد الكاتبة أن توصلها إلى قارئ «سيدة في الشارقة»: اكتشاف فارتباط ثم تعلق، فعودة إلى البلد الأم فرنسا. وفي خضمها، يهيج الوجدان بذكريات كثيرة، تحظى فيها العلاقات الإنسانية، بحصة الأسد.