الحديث عن اللهجة المحلية، يضفي نوعاً من الحميمية والحيوية المتفردة. ذلك ليس لما لها من بعد تاريخي أو ثقافي، بل كونها تمثل مشاركة إنسانية وتعاطي استثنائيا بين الأفراد في مجتمع واحد.. وهكذا يحوز كتاب "اللهجة الإماراتية رمستنا"، للباحث خميس إسماعيل المطروشي، الصادر، اخيرا، قيمة متميزة، إذ أعاد فيه مناقشة توجهات توثيق اللهجة المحلية، ودراسة متغيراتها الاجتماعية، إضافة إلى دورها في ترسيخ عمق اللغة، في تفسيرها للمعرفة، المرتبط أساساً بالفكر.

 يؤكد المطروشي، في حواره مع "بيان الكتب"، أن الكتاب لا يُعد المبحث الوحيد في دراسته للهجة الإماراتية، بل يمثل استكمالا لجهود سابقة للعديد من الباحثين والدارسين المحليين، متمنياً أن يحقق الجزء الأول منه علاقة وطيدة مع القراء، ومزيداً من التعاطي الواعي مع الموروث، مشيرا إلى ايمانه أن"رمستنا" فوح من أصالة ماضي اللغة وحاضرها".

يوضح خميس المطروشي، أنه اعتمد في الكتاب، الأسلوب المحبب والخفيف في العرض، مضيفاً إليه صورا معبرة عن كل مفردة محلية، إلى جانب الأمثال الشعبية والمعلومات العلمية والتراث الشفاهي. واعتبر المطروشي أن توثيق اللهجة يأتي دعماً لما تمر به اللغة من تحديثات معاصرة، تتسبب، إما بانقراض بعض المفردات أو موتها أو ولادة كلمات جديدة.

والهدف من دراسته للهجة المحلية هو كونها نكهة التواصل بين الماضي والحاضر، والعصب الحيّ لرسم ملامح المستقبل بفوح الهوية الثقافية، وخارطة الأماكن والأزمنة لكل حدث في مكنون المرجع التاريخي للأوطان.

عفوية الطرح

*هناك كتب مختلفة، وبرامج إذاعية نوعية ناقشت استخدام المفردات المحلية، ما الذي يضفيه "اللهجة الإماراتية رمستنا" في هذا الصدد؟

صحيح. فهناك العديد من الباحثين الذين تناولوا موضوعات اللهجة المحلية، منهم الباحث: فالح حنضل، إلى جانب دور القنوات الإعلامية في ذلك، كالذي شهدناه مسبقاً في برنامج "كلام الناس" الإذاعي، للأديب:

معالي محمد المر- رئيس المجلس الوطني- حالياً. وفي الحقيقة قرأت مجموعة كبيرة من تلك الإصدارات وتابعت تطورات العمل في المجال، ودائماً في المجالس العامة، عند مناقشتنا بعض تلك الأطروحات، يقترح عليّ الكثيرون أهمية كتابة وتوثيق ما أعرفه عن"رمستنا".

واعتمدت الكتابة في المجال بإرجاع المفردات إلى أصلها واشتقاقاتها، وصولاً إلى التعريف بمعانيها ومقاصدها. وفي الإصدار الجديد آمنت بأهمية أن يكون الجزء الأول، يحمل أسلوباً بعيدا عن الطرح الأكاديمي والجامد، بل المحبب والقريب والعفوي، لأنني استهدف به القارئ العادي بالدرجة الأولى، وليس المتخصص.

موسوعة مصغرة

تجنبت الروتين، وكسرت قاعدة القواميس المعتادة، بإرفاق صور مصاحبة، لتبيان معنى الكلمات في اللهجة المحلية، عبر أمثال وقصص شعبية يوازيها حضور الشعر النبطي، ومعلومات علمية وتاريخية. إذا هل يمكن اعتباره موسوعة مصغرة وليس معجما لغويا؟

اعتمدت لغة الحياة في تفسير كل كلمة ومعناها. وأقصد بلغة الحياة هنا، إرجاع كل كلمة إلى أصلها الاجتماعي والثقافي والعلمي. ونستطيع من خلال ذلك، التوصل إلى نقطتين رئيسيتين لمنهجية الكتاب وهي: التعريف التاريخي للمنطقة عبر الكلمة، وتعزيز القاعدة المعرفة للمتلقي. لنر عالم الأمثال الشعبية على سبيل المثال.

فإنني أملك مخزونا جيدا استثمرته في برامج إذاعية أشرفت على تقديمها، وفي عام 1993 أصدرت كتاب "أمثال وأمثال" لكل الأجيال، إذ دعم أيضاً هذا التوجه، وأنا حالياً أجهز لإصدار الجزء الثاني من الكتاب نفسه، وكذا كتاب جديد بعنوان "الخروفة الحكاية الشعبية". و كتب في الفنون الشعبية أيضاً، وبالنظر للخط الإنتاجي الخاص بي، أسعى فعلياً، عبرها جميعاً، إلى إيصال مفهوم اللغة واللهجة المحلية للقارئ والمتابع.

مغالطة تاريخية

*اختلاف اللهجة بين منطقة وأخرى، تسبب ولفترات طويلة في إشكاليات لدى الباحثين، فالبعض يعتبرها مغالطة تاريخية وآخرون يرون أنها شكلاً من أشكال التنوع الثقافي والحضاري، كيف ترد على من يرى طرحك مغالطة تاريخية؟

دائما تحدث هذه المناوشات. وتنطلق المناقشات الحادة أحياناً بين الموثقين والرواة والباحثين حول معاني المفردات في اللهجة المحلية، ذلك بسبب فعل اختلاف (اللكنة) من منطقة إلى أخرى. وفي الحقيقية أود التأكيد أن ما رصدته في الكتاب، جزء من التركيبة الحيّه لحركة اللهجة، وسعيت جاهداً قبل أربع سنوات، منذ ولادة فكرة التجميع، إلى التأكد من أصل المفردات في بعض الموضوعات.

ويجب أن نفهم أن هذا الاختلاف لا يعد أبداً مغالطة، بل مجهودات بحثية يمكن تأكيدها من جهة أو تحفيز باحثين آخرين، لتصحيح وتوضيح ما ذكر في كتب جديدة، وباتالي يستمر البحث في هذا المضمار. ونحن في الإمارات دخلت الكثير من الثقافات علينا، وتداخلت مع ثقافتنا، بحكم العلاقات الاقتصادية التي عاصرتها المنطقة، منذ فترات قديمة إلى الآن.

وكذلك لحاجتنا الى التفاعل مع الجاليات المختلفة الوافدة إلى الإمارات، إيماناً بمبدأ التواصل وأهمية التعايش، وهو ما أسس لمفردات دخيلة. ومن هنا فإن التوثيق ضمان بقاء قواعد اللهجة، وليس إلغاء لمنظومة حيوية اللغة.

إثراء

بين تسجيلات صوتية احتفظت بها وقراءات خاصة بك واستشارات لمتخصصين، أين تجد قرار صناعة كتاب ما في عالم التسويق الثقافي؟

لم أنظر أبداً إلى الطابع التجاري للكتاب. ولكن كان تركيزي منصبا على الحاجة والفائدة العلمية المترتبة على عملية إنتاجه، فحضور كتاب مرجعي على أرفف المكتبات المتخصصة، سيجعلها( المكتبات) دائما مصدراً مهماً، ولكني مهموم بالجيل الحالي ومدى معرفته باللهجة والمفردات. لذلك، عند مطالعة كتابي الجديد، ستلحظون اهتمامي بإثراء المعلومة السهلة والمحببة، خاصةً عند استخدامي للقصيدة والأهزوجة.

أذكر مثالاً هنا مفردة "فَرْد" التي تعني المسدس، حيث استخدمت أهزوجة تقول: "نازل من المركب .. والساعة ذهب، والفرد بوسته .. ما يرد السلام". وحول المعلومات العلمية أو الطبية في الكتاب، فأضفتها وأنا أتحدث عن معنى ( مَشْمُوم )، وهو نبات عطري. وذكرت أن الأوروبيين كانوا يستعملونه لعلاج نزلة البرد والثآليل والبثور والديدان المعوية.

قاموس لغوي يناغم بين الصورة والمعنى

 يتناول كتاب "اللهجة الإماراتية رمستنا"- الجزء الأول، للباحث الإماراتي خميس إسماعيل المطروشي، اللهجة المحلية، شاملا مختلف الالفاظ العامية في الإمارات، ومعتمداً على أساليب متنوعة في الشرح التعريفي للكلمة، إلى جانب الشرح والتحليل بدلالة موجزة عن معاني المفردة المحلية، ويوازيها تضمنه صورا تعبيرية مشهديه، توضح المعنى، ذلك تدعيماً للغة البصرية في داخل الكتاب، الذي اعتمد فيه الباحث نهج العمل الموسوعي في تكثيف اشتقاق الكلمة، من خلال إضافة أبواب للمعلومة التاريخية والقصيدة الشعرية والأمثال الشعبية.

إضافة إلى استخدامات المفردة في مجال العلوم البيئة والطبية. ويوضح الكتاب أبعاد ارتباط اللهجة الإماراتية بالبيئة المحلية (الساحلية، البدوبة، سكان الجبال). والخليجية والعربية، ومدى تأثرها بدول المنطقة القريبة منها، أو التي ارتبطت بها الإمارات قديماً، بعلاقات تجارية واقتصادية عامة، مع غيرها. إلى جانب تناول الكتاب، قصية التطوير والتغير الذي طرأ على بعض المفردات في اللهجة المحلية أو "اللكنات".

لغة الحياة

تضمن الكتاب مقدمة تعريفية للمؤلف، حول جغرافية الإمارات وتاريخها، ومفهوم اللهجة المحلية والألفاظ. ويقول الباحث خميس اسماعيل المطروشي، في هذا الخصوص: "إن اللهجة أو اللكنة المحلية للألفاظ العامية وهي (لغة الحياة) كما يروق للبعض تسميتها، لغة حية ومتطورة وسريعة التأثر بالبيئة وما يحدث فيها من تغيرات في ظل الظروف المختلفة، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية. فهي مستمرة باستمرار الحياة".

ونظم الباحث في كتابه، فهرس الألفاظ العامية، حسب تسلسل الحروف الأبجدية، تسهيلاً على القارئ للرجوع إليها متى احتاج إلى شرح معانيها ومفرداتها. وتعددت المفردات والألفاظ المحلية التي حللها وفسر معانيها في الكتاب، ومن بينها، (أم كنت): اسم قديم يطلق على البومة. و(باسْجِِيلْ):

نوع من أنواع الخيزران السميك المجوف، يتموضع في سقف الغرف في المباني القديمة المبنية من الطين بعد أن تقسم الواحدة إلى قسمين (بالطول). أما(براحة) فيقصد بها أرض فسيحة قد تتوسط الفريج أو تكون متطرفة.. ولا يكون فيها بناء أو شجر.

وقدم المطروشي في هذا الصدد، أبياتا شعرية للدلالة على المعنى وهي: "البراحة شرغه وراحه .. والعرب فيها مبشينا، سوقها ثامر بتفاحه .. والشير تلفي به الهينا". ويشرح مفردة "بَنْكَه": تعني مروحة الهواء الكهربائية التي تعلق في السقف. و( ثَمّ ): تعني فم. ومفردة ( حِسْوَة ):

الجرعة من الماء، وتسمى (يغمه)أيضاً. ومفردة (حَنَيشْ): الثعبان، ويضيف الباحث أن هناك العديد من الأسماء للتعريف بالثعابين، أولها الأسماء العامة التي وردت في اللغة، مثل: (الحيات والأحناش والأين والعثاء والصل والعيم والعين). ومفردة (خبيصه): وهي نوع من الآكلات الشعبية حلوة المذاق، وتحضر من (السميد أو الطحين أو الأرز المجفف في الشمس). ويضيف هنا الباحث، إلى جانب عرض تعريف لمعنى الخبيصة، عرضا تفصيليا لكيفية تحضيرها بالمقادير وطريقة التحضير.