اسمه ماركو كوربس، شاب نصراني من الفلبين، نشأ في بيئة كاثوليكية، وتدرج في المناصب الكنسية، عاش خلالها خواء روحيا رافقته حيرة عميقة، لكنه وجد الأجوبة على أسئلته في الإسلام، فاعتنقه، وها هو يروي التفاصيل:

رُبِّيت جزئيًّا على الكاثوليكيَّة. أما جدي وعمتي فقد كانا مُعالِجَيْن روحانيَّيـْن يعبدان الأصـنام والأرواح. عندما وصلت السابعة عشرة من عمري تساءلت: "هل يتوجَّب عليَّ أن أبقى على دين عائلتي، أم أن أُجرِّب الاستماع إلى الأديان الأخرى؟"

وفي يوم دعاني ابن عمي لحضور عيد الخميس في الكنيسة. فشاهدت كيف كانوا يغنُّون، ويرقصون، ويبكون داعين يسوعاً (عليه الصَّلاة والسَّلام). وقام الراهب بالوعظ بخصوص الإنجيل. وفي ذلك الوقت، ولدت من جديد كمسيحيّ، وقَبِلْتُ يسوع المسيح (عليه الصَّلاة والسّــَلام) كإلهي ومُخلِّصي.

وبعد خمسة أعوام، أصبحت المنشد الرئيس، وتدرجت وصولا إلى راهب رسمي في الكنيسة. قرأت الإنجيل مرَّتين من الغلاف إلى الغلاف. وأجبرت نفسي على حفظ أجزاءٍ منه عن ظهر قلبٍ من أجل الدِّفاع عن الدِّين الَّذي كنت أُومن به. وكنت غالباً ما أقول لنفسي بأنِّي لا أحتاج إلى أيِّ تعاليم أو نصوص أخرى عدا الإنجيل. ولكن مع ذلك، كان هناك فراغٌ روحيٌّ في داخلي. صلَّيت، وصُمْت، واجتهدت لإرضاء مشيئة الإله الَّذي كنت أعبده، ولم أكن أجد السعادة إلّا عندما كنت أتواجد في الكنيــسة. وعلى الرغم من كلِّ ذلك فقد واصلت اعتناقي الدِّين بقوَّة. كنت دوماً أُصلِّي ليسوع المسيح (عليه الصَّلاة والسَّـلام) ليغفر لي ذنوبي وكذلك ذنوبهم. فقد كنت أظنُّ بأنَّه (عليه الصَّلاة والسَّـــلام) هو الحلُّ لكلِّ مشكلاتي.

مع ذلك ـ وبالنظر إلى حياة زملائي من الرُّهبان ـ فإنَّك لا تستـطيع أن تجد بينهم أمثلةً جيّدةً مُقارنةً بالرعيَّة الَّتي يعظونها. وهكذا بدأ إيماني يخفت، وناضلت بصــعوبة بالغة على العمل في خدمة الصَّلاة الجماعيَّة.

لاحقا فكرت في السفر إلى تايوان أو كوريا، من أجل العمل، وكذلك نشر اسم يسوع كإله. إلّا أنَّ مشيئة الله تعالى قادتني للعمل في مدينة جدة السعودية، حيث وقعت عقداً لثلاثة أعوام.

بعد أسبوعٍ من وصولي إلى جدَّة، لاحظت أُسلوب الحياة المختلف، حتى الطعام الَّذي يأكلونه. فقد كنت جاهلاً تماماً بثقافات الآخرين.

وحدث أن كان لديَّ زميلٌ فلبينيٌّ في العمل، وهو مسلمٌ يتكلَّم العربيَّة. سألته عن المسلمين، وعن ومعتقداتهم. فقد كنت أعتقد بأنَّ المسلمين من عُتاةِ القَتَلة، وأنَّهم يعبدون الشيطان والفراعنة ومحمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كآلهةٍ لهم. وكردِّ فعلٍ على ذلك أخبرني أنَّ دينه يختلف تماماً عن ديني. واقتبس آيتيْن من القرآن الكريم. الأولى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا". (المائدة: 3).

والأخرى: "مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُـــلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلّا تَعْبُدُوا إِلّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" (يوسف: 40).

هاتان الآيتان أصابتاني بصدمةٍ قويَّة. بعد ذلك أصبحنا صديقيْن حميميْن. وفي إحدى المناسبات ذهبنا إلى المنطقة التجاريَّة من جدَّة لإرسال بعض الرســائل. وهناك رأيت جمهرةً من أُناسٍ كثيرين يشاهدون فيلماً لمناظرةٍ لأحد أفضل "المبشِّرين" لديّ. أخبرني صديقي المسـلم بأنَّ هذا الَّذي أدعوه "بأفضل مبشِّرٍ لديّ" كان الشيخ أحمد ديدات، وهو داعيةٌ إسلاميٌّ مشهور. فأخبرته بأنَّ رهباننا في الوطن جعلونا نعتقد بأنَّه "مبشِّرٌ عظيمٌ" فقط؛ وأخفوا عنَّا شــخصيَّته الحقيقيَّة! ومهما كانت نيَّتهم، فإنَّها بالتأكيد كانت لإبعادنا عن معرفة الحقيقة. وبعد سبعة أشهر، حضر إليَّ في غرفتي صديقٌ آخر، وهو مسلمٌ من الهند، وأعطاني نسخةً من ترجمة معاني القرآن الكريم بالإنجلـيزيَّة. وفيما بعد اصطحبني إلى المركز الإســلاميّ. وفي تلك الليلة المباركة، في الثامن عشر من أبريل لعام 1998 أعلنت دخولي الإسلام بترديد الشهادتين. بعد أن رأيت الحقيقة المطلقة بأنَّ الإسلام هو الطريقة الأفضل والكاملة للحياة المصمَّمة لكلِّ البشريَّة. الحمد لله ربِّ العالمين.

 

عن كتاب «عادوا إلى الفطرة»(بتصرف)