أكد رئيس مؤسسة جسور للتعريف بالإسلام فاضل سليمان أن تشدّد بعض الإسلاميين أعطى فرصة للغرب لأن يتخذ هذا التشدد ذريعةً ويرى بها الإسلام دينًا إرهابيًا بل ويروج لذلك عالميا، موضحًا في الوقت ذاته أن هناك غربيين متطرفين أيضًا لا يريدون لوسطية الإسلام أن تنتشر؛ لاعتقادهم أن تلك الوسطية هي بداية النهاية لعصر الاستعمار والاحتلال.
وأشار سليمان في حوار مع "البيان" إلى أن المسلمين ليس لديهم أدوات ناجحة للتعريف بالإسلام، مما جعل الصورة أسوأ في الغرب الذي يستخدم الكذب وأنصاف الحقائق في إعلامه لتشويه صورة الإسلام، مؤكدًا أنه من هذا المنطلق بدأت تظهر مؤسسات دينية محاولةً تغيير الذهنية السيئة عن المسلمين وخاصة عند المواطن الغربي العادي. فإلى تفاصيل الحوار:
هل تعتقد أن تشدد بعض المسلمين أوجد قناعة لدى الغرب بأن الإسلام دين إرهابي؟
تشدّد الإسلاميين أعطى فرصة للغرب أن يتخذ هذا التشدد ذريعةً ويرى بها الإسلام دينًا إرهابيًا بل ويروج لذلك، وحتى إن تواجد خطاب معتدل فهناك فعلا من يريد تشويه الدين بدون داعٍ ولكننا نعطيهم الفرصة والذخيرة ليقتلوننا بها.
كيف ترى الخطاب الديني الآن؟
هناك أكثر من خطاب، فهناك خطاب غير معتدل يرى أن نصل إلى التغيير عن طريق العنف مثل الجهاد القتالي، وآخر يرى أن نصل إلى التغيير عن طريق الجهاد ولكن باللسان، فإذا فشل اللسان نلجأ إلى العنف؛ لأن الإسلام دين العدل في الأرض، فيقول سبحانه وتعالى في سورة الحديد {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط} (الحديد:25)، والعدل فعليًا يأتي بعدة أساليب فإن لم ينفع أسلوب علينا اتباع أسلوب آخر وهكذا حتى يتحقق المنشود.
حرب وسلام
لكن هناك بعض الآراء تقول بأن الإسلام هو دين السلام في كل وقت؟
هذا خطأ فقد يكون دين حرب إذا استدعى ذلك كأن نضطر إلى الدفاع عن الأرض أو العرض أو الكرامة أو الدين أن ينتهك، كما نرى مثلا في فلسطين، فالقتال هناك حتمي وواجب؛ ولا يمكن أن نقول هناك إننا مسالمون؛ وألا يكون ديننا عاجزًا وضعيفًا، والإسلام ليس كذلك.
نفهم أنك ترى الغرب يخاف من وسطية الإسلام التي تحدثتَ عنها آنفًا؟
بالطبع، فكما أن هناك بعض التيارات الدينية المتشددة والمتطرفة، هناك غربيون متطرفون أيضًا لا يريدون لوسطية الإسلام أن تنتشر؛ لأنهم يعتقدون أن انتشار تلك الوسطية بداية النهاية لعصر الاستعمار والاحتلال، ومن ثم فلو فكرنا سنجد أن هناك مساحات مشتركة كبيرة بين الغرب المتطرف والتيار الديني المتشدد.
ما دور الإعلام الغربي والعربي في تحديد صورة الإسلام عند المواطن الغربي؟
هناك أدوات يستخدمها الغرب وهي فعالة وناجحة، ومنها الإعلام، فنحن نعطيهم الفرصة؛ لأننا ليس لدينا تمثيل جيد للإسلام، وليس لدينا أدوات ناجحة مثلهم فنجعل صورة الإسلام أسوأ. والمشكلة الثانية أن الغرب يستخدم الكذب وأنصاف الحقائق في الإعلام، فيصغر الكبير ويجعل من التافه أمرًا عظيمًا. والجيد أن المواطن الغربي الآن أصبح يفهم ويعي، ولديه الإعلام التفاعلي المتمثل في الإنترنت، فبدل من أن يقرأ عن المسلمين في الجرائد، يدخل على موقع الفيس بوك ويعرف ما يريد. أما المسلمون فعليهم استغلال تلك الوسائل بحق للوصول إلى المواطن الغربي العادي؛ لتعريفه بالدين وأنه ليس إرهابيًا ويحتمل وجهات نظر متعددة فيما بين الناس وبعضهم.
ما دور مؤسسة "جسور" في محاولة تغيير الصورة الذهنية عن الإسلام؟
ما يميز المؤسسة أننا نعرف الناس بالإسلام، فقد دربنا شبابا وبنات مسلمين على كيفية التعريف بالدين الإسلامي وتعريف غير المسلمين على الأخص به، ووصل عدد المتدربين لدى جسور إلى نحو 13000 متدرب ومتدربة في اثنتي عشرة دولة.
أما الفكرة الأخرى في المؤسسة فهي أن لها نشاطا فنيا، فمثلاً أنتجنا فيلمين وثائقيين أحدهما يتحدث عن الإسلام ورد الشبهات في إيجاز، والآخر فيلم روائي طويل عنوانه "الجهاد ضد الإرهاب" وهو يتكلم عن نظافة يد الإسلام من الإرهاب وكان له صدى كبير، حتى إن هناك إسرائيلية أتت لمصر لتدخل في الإسلام بعد رؤيتها واطلاعها على هذا الفيلم.
والحقيقة أن المشكلة عند المسلمين أنهم مازالوا يفكرون داخل منظار ضيق لا يتناسب والوقت الحالي وهو منظار طباعة الكتب، فالناس تتحرك أسرع وتريد معرفة أشياء أكثر عن الإسلام ومن ثم عمل أفلام عن الإسلام أسهل وأسرع ويعمل على توصيل الرسالة الصحيحة أكثر من كتاب يأخذ وقتًا طويلاً لفهمه أو ترجمته.
تغيير قناعة
ما أثر الثورات العربية في رؤية غير المسلمين للمسلمين؟
حاول الكثير من الغربيين الترويج للإسلام على أنه دين خنوع وذل وضعف بدعوى أن المسلمين لا يعترضون على حكّامهم ولا يخرجون عليهم حتى لو ظلموهم، وقال بعضهم إن الدين أفيون الشعوب يستخدم للتخدير وليس للإصلاح، ومن ثم عندما قامت ثورات الربيع العربي وجدنا الغرب كيف نصلي في الميدان ونقرأ القرآن ثم نعترض على الحاكم الظالم، فغيروا قناعتهم، وأن سكوت بعض المسلمين لا يعني بالضرورة خنوع الدين كله ولنا في التاريخ مثال، فنجد أن الإمام أبا حنيفة كان ثائرًا والإمام محمد النفس الذكية وغيرهما الكثير من العلماء.
الشباب المسلم حائر ما بين التشدد والانفتاح غير المرغوب فيه، فكيف ينأى الشاب بنفسه عن هذين الاتجاهين ويتجه إلى الوسط في الدين؟
الإسلام دين الوسطية وليس التشدد، وكل المشكلة أننا دائمًا نضع الإسلام في قالب معين، فيصبح له صبغة ولون فيقوم العرب بإضافة تقاليدهم على الدين، ويقوم الهنود بفعل ذلك، وهكذا، حتى يصبح هناك إسلام عربي وإسلام غربي، وهذا هو الخطأ بعينه، فالإسلام دين الله أنزله للعالم، كما أن الإسلام لم يسمَ على اسم بلد أو قبيلة أو جماعة كباقي الديانات.
بطاقة شخصية
فاضل سليمان مهندس مصري ولد عام 1966، وأنشأ في عام 2005 مؤسسة جسور للتعريف بالإسلام كمؤسسة عالمية مقرها في القاهرة ولها فروع في الغرب وخاصة أميركا، وتهدف إلى تدريب المسلمين على كيفية تقديم دينهم. ألف أكثر من كتاب خاص بالإسلام أبرزها "كتاب الإسلام في إيجاز"، وتقلد مناصب عدة، كما أدار ورش عمل في الغرب هدفها تدريب المحاضرين على عرض الإسلام وشرحه لغير المسلمين. شغل مناصب عدة، منها منصب الرئيس الأسبق للجمعية العالمية للشبان المسلمين التابعة لمكتب شمال ووسط أميركا، مما أعطى له فرصة أن يلقي محاضراته في كندا والمكسيك والولايات المتحدة. محو الأمية الدينية
يرى فاضل سليمان أن أهم طريق لمحو الأمية الدينية عن الكثير من المسلمين يكمن في التربية، ويقول إن على الشيوخ أن ينزلوا إلى المساجد مرة أخرى ويقوموا بتربية الناس كما كان من قبل، عليهم أن يتركوا الفضائيات والتربح ويعودوا إلى أصل التربية في الإسلام وهو المسجد، فالنبي صلى الله عليه وسلم ربى المسلمين في دار الأرقم بن أبي الأرقم، ثم في المسجد النبوي، وعلى الدعاة أن ينزلوا كذلك إلى المناطق الفقيرة والتي بها أمية مرتفعة لتعليم الدين الصحيح والتواصل مع الناس وجهًا لوجه، وعلى بعض الشيوخ أن يتمتعوا أيضًا بالتربية الصحيحة للإسلام، حتى يستطيعوا توصيل تلك التربية والسماحة للناس؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

