أمامنا فتوى تتعلق بفقه المعاملات بين الناس، وفي مضمون السؤال، مثلما هو في تفاصيل الإجابة، تكمن الكثير من القيم الإسلامية التي راعت حقوق الآخرين، والتي أعطت للكلمة وزناً، وللاتفاق والتعاهد فيما بين أطراف المعاملة حقاً عظيماً. فالإسلام بنى التعاملات فيما بين المسلمين أنفسهم، وفيما بينهم وبين غير المسلمين، على أساس من العدالة، والقيم الأخلاقية التي تحافظ على حقوق الناس.
وعلى سلامة النفوس، وتعمل على مبدأ سد الذرائع، ودرء المفاسد، وذلك كي يبقى المجتمع الإسلامي مصوناً من الأحقاد والشقاق، وكي تبقى العلاقات سليمة صافية نقية.' ولكن ذلك منوط بالكلية بمدى التزام المسلمين بتطبيق هذه الشعائر والأحكام العظيمة.والفتوى التي بين أيدينا تتحدث عن اتفاق وقع بين بائع ومشتر، جرى التأجيل بينهما على إتمام عملية البيع، ثم نقض البائع اتفاقه مع المشتري، ليبيع سلعته (التي هي سيارة) إلى طرف آخر، والسؤال هنا عن مدى جواز هذه المسألة، وهل يقع فاعلها في الإثم والمعصية؟!
السؤال:
كنت قد عرضت سيارة للبيع، فاتصل بي شخص وتواعدنا على أن نعقد صفقة البيع غداً الصبح، اتصلت عليه في اليوم الثاني ولم يوف بعهده، علماً بأني أنذرته أنه إن لم يكمل البيعة في الوقت المتفق عليه فقد ألجأ إلى غيره، فطلب مني التأجيل إلى يوم آخر فوافقت؛ غير أني تلقيت عرضاً آخر وكنت على عجلة من أمري فبعت السيارة إلى ذلك الشخص، ثم اتصلت على المشتري الأول، وأخبرته أني قد بعت السيارة لغيره، فهل أنا آثم على ما فعلت؟
الإجابة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالمطلوب من المتبايعين أن يصدقا ويفيا، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} (المائدة: 1)، وقوله: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} (النحل: 91)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم" (رواه أحمد من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه)، وفي هذه المسألة حصل إخلال بالوعد من الطرف الآخر أولاً، ثم حصل إخلال بوعد التأجيل منك ثانياً، وما دامت نفسه قد طابت بذلك فلا إثم عليك إن شاء الله، والله تعالى أعلم.
