قبل نحو 3 أعوام صدّق وزير العدل المصري السابق، المستشار ممدوح مرعي، على قرار محكمة الأسرة بتعيين أمل سليمان عفيفي، البالغة من العمر 37 عاماً، مأذونة لحي ثان مدينة القنايات بمحافظة الشرقية «شمال مصر»، في تأكيد واضح على دور المرأة القوي في الحياة الاجتماعية، والتي أصبحت تزاحم وتضاهي الرجل في جميع المجالات، فمنهن كانت القاضية، ومنهن المحامية والطبيبة وما إلى ذلك.
إلا أنه خلال الفترة الأخيرة، تجددت الدعوات بأن تكون هناك مفتية خاصة للنساء بدار الإفتاء المصرية، ليقمن بالتصدي للفتوى في المسائل الخاصة بالنساء اللاتي يتحرجن من الكلام عنها أمام المفتي الرجل، بالإضافة إلى قيامهن بالفصل في قضايا الأحوال الشخصية بمحاكم الأسرة، وهي المحاكم البديلة للقضاء الشرعي التقليدي في مصر. وأكد الداعون لاستحداث هذا المنصب وجود أسماء داعيات صالحات لتوليه، ومنهن على سبيل المثال لا الحصر د.عبلة الكحلاوي، د.سعاد صالح، د.آمنة نصير، د.ملكة زرار، وغيرهن.
وعلى الرغم من أن علماء الأزهر لم يجدوا حرجاً في قبول هذه الفكرة، فإن الأدلة تؤكد أن دار الإفتاء المصرية ومنذ إنشائها عام 1895 تعاقب عليها 18 مفتياً للجمهورية وكلهم من الرجال بداية من الشيخ حسونة النواوي ومحمد عبده حتى المفتي الحالي الدكتور علي جمعة.
مرجعية عائشة
يقول د.أحمد عمر هاشم، عضو مجمع البحوث الإسلامية، ورئيس جامعة الأزهر السابق، لـ"البيان": إن مكانة المرأة مصونة عن البروز والظهور للناس، ومنصب الإفتاء يحتاج إلى الظهور ولعل هذا يفسر عدم اعتياد رؤية المرأة كمفتية. ويضيف: لا توجد أي نصوص تقول بتقلد المرأة منصب الإفتاء أم لا، والمعروف أن السيدة عائشة ــ رضي الله عنها ــ كان يرجع إليها الصحابة في بعض المسائل وهي أكثر الصحابيات رواية للحديث، ومع هذا فلم يروَ أن كان لها مجلس للفتوى.
ومع أنه لا يوجد نص يقرّ ذلك الأمر، فيمكن للمرأة، كما يقول عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن تُسأل ويكون لها تلاميذها وتلميذاتها. وقد كان عطاء بن رباح - رحمه الله - يقول عن السيدة عائشة رضي الله عنها: كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً، وكذلك كل أمهات المؤمنين ــ رضوان الله عليهن ــ جميعاً، وأغلب نساء الصحابة أيضاً ومنهن على سبيل المثال لا الحصر:
نفيسة العلم، كريمة راوية البخاري، أَمَةُ الواحد الَمَحامِلي، شهدة الأبر، فاطمة بنت أحمد، وزينب الجرجانية. من جانبها، ترى د.سعاد صالح، العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية، بجامعة الأزهر، والتي يطلق عليها "مُفتية النساء" أن احتكار العمل الديني واقتصار الإفتاء على الفقهاء الرجال دون السماح للسيدات بتقلد تلك المناصب أمر يشغلني بصورة كبيرة، وخاصة أن الفقهاء والمفسرين أجمعوا على أن الذكورة ليست شرطًا للإفتاء، وأن المرأة من حقها أن تفتي.
واقترحت أن يخصص للنساء يوم في دار الإفتاء لرفع الحرج عنهن، وللإجابة على استفساراتهن، موضحة أنها سبق وعرضت هذه الرغبة على المفتي السابق د.نصر فريد واصل، ورحّب بها، لكن لم يفعل شيئاً.
داء عجيب!
لكن، ما رأي الرجال والنساء في تولي المرأة للإفتاء؟ يقول السيد شوقي (مدرس): نرى المرأة كمفتية في الفضائيات ونتقبل ذلك بشكل طبيعي جداً، فالدكتورة عبلة الكحلاوي والدكتورة سعاد صالح وغيرهما من المتفوقات في عملهن ولهن مناصب يعتد بها وآراؤهن يؤخذ بها وتوضع موضع الاهتمام، فلا أجد أي حرج شخصي في تولي المرأة منصب الإفتاء مادامت قد درست علوم الدين ولديها القدرة على تحمّل مسؤولية هذا المنصب أمام الرأي العام وأمام الله أولاً وأخيراً، فهو منصب حساس جداً وخطير.
فيما يقول مصطفى سعيد (عامل): إن في مصر داءً عجيباً جداً، وهو أن الجميع الآن تقلّدوا منصب الإفتاء بلا منصب، وأن الجميع يتكلمون في الدين ويصدرون فتاوى خاصة بهم، ويضعون رأيهم في الأمور الدينية بدون دراسة، مضيفاً: لا يجب أن نفرق بين رجل وامرأة، فإن كانت المرأة أكثر تفوقاً من الرجل المفتي في هذا المجال فلا مانع من أن تكون، وهذا في صالح الأمة بلا شك وحتى لا يتكلم السفيه فيخطئ ويحمل وزر من اتبعه.
حياء وحرج
أما أميرة زين (ربة منزل)، فتقول: المرأة الآن تنافس الرجل في معظم المجالات، بداية من عملها كعاملة بسيطة أو حتى بائعة متجولة وصولاً إلى كونها أستاذة جامعية، فلا يجب أن ننظر إلى المرأة نظرة دونية في الأمور الدينية أو المتعلقة بالمناصب الدينية، فالسيدة عائشة ــ رضي الله عنهاــ تروي أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان نساء النبي «صلى الله عليه وسلم» يخرجن معه في الحروب لمداواة الجرحى، فما المانع إذن أن تتولى المرأة هذا المنصب مادامت أهلاً له ولديها من العلم ما يكفي.
وتوضح سميرة مصطفى (ربة منزل) وجهة نظرها في هذا الموضوع قائلة: إن هناك أموراً خاصة بالسيدات نودّ أن نعرف حكم الشرع فيها ونخجل ويصيبنا نوع من الخجل أمام علماء الدين الرجال، فنضطر إلى الاتصال بإحدى المفتيات على الفضائيات ونسألها، ولكن هذا أيضاً يصيبنا بالحرج في عرض القضية على الهواء والجميع يسمعها، نودّ أن تكون لنا مفتية خاصة؛ كي تزيل هذا الحرج عنا ويا حبذا لو كانت صغيرة السن.
