قال الله عز وجل: "الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. (البقرة: 3). كثير من الناس تسألهم: لمَ لا تصلي؟ فيأتيك الجواب قبل أن يرتد إليك طرفك: "الإيمان في القلب". فهو لا يصلي، ويتعامل في الربا، ويكذب، ويقع في غيبة المسلمين، ثم يأتيك آخر النهار، وذنوبه تثقل كاهليه، فيقول لك إن الإيمان في القلب.

وهذا كذب بواح، لأنه يتعارض مع النصوص الشرعية، ومع صريح القرآن والسنة، فالله تبارك وتعالى أمرنا بالانصياع والاستسلام له سبحانه وتعالى، والتسليم التام المطلق، فالإيمان بالغيب قضية قلبية اعتقادية، وإقامة الصلاة عبادة الجوارح، والإنفاق دليل على خلوص الروح والقلب لله عز وجل. وقد تعددت الآيات الدالة على أن الإيمان هو قول باللسان واعتقاد بالقلب وتصديق بالجوارح، لدرجة زادت تسعة وثمانين موضعا.

 

مفسدة عظيمة

فالإيمان - وفق هذا المضمون - قول واعتقاد وعمل، فلا يمكن أن يقتصر الإيمان على القلب فقط، وإلا لفعل الإنسان الأفاعيل ثم قال إنه مؤمن في قلبه، وهذا ولا شك مفسدة عظيمة فيها خراب للنفس والمجتمع، و يتعارض مع العقل السليم، ومع المصلحة الكلية التي يرمي الإسلام إليها في النفس والمجتمع.

وقد علّق العلّامة ابن كثير رحمه الله تعالى على هذه الآية الكريمة مفسرا على النحو التالي: "قال أبو جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ العلاء بْن الْمُسَيِّب بْن رَافِع عن أَبِي إِسْحَاق عن أَبِي لاحوص عن عَبْد اللَّه قَال: الإيمان التَّصديق. وقال عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة وغيره عن اِبْن عبَّاس رضي اللَّه عنهما يُؤْمِنُونَ يصدقون.

وقال مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ: الإيمان العمل. وقال أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عن الرَّبِيع بْن أَنَس يُؤْمِنُونَ يخشون. قال ابن جرير: والأولى أن يكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولًا واعتقادًا وعملا وقد تدخل الخشية للَّه في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل والإيمان كلمة جامعة للإيمان باللَّه وكتبه ورسله وتصديق الإقرار بالفعل. قلت أمَّا الإيمان في اللُّغة فيطلق على التَّصديق المحض وقد يستعمل في القرآن والمراد به ذلك كما قال تعالى "يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَيُؤْمِن لِلْمُؤْمِنِينَ"، وكما قال إخوة يوسف لأبيهم "وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ.

وكذلك إِذا استعمل مقرونًا مع الأعمال كقوله تعالى "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات"، فأمَّا إذا استعمل مطلقًا فالإيمان الشَّرعيّ المطلوب لا يكون الااعتقادًا وقولا وعملا. هكذا ذهب إليه أكثر الأئمَّة بل قد حكاه الشَّافِعِيّ وأحمد بن حَنْبَل وأبو عُبَيْدَة وغير واحد إجماعًا: أنَّ الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص..ألخ.

وأما الغيب المراد هاهنا فقد اختلفت عبارات السَّلف فيه وكلّها صحيحة ترجع إلى أنَّ الجميع مراد. قال أبو جعفر الرَّازِيّ عن الرَّبيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى "يؤمنون بالغيب" قال يؤمنون باللَّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وجنَّته وناره ولقائه ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث فهذا غيب كله..ألخ.

 

زكاة الأموال

قال ابن عبَّاس ويقيمون الصَّلاة أي يقيمون الصَّلاة بفروضها، وقال الضَّحَّاك عن ابن عبَّاس إقامة الصلاة إتمام الركوع والسُّجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها فيها، وقال قتادة إقامة الصَّلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها، وقال مقاتل بن حيَّان: إقامتها المحافظة على مواقيتها وإسباغ الطَّهور بها وتمام ركوعها وسجودها وتلاوة القرآن فيها والتَّشهُّد والصَّلاة على النَّبيّ صلَّى اللَّه عليه وسلم فهذا إقامتها، وقال علي بن أبي طلحة وغيره عن ابن عبَّاس "وممَّا رزقناهم ينفقون" قال زكاة أموالهم".