مطالبات بإدراجهم ضمن تغطية التأمين.. وخطة في «الصحة» لإنشاء قاعدة بيانات

المرضى النفسيون مُقيّدون بثلاثية العزلة والنظرة والعلاج

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعيش أغلب المرضى النفسيين حالة من الحصار والسجن ضمن أسوار المجتمع صنعتها نظرة المجتمع القاصرة لهذا النوع من الأمراض وتصنيفه المسبق الذي يضعهم في خانة «الميؤوس من علاجهم»، كما فاقمت معاناتهم أيضاً التكاليف الباهظة للجلسات العلاجية والتي بدورها تزيد معاناتهم وتثقل كاهل ذويهم، ولذلك طالب برلمانيون بإدراج علاج المرضى ضمن باقة التأمين الصحي، في حين شدد أكاديميون على ضرورة العمل على تحسين نظرة المجتمع لهذه الفئة من المرضى والمساعدة على ذلك عبر إدخال تخصص الطب النفسي في الجامعات ليعتاد المجتمع على داء من هذا النوع.

 

أرقام دقيقة

الدكتور حسين عبدالرحمن الرند، الوكيل المساعد لقطاع المراكز والعيادات الصحية في وزارة الصحة ووقاية المجتمع أكد أنه لا أحد في الدولة يملك أرقاماً دقيقة عن عدد المصابين بالأمراض النفسية، وتعمل الوزارة حالياً على إعداد قاعدة بيانات إحصائية لدعم وتعزيز البحوث العلمية في مجال الصحة النفسية، وتأهيل ودعم المرضى النفسيين ودمجهم في المجتمع وفق أفضل المعايير العالمية لإسعاد مرضى الصحة النفسية.

وبين أن الوزارة تولي الصحة النفسية أهمية بالغة من خلال تعزيز برامج الوقاية والاكتشاف المبكر للاضطرابات النفسية لتحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للصحة النفسية.

وقال إن تقديرات منظمة الصحة العالمية تشير إلى وجود أكثر من 300 مليون شخص حالياً حول العالم يتعايشون مع الاكتئاب، الذي يعد من أكثر الأمراض النفسية ويسبب انخفاضاً في إنتاجية المجتمعات.

 

توسيع خدمات «الأمل»

بدوره، قال الدكتور يوسف السركال، وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع المساعد لقطاع المستشفيات إنه سيتم التوسع في خدمات مستشفى الأمل الجديد للأمراض النفسية في منطقة الروية، ليشمل عدة أقسام، منها قسم علاج خدمات الإدمان للرجال والسيدات وبسعة استيعابية 48 سريراً، بالإضافة إلى ملحق بكل قسم يضم مكتبة وغرفة مجهزة بالأجهزة الرياضية وغرفاً للعلاج الجماعي والعلاج الأسري وصالة متعددة الأغراض، إضافة للأقسام التأهيلية، والعلاجية، وعيادات إعادة التأهيل النفسي والبدني والعلاجي للمرضى.

وذكر السركال أنه يتوافر في المستشفى الجديد أيضاً منازل منتصف الطريق كخدمة لإعادة التأهيل، وقسم متكامل متخصص لعلاج الأطفال والمراهقين، حيث يضم قسماً داخلياً للأطفال وأقساماً داخلية للمراهقين من الجنسين، بالإضافة إلى عيادة تشمل الخدمات العلاجية النفسية والاجتماعية.

تأمين صحي

إلى ذلك، طالب أعضاء بالمجلس الوطني الاتحادي الجهات الصحية الرسمية بضرورة إدخال علاج وخدمات الطب النفسي والعصبي ضمن الخدمات الصحية التي تغطى بالكامل في وثائق التأمين الصحي للأشخاص المواطنين والمقيمين، باعتباره مرضاً يجب علاجه واجتثاث أسبابه وليس تجميلاً، مؤكدين ضرورة قيام المؤسسات المختصة بإعداد دراسة واضحة لأعداد المرضى النفسيين وخاصة في شق الاكتئاب وبحث أسبابه وسبل علاجها.

وأكد علي جاسم أحمد عضو المجلس الوطني الاتحادي ممثل المجموعة العربية في اللجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الدولي، غياب المراكز الطبية المتخصصة في العلاج النفسي، وغياب الكوادر المتخصصة في تلك الحالات، إضافة إلى عدم تغطية العلاج النفسي ضمن بطاقات التأمين الصحي، ما يدفع بتفاقم المشكلة، إذ يضطر الكثير للتوقف عن تناول الأدوية حيث يفوق إمكانياتهم وهو ما قد يؤدي بهم إلى العزلة نظراً لتدهور أوضاعهم الصحية.

وأوضح علي جاسم أن المريض النفسي يحتاج إلى علاج كمثل المريض الجسدي، فقد يعاني من عدم توازن في المعيشة أو مشكلات أسرية أو دنيوية لا يقوى على حلها فأصيب بالاكتئاب، موضحاً أن أبسط العلاج وقليلاً من الجلسات قد يستطيعان إنقاذ الحالة في حال استدراك الأمر مبكراً والعمل على إنهاء المشكلة، بما يدعم أهداف السعادة التي تنتهجها الدولة.

وأشار إلى أن تغطية التأمين للمرض النفسي حق للمواطن إذ تندرج ضمن استراتيجية الدولة بتوفير سبل العيش الكريم لأبنائها، كما هي حق للمقيم الذي يأتي إلى الدولة ليقدم عملاً وخبرات وخدمات ويستحق توفير سبل العيش الكريم له وتوفير الراحة، موضحاً أن الأمراض النفسية تربك الأسرة وتفككها حيث تؤدي إلى الطلاق وضياع الأبناء.

 

خطوات استباقية

وطالبت ناعمة الشرهان عضو المجلس الوطني الاتحادي، الجهات المعنية باتخاذ خطوات عملية واستباقية نظراً للتوجه العام في الدولة من أجل إدخال نظام التأمين الصحي ليشمل جميع فئات المجتمع وخاصة مرضى الأمراض النفسية نظراً للتكلفة العالية لعلاج هذه الأمراض، مشيرة إلى أن نسبة كبيرة المرضى النفسيين يمكن علاجهم في المراحل الأولية قبل استفحال الأمر.

كما طالبت الشرهان بإعداد برامج توعية خاصة بالأمراض النفسية وأهمية التدخل المبكر وعلاج الحالات لدعم الإيجابية. توعية صحية

 

 

من جانبه، رأى سالم علي الشحي عضو المجلس الوطني الاتحادي، أن الأمر يحتاج إلى توعية صحية فقط، وليس بحاجة إلى العلاج أو الانسياق وراء الاكتئاب، مشيراً إلى أن المراكز تستغل الأشخاص الذين لديهم هموم ومشكلات حياتيه وتستولي على أموالهم، موضحاً أن الأشخاص هم من يضيعون أنفسهم في الاكتئاب.

وأكد سالم عبيد الشامسي رئيس لجنة الشؤون الصحية والبيئية في المجلس الوطني الاتحادي، أن المجلس قام برفع توصيات لوزارة الصحة وتنمية المجتمع في شأن علاج الطب النفسي خلال الفصل التشريعي السابق (السادس عشر) من حيث زيادة عدد مراكز العلاج والارتقاء بنوعية العلاج، ووافقت الوزارة على كافة المقترحات ووعدت المجلس بأن يتم أخذها على محمل الجد والتحرك الذي يلامس المستقبل القريب.

وطالب سالم عبيد الشامسي بإعادة النظر وتنظيم وإدخال الطب النفسي ضمن تغطية التأمين الصحي، إذ إنها يجب أن تكون شاملة ولا تترك لرغبة الشركات المؤمنة لأن تكاليف العلاج والأدوية في هذا الشق ترهق الميزانيات وتفوق الإمكانيات خاصة أن الأدوية غالباً ما تكون أدوية مراقبة ولا يمكن للمريض شراؤها بطريقة اعتيادية، وبالتالي عملية علاج هذه الأمراض تكون مكلفة.

تقدير كلفة العلاج

وأوضحت الدكتورة هبة شركس استشارية نفسية، أن الأمراض النفسية والاكتئاب بشكل عام وبمختلف درجاتها، تتفاوت فترات علاجها بين المدد القصيرة والطويلة التي قد تصل لعامين، وانطلاقاً من ذلك فإن الجلسات العلاجية التي يتلقاها المرضى تكون مكلفة في حال طالت هذه المدة، لافتة إلى أن هذه المعايير هي التي تحدد مدى كلفة العلاج.

وذكرت أن معظم شركات التأمين لا تغطي تكلفة هذا العلاج وخاصة الجلسات العلاجية المتكررة، أما في ما يخص الأدوية فهذا أمره بسيط، حيث إنها لا تشكل عائقاً أو مشكلة في أسعارها، إذ إنها مناسبة للجميع، وإنه من خلال احتكاكها المستمر مع العديد من المرضى وشركات التأمين، تبين أن العلاجات الدوائية هي التي يسمح بتغطيتها، أما العلاجات التي تعتمد على الجلسات السلوكية والمعرفية فلا تشملها التغطية التأمينية.

تكلفة عادية

من جهته قال الدكتور محمد سامح أخصائي الأمراض النفسية إنه يرى تكلفة العلاج عادية وغير مرتفعة، وخاصة في ما يتعلق بالحصول على الأدوية الكيميائية، وإن زيادة عدد الجلسات ومرات الاستشارة هي التي تتسبب بتكلفة أعلى، منوهاً إلى أن شركات التأمين برفضها تغطية هذه الحالات المرضية، تساهم كثيراً في زيادة الكلفة على المريض. وأفاد بأن شركات التأمين العالمية تقبل تغطية نفقات العلاج تبعاً لدرجة وتطور الحالة، غير أن الإشكالية هي في شركات التأمين في عالمنا العربي، التي ترفض ذلك، مرجعاً ذلك لأسباب اقتصادية لها علاقة بالربح والخسارة، لأن الأمراض النفسية لها طبيعتها الخاصة في العلاج، حيث تتراوح فترات علاجها أكثر من عامين في بعض الحالات، وحالات أخرى مزمنة تحتاج علاجاً مستمراً.

90%

يؤكد أطباء الأمراض النفسية أن نسبة الشفاء من هذه الأمراض تصل إلى 90% في ظل توفر آخر وأحدث العلاجات في الدولة.

وقالوا إن الضغوط النفسية التي يتعرض لها الكبار يومياً، والتكنولوجيا المتطورة التي أصبحت ملازمة للأطفال مثل أجهزة الهواتف الذكية زادت من نسبة إصابة الأطفال بالانطوائية والانفصام نتيجة بقائهم لساعات طويلة بعيداً عن رقابة الأهل على أجهزة الهواتف الدكية وتقنيات العصر الأخرى على الألعاب الإلكترونية المحرضة على العدوانية والشر.

ورغم تطور أساليب العلاج إلا أن النظرة الاجتماعية المتوجسة من الطب النفسي التي يصفها البعض «بوصمة العار» ما زالت قائمة، ولم يتخلص الكثير من موروث السنوات الطويلة من المفاهيم والمعتقدات الخاطئة عن زيارة الطبيب النفسي، وتدفع بالأهل أحياناً إلى حجز المريض في غرفة معزولة بعيداً عن أعين الناس مما يزيد في معاناته ومتاعبه.

مفاهيم مغلوطة

شددت الدكتورة سامية ابل استشارية الطب النفسي في مستشفى راشد على أن هناك للأسف مفاهيم مغلوطة سائدة حول الاكتئاب والقلق النفسي تتمثل في اعتبار هذه الاضطرابات لا تستدعي العلاج، إضافة إلى خجل الأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات من طلب المعالجة الطبية النفسية مما يطيل معاناتهم ويفاقم من الاضطرابات النفسية لديهم، مشيرة إلى أن الاكتئاب والقلق النفسي هما في واقع الأمر حالتان مرضيتان لهما أعراض وطرق علاجية، وأن أكثر الطرق فاعلية هو طلب المعالجة الطبية النفسية في أسرع وقت ممكن.

64

حرصت كلية الطب في جامعة الإمارات بالتعاون مع الجهات الصحية الأخرى بالدولة على تطوير كفاءة المعالجين النفسيين وتوطين هذه المهارات، فقد استحدث قسم التعليم الطبي بالكلية برنامجاً للدراسات العليا في مجال تنمية المهارات العلاجية النفسية لخريجيها من الأطباء والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين. وقد تم حتى الآن تخريج 64 طالباً وطالبة على دفعتين، من الحاصلين على هذا الدبلوم العالي بعد درجة البكالوريوس، ويقومون الآن بدورهم الفعّال في خدمة الرعاية النفسية بكافة مستشفيات الدولة، ومساعدة المرضى لتحقيق المطمئنين ومشاعر الأمن والسعادة النفسية، ويتم الآن تسجيل طلبة وطالبات الدفعة الثالثة.

مراجعون

أشارت الدكتورة خولة أحمد المير استشارية الطب النفسي رئيس قسم الطب النفسي بالإنابة بمستشفى راشد إلى أن العيادات الخارجية في المستشفى استقبلت العام الماضي 6498 مريضاً مقارنة بـ 8661 عام 2015، في حين استقبلت العيادات الداخلية 795 مريضاً لغاية شهر سبتمبر الماضي مقارنة بـ 985 بنفس الفترة من عام 2015، اضافة إلى 103 مرضى ممن يصعب السيطرة عليهم وإحضارهم إلى المستشفى.

800 درهم تكلفة «جلسة»

تجربة شخصية لشاب يعاني اكتئاباً حاداً قرر مراجعة مركز خاص للعلاج النفسي بعد أن تعثر في الحصول على العلاج المجاني في أحد المستشفيات الحكومية، يقول: تكلفة الجلسة العلاجية الواحدة 800 درهم، وكانت في بداية الأمر 1200 درهم وبعدها خفضت تكلفة الجلسة لـ800 درهم، مضيفاً انه لم يستطع مواظبة العلاج كون فاتورته باهظة فلجأت العائلة إلى مواقع الانترنت للبحث عن علاجات مجانية، والنتيجة انتكاسة حادة لدى الشاب الذي تدهورت حالته وفقد عمله وانعزل عن أسرته وزوجته وأبنائه الصغار.

وقال شقيقه ينبغي النظر إلى فئة المرضى النفسيين بشيء من الخصوصية، فمن غير المعقول ترك المراكز الخاصة تحدد الأسعار وفقاً لأهوائها دون مرجعية تستند عليها من وزارة الصحة، إضافة إلى أن المريض النفسي هو شخص قد يكون خطيراً على مجتمعه إن لم يتم متابعة الحالة وتقديم العلاج في وقته، ومطالباً بزيادة عدد الأطباء النفسيين في المستشفيات والمراكز الحكومية، ومراقبة أسعار المراكز العلاجية الخاصة وتحديدها بحد أدنى وأعلى تؤخذ فيه مصلحة المريض أولاً وأخيراً.

Email